«قبور» أم «موجات مياه» في دوار الملعب البلدي بحمص؟
عرفناها.. وعرفها العالم أنها من أقدم المدن العامرة على وجه البسيطة، وأنها واحدة من أهم مواطن النشاط الزراعي المنظم عبر التاريخ، وحاضرة عدد من الممالك والحضارات المشرقية الموغلة في القدم.
هي مسقط رأس معظم الأباطرة السوريين الذين حكموا روما.. ولاحقاً، هي مدينة القائد خالد بن الوليد، وإحدى أهم مدن الشرق العظيم بمعالمها التراثية الثقافية والروحية..
إنها حمص (أم الحجار السود) التي تبقى رغم كل التندر على أهلها، المدينة الأكثر بهاء وحيوية وحميمية في سورية، بنسيجها الاجتماعي المتناغم وانفتاح ساكنيها وبساطتهم، وبموقعها (العقدي) الذي يربط البلاد..
حمص.. حمصنا هذه، الجميلة و(البريئة) أصبح يقبع في قلبها ودون أن تدري، أو يدري أهلها وساكنوها، وربما جميع المسؤولين فيها، نصب للهولوكوست!!!
فما الذي جنته هذه المدينة، ليأتي من ينزل بها عقاباً أليماً كهذا؟؟
ومن يتحمّل المسؤولية في ذلك: الجهل؟؟ الاستنساخ الأعمى؟؟ السرقات الفنية التي طالما قام بها الكثيرون ممن ينتحلون صفة (فنان)، وتعج الساحات والحدائق العامة بـ(إبداعاتهم) ؟؟ أم أن أصابع وعقول خفية تخطط وتعبث، ووراء الأكمة ما وراءها؟؟؟
في قراءة التفاصيل الأولية لموضوع ما يزال المستور والمخفي فيه أكبر بكثير من المعروف والمتداول، فإنه وضمن (البرنامج الشامل والمتكامل) للنهوض بالواقع الخدمي والجمالي لمدينة حمص، وتحديث وتطوير الأزقة والشوارع وتنظيم الدوارات والساحات فيها وتزيينها بتصاميم فنية جديدة (ومعبرة) عن أصالتها وتراثها المعماري، فقد تم إعادة بناء وترميم عدة ساحات، ومن ضمنها الدوار الموجود قرب الملعب البلدي، والذي بدا تصميمه الفني بعد إنجازه، يكاد يكون نموذجاً مصغراً عن النصب التذكاري لتمجيد ذكرى الهولوكست (مجازر اليهود المزعومة) المقام في إحدى الساحات الرئيسية في مدينة برلين عاصمة ألمانيا الاتحادية بضغط من الصهيونية العالمية!!!.
نصب الهولوكست المقام في برلين في منطقة السفارات، والذي تم افتتاحه العام الماضي، هو عبارة عن عدد كبير من مكعبات متساوية الحجوم من الخرسانة خالية من أي إبداع فني، تمثل حسب مصمميها، أضرحة اليهود الألمان الذين تزعم الحركة الصهيونية أن النازيين بقيادة (هتلر) قد أعدموهم قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية.. حيث ما فتئت هذه الحركة تبتز الحكومات الأوربية عموماً والألمانية خصوصاً تحت هذه اليافطة، وتفرض مشيئتها عليهم، وتتوعد بالويل والثبور من يتلكأ أو يجادل في الأمر، حيث سرعان ما يوجهون إليه التهمة الجاهزة: «معاداة السامية».. فإذا كان الأوربيون والألمان منهم خصوصاً، محكومين بهذا الواقع، فما الذي يدفع مدينة مشرقية خالصة الانتماء لتاريخها مثل حمص أن تقوم بالمثل، وهي التي بنيت قبل برلين بثلاثة آلاف عام، ولديها من الإرث الحضاري الفني والمعماري والجمالي ما يفوق المخيلة، وأبناؤها يجاهرون بعداء صارخ ضد الصهيونية (حالهم كحال جميع أبناء وطنهم) ولا يشعرون بأي ذنب تجاه موقفهم؟؟
الفنان د. غسان السباعي الأستاذ في جامعة دمشق – كلية الفنون، لم يتفاجأ بما حدث، وأبدى رأيه بالمهزلة القائمة في (دردشة) سريعة مع (قاسيون)، وعزاها لقلة الوعي والموهبة أولاً وأخيراً، ورأى أنها في الغالب لا تحمل أي بعد سياسي، وأكد لنا أن البلاد من أقصاها إلى أقصاها مليئة، بل محشوة بالسرقات الفنية والتقليد الأعمى، حتى أن بعض اللوحات الفنية المعروضة في المتحف الوطني والمنسوبة لفنانين سوريين ما هي إلا نسخ مزورة للوحات عالمية (منسوخة) أو (مسروقة) بشكل كلي، ولكن بأسلوب خال من أي حس أو إبداع..
وأوضح د. السباعي أن عدداً كبيراً من النصب والتماثيل والمنحوتات المنتشرة في المحافظات بما في ذلك تماثيل شهيرة (؟) وذات أهمية ورمزية خاصة في العاصمة، هي مجرد أعمال منقولة وتجميعية بصورة سيئة لتماثيل ونصب موجودة في عواصم ومدن مختلفة في الشرق والغرب، ويرى أن السبب في ذلك يعود إلى ضعف الموهبة لدى معظم (الفنانين) الذين أوفدوا إلى الخارج (لاعتبارات خاصة)، ثم شرعت أمامهم الأبواب بعد عودتهم إلى البلاد، فأوكلت إليهم مهمة تصميم وتنفيذ النصب والتماثيل، فأنجزوها بأشكال لا ترقى إلى رمزيتها وخصوصيتها، معتمدين على ما رأوه في المدن التي درسوا فيها..
عضو مجلس محافظة حمص (تامر سليمان) أشار إلى هذه القضية في الجلسة العادية لمجلس المحافظة المنعقدة بتاريخ 5/11/2006، فأكد أن تصميم النصب الموجود في دوار الملعب البلدي، هو صورة طبق الأصل لنصب الهولوكوست – المحرقة اليهودية- المقام في برلين.. فرد المحافظ في جملة ردوده على مداخلات الأعضاء مؤكداً أن النصب الموجود في برلين على شكل قبور أما «الدوار لدينا فهو مختلف، إنه على شكل موجة مياه، ولا تمثل أي شكل آخر، ومن يروج لهذه الإشاعة هدفه إعاقة التطوير والتحديث في المحافظة».
والحقيقة، إنه لم يتضح حتى الآن بدقة ما هي ملابسات وتفاصيل ما جرى، وليس هناك رأي قاطع لا من الناحية الفنية، وهي فاصلة، ولا من الناحية الإجرائية المتعلقة بالتعهيد والتصميم والتنفيذ والتمويل، وحين تكتمل بين أيدينا الوثائق والمعلومات سيكون لنا في (قاسيون) جولة أخرى ..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 285