محافظة الحسكة.. تلك المحافظة المنكوبة.. وعود النائب الاقتصادي بين حضور الأمس.. وهروب اليوم..
لسبب ما (؟؟) ألغيت، أو تأجّلت زيارة النائب الاقتصادي لمحافظة الحسكة التي كانت مقررة في الرابع عشر من الشهر الجاري، وبالتالي لم يعد حامل الوعود للمحافظة المنكوبة، ليفوته حضور صلاة الغائب على قمح البعل الذي هجر الأرض في الحسكة ومناطقها وسكن بيوت الشعر علفاً.. وهو الذي كان يعد الناس هناك بأحلام وردية وسلال مليئة، فإذا بسلة الغذاء السورية تصبح فارغة, وربما لهذا السبب كان مقرراً أن جميع لقاءات واجتماعات الدردري ستكون مغلقة أو داخلية وبدون تغطية إعلامية، وفقاً للتعليمات المكتوبة التي تم تعميمها قبل إلغاء الزيارة.
بائع الأحلام الوردية!
لم نجد كلاماً معسولاً لمسؤول أوضح وأكثر مباشرة وأشمل تعبيراً من كلام الدردري في سياق زيارته الأخيرة للحسكة، وهو يعلن صراحة عن مهمة الحكومة وهي: خدمة المواطن وإرضاؤه، ليطلب المحاسبة عند التقصير في عملية التنمية التي هدفها ومحورها المواطن، وزاد في ذلك الاجتماع المشهود له أنه وعد المنطقة الشرقية بأموال استثنائية لتنعم بإنجازات طالما حلمت بها، ومشروعات تنقذ اقتصاداتها وتلملم جراح بطالتها، لتتحول المنطقة الشرقية إلى نموذج يحتذى به. وأكد الدردري حينها أن النهوض بالمحافظة يأتي في مقدمة أولويات الحكومة عبر تنفيذ العديد من المشاريع الصناعية والسياحية والزراعية التي ستسهم في زيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة ورفع مستوى الخدمات. وأشار إلى أن الحكومة جادة بزيادة الإنفاق على متطلبات البنية التحتية في محافظة الحسكة، منوهاً إلى البدء بدراسة المدينة الصناعية في المحافظة وعرضها للاستثمار كمشروع استثماري متكامل، إضافة إلى المشافي الجديدة والكليات الجامعية المحدثة، ومشروع تنمية شرق سورية الذي يهدف إلى تفعيل الحراك الاجتماعي والمشاركة الاجتماعية في عملية التخطيط للتنمية والإشراف عليها ومتابعتها من المجتمع المحلي. ونوه إلى أن الهدف الأساسي للخطة الخمسية العاشرة، التي لم ير أهل المنطقة خيرها من شرها، هو مضاعفة دخل الفرد خلال عشر سنوات، والأهم من ذلك هو تحسين عدالة توزيع هذا الدخل..
اسم يدغدغ ذاكرة الحسكاويين
ولعل اللقاء الذي أجراه النائب الاقتصادي في مدن الحسكة مع فعالياتها الاجتماعية لشرح برنامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية لشرق سورية، كان غنياً وحميمياً لأقصى درجة كما وصفه الدردري، حيث تم التأكيد على أن المشروع يعتمد على اختيار اللجان المحلية من المجتمع الأهلي والمحلي وهذه اللجان هي التي ستضع أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم بالإعداد وحث المواطنين على تحمل مسؤولية تنمية هذه المنطقة مشيراً إلى القدرات الرائعة المتوفرة فيها، والتي تؤهلها للمشاركة الفاعلة والمؤثرة في عملية التنمية, كمن يضحك على الذقون، وهو لا يعلم أن المواطن لن يقبل بمن يضحك على ذقنه.
وقال إنه آن الأوان لكي يقلع مشروع تنمية المنطقة الشرقية، وتبدأ مرحلة العمل التنفيذي على أرض الواقع، ويبدأ أبناء المنطقة برؤية بداية المشروعات الملموسة والكفيلة بتطوير هذه المنطقة. وأوضح أن الإنفاق شيء والدخل شيء آخر، وأن موضوع معيشة المواطن قضية ذاتية وليست موضوعية.. (توضيح هام دخلنا به موسوعة غينيس)، من يفسرها سوف يدخل برنامج من يربح المليون مع الاستعانة بصديق اقتصادي. وقال إنه «على المواطن أن يطمئن إزاء تشديد الرقابة على الأسواق وتوفير المواد الاستهلاكية بالإضافة إلى ما تبذله الحكومة خلال الأيام الحالية لدراسة واقع الرواتب والأجور وإمكانيات التحرك إيجاباً لتحسينها بالإضافة إلى توزيع التوفر الحاصل من خلال رفع أسعار الوقود على كل الأسر السورية في المرحلة الأولى».
تيتي تيتي!
جاءت وعوده برداً وسلاماً على أهالي المنطقة الشرقية عندما زارها، وهو كعادته بدبلوماسيته المتفوقة على ذاتها، طلب منهم أن يستمعوا إليه معلناً مقولته الشهيرة آنذاك: «حاسبونا إن قصرنا في التنفيذ، والمواطن هو هدف التنمية ومحورها والحكومة في خدمة المواطن ومهمتها إرضاؤه». هذه الأقوال التي شبع منها المواطن، أثارت استياء شعبياً في الشارع, وهو يعلم أن أصحاب الدخل المحدود لا يستطيعون استيعاب الأقوال دون تنفيذ الأفعال التي يصرح بها، المنظر، المحلل الراعي، المنفذ، المنقذ، المسوق، المبرر بين الحين والآخر.
المنطقة الشرقية تحتاج اليوم لمن يرعاها بصدق وشفافية وقدرة على التحليل ومعرفة الواقع للنهوض به، تحتاج إلى تنمية، وتنميتها تحتاج إلى مشروعات نوعية جديدة ذات طبيعة اقتصادية بكل أبعادها، لأن المنطقة الشرقية ليست فقط ضماناً لأهلها، ولكنها ضمان لكل سورية. وإذا في كلامنا ما هو غير صحيح نقول: صححوا لنا معلوماتنا، أو حاسبونا إذا قصرنا أو أخطأنا.
رغم غنى المحافظة بالخيرات، فإن سكانها يعيشون في فقر مدقع، ونسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر تبلغ حوالي خمسين بالمئة.. مما اضطر الآلاف من الأسر للهجرة تحت وطأة الجوع والحاجة في ظل كارثة زراعية وديموغرافية واجتماعية بدأت تحل بالمحافظة أمام قصور أداء بعض المسؤولين عن تدهور الواقع الزراعي على ما هو عليه. و تشير الأرقام التقديرية إلى هجرة 200 ألف شخص تركوا قراهم باتجاه العاصمة دمشق وريفها ودرعا وحمص واللاذقية وطرطوس وغيرها من المحافظات، بحثاً عن العمل، فضلاً عن الهجرة الخارجية إلى بعض الدول المجاورة وهي أفضل المتاح، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن منطقة القامشلي وحدها قد هاجرت منها 30 ألف عائلة، ومن منطقة (الشدادي) حوالي 50 ألف شخص، ومن عامودا 20 ألفاً، والدرباسية 10آلاف.. فيما لم يعرف الرقم الحقيقي لعدد المهاجرين من المناطق الأخرى، وخاصة منقطة (جنوب الرد) التي تحولت قراها إلى أطلال بعد أن تركها أهلها، وأغلقت مدارسها، وعينوا حارساً على ما تبقى من ممتلكاتهم بين جدران طينية لا تذكر إلا ببقايا الحضارات الغابرة.
ولم يكن حال الذين هاجروا بحثاً عن لقمة العيش أفضل ممن بقي يقاسي مرارة الجفاف والعوز، فقد قدموا إلى مناطق انتهز بعض أبنائها حاجة هؤلاء للعمل، بحيث تم استغلالهم من الناحية المادية فضلاً عن الكثير من التجاوزات اللاإنسانية..
حتى الآن مازال أغلب المسؤولين عن معالجة قضايا المنطقة بعيدين عن استيعاب التوجيه والمسؤولية، ويتخذون قراراتهم من مكاتبهم الوثيرة والمكيفة في العاصمة, وتقارير المسؤولين المحليين إلى هؤلاء تصلهم بالفاكس حاملة إليهم صوراً وردية عن واقع المحافظة، فتلون القبور بألوان الربيع والإنجازات التي ينعم بها أبناء المنطقة الشرقية التي تدعم الاقتصاد الوطني بمنتجات أربعة هي الماء والنفط والقمح والقطن، ولا تأخذ من اهتمام بعض الوزراء والمسؤولين أكثر من زيارات استعراضية مصورة وقرارات بعيدة عن الواقع تتخذ وراء المكاتب وتحت الطاولات.
أسئلة مريرة
أهل المنطقة حائرون يتساءلون, لماذا لم تبدأ الحكومة بمشروعاتها التنموية حتى الآن؟ هل كانت وعودها أمام أهالي المنطقة الشرقية وعوداً إعلامية ليس إلا؟ هل يعرف السيد الدردري معنى عبارته: حاسبونا إذا قصرنا؟ لماذا يعتبر بعض المسؤولين أن ذاكرتنا لا تحفظ التاريخ؟ هل وعوده استخفاف بعقولنا أم استخفاف بذواكرنا أم استخفاف بمصائرنا؟ هل جاءت هذه التصريحات من فراغ وذهبت إلى فراغ؟ وهل هناك من يستطيع محاسبته على كل هذه الوعود وهذا التقصير، كي لا يتهدم جدار الثقة بين المواطن والمسؤول؟؟؟.
كل هذه الأسئلة وأكثر منها نضعها على طاولة الحكومة التي لم يعد هناك ما يجعلنا نثق بها..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 405