يوسف البني يوسف البني

الحصن المنيع للزراعة السورية مهدد بالخطر منطقة الغاب بين هموم الفلاحين وتراجع الزراعة

إن ما يجري من رفع الدعم عن  الزراعة يهدف إلى تدميرها، والتخلص من مقومات منعة الوطن ومتانة وحدته الداخلية. إنه انقلابٌ على الإنجازات والمكاسب التي تحققت عبر عقود طويلة، وتحقيقٌ لمآرب القلة التي أثرت على حساب لقمة عيش المواطنين، هي خطوة هدامة من مسيرة الليبرالية الجديدة المنفلتة من أية ضوابط إلا الربح الفاحش على حساب أمن وأمان الوطن والمواطنين عن طريق تجويع الشعب وتشريد الفلاحين، هي عملية قوننة للنهب والتحكم والفساد،

وما الإجراء الأخير برفع الدعم عن الأسمدة وزيادة أسعارها إلا تأكيد على المضي في سياسة العوز الغذائي الذي أضحى سمة السياسة الاقتصادية الجارية. وبما أن التجارة أصبحت حرة ويستطيع التجار استيراد الأسمدة، وأسعارها قد تكون مؤقتاً اقل من سعر المصرف الزراعي أو الهيئات البديلة، بفعل المضاربة وإغراق السوق  في بداية الأمر، فإن الفلاحين سيتجهون إلى التجار للحصول على الأسمدة، وفي مرحلة لاحقة تتوقف معاملنا ويتم القضاء على هذه الصناعة، لتخلو الساحة إلا من التجار والمحتكرين، والمحصلة ستكون زيادة تدهور القطاعين الصناعي والزراعي معاً، أي الإجهاز على الاقتصاد الوطني المنتِج
 
فسورية التي حققت أمنها الغذائي منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي وتحديداً بين عامي 1999 و 1994، وقامت بتصدير القمح في عام 1994 معلنة بدء مرحلة الاكتفاء الذاتي، يضاف إليه تصدير مئات ألاف من أطنان الحبوب الزراعية الأخرى من الشعير إلى القطن والعدس وغيرهم، لنسمع في العام الحالي تصريحاً لمعاون وزير الاقتصاد والتجارة السوري غسان العيد، إن البلاد تمتلك مخزوناً من القمح يكفيها لموسم واحد فقط، أي للعام 2009، ونرى سورية تمد يدها للاستيراد ولسان حالها يقول: «نريد القمح من أي مصدر كان، وبأي ثمن».
ليس قمحنا وخبزنا فقط هما المهددين، فقد قررت وزارة الزارعة تخفيض خطة زراعة القطن أيضاً، في سهل الغاب بمعدل 50% عن المقرر من 25500 هكتار إلى 12955 هكتاراً، نتيجة عجز الموازنة المائية بمعدل 116 مليون متر مكعب عن الموازنة المائية في العام الماضي، حيث أبلغت الفلاحين بضرورة زراعة محاصيل بعلية دون تحديد نوعية هذه المحاصيل في المساحة المستبعدة من زراعة القطن والبالغة 12725 هكتاراً في محافظة حماة، أو إبقائها بوراً. ورأى الفلاحون في طلب وزارة الزراعة «طرحا نظريا لا يمكن تنفيذه، لأنه لا يمكن زراعة محاصيل بعلية صيفية في هذه المساحات ولو كان هذا ممكناً لكانت حددت هذه المحاصيل بالاسم». وقد وردت إلى الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب طلبات من كثير من الفلاحين لإعادة إدراج زراعة القطن في الخطة، ويطالبون بتأمين البذار اللازم لذلك في المصارف الزراعية. لأن المصرف الزراعي إذا قام بتوزيع الأسمدة على المزارعين فإن هذا لا يتم إلا عبر رخصة زراعية رسمية مصدقة من مديرية الزراعة حيث توزع الكمية المخصصة من الأسمدة بما يتناسب والمساحة المحددة في الخطة الزراعية، علماً أن الكمية التي يتم توزيعها بشكل رسمي غير كافية، فالمزارع بالإضافة إلى مخصصاته من الأسمدة يحتاج إلى أسمدة إضافية تساعده على النهوض بمحصوله، وهذا ما دفع بالمزارعين اللجوء إلى السوق السوداء التي باتت ملاذهم رغم المبالغ الباهظة التي يدفعونها ثمناً لأسمدة هي في الأصل وجدت لأجلهم.
 
السياسة الزراعية المتبعة ورأي الفلاحين
حول الآثار السلبية التي خلفها رفع الدعم عن الأسمدة ومن قبلها المازوت وانعكاس ذلك على الزراعة وتكاليف إنتاج المحاصيل الزراعية، وما لحق بالفلاحين من أضرار أثقلت كاهلهم وأدت إلى تراجع إنتاجهم، ودخلهم المتآكل أصلا من جراء سياسة الحكومة الخاضعة لوصاية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قام مراسل «قاسيون» في منطقة الغاب «يامن طوبر» باستطلاع آراء عدد من الفلاحين الذين قدموا التصريحات التالية:
ــ الفلاح عطية العلوش عضو في الجمعية الفلاحية الرائدة في قرية الكريم: «أصبح السماد من أهم مستلزمات الإنتاج لعدم استطاعة الفلاح إتباع دورة زراعية سليمة تعوض التربة بعض العناصر التي تفقدها، ويعود ذلك إلى تفتت الحيازة الزراعية إثر تقسيمها على أفراد الأسرة الفلاحية، وغالباً ما تكون حصة الفرد الواحد خمسة دونمات، فازدادت الحاجة إلى الأسمدة، وتكلفة الدونم الواحد حوالي ستة ألاف ليرة، وهذا ما لا نستطيع تأمينه مع ما جرى من غلاء في سعر السماد، فنضطر إلى اللجوء للمرابين من التجار وأصحاب الأموال. إضافة إلى أن غلاء سعر المازوت أرهقنا، فالدونم الواحد في منطقة الغاب يحتاج إلى 10 ريّات نظراً للتغير الذي طرأ على المناخ، ونحن نسقي أراضينا عبر ضخ المياه على ثلاث مراحل، أي ترتفع كلفة المازوت إلى ثلاثة أضعاف، ما جعلنا نعزف عن زراعة القطن، ورغم معرفة الحكومة بهذا الوضع لم تحرك ساكناً، ولا يوجد من يقدر التعب والجهد الذي يبذله الفلاح، ويعيد إليه بعضاً من حقه الضائع أو المغتصَب».
ــ رياض جنود من جمعية قرية التوينة: «خطة زراعة القطن في الجمعية حوالي 2000 دونم أما المنفذ منها فهو أقل من 300 دونم، والسبب هو غلاء أسعار الأسمدة، وفي العام القادم لن يزرع أحد حتى الخضار، فليستوردوها، أليس هذا هو المقصود؟ ليشبع التجار والمسؤولون من تكديس الأموال، العلاقات الاجتماعية انهارت، صرنا نتهرب من استقبال الضيوف شتاءً كي لا نشعل المدفأة، فهل شاهدت رجلاً يحمل عبوة سعة 2 ليتر يقصد محطة الوقود؟! جعنا وخربت بيوتنا».
ــ الحاج رمضان من الفلاحين النشيطين وذيخبرة عالية بالتعامل مع المزروعات من جمعية الشريعة: «إن الدولة مقصرة بحقنا على كل الأصعدة، فقد سبق أن زرعت سبعة دونمات من البندورة بكلفة قاربت مائتي ألف ليرة، ولم يبق سوى بضعة أيام لجني المحصول، فهطل المطر واستبشرت خيراً، إلا أن المحصول احترق، فقمت بإبلاغ الجهات المعنية بذلك، ولكنهم لم يبذلوا أدنى جهد لتحليل الظاهرة، وخسرت الموسم ولا أستطيع الاستمرار على قيد الحياة كمنتج».
 
هموم الزراعة تطرح في مجلس المحافظة
في الجلسة التي عقدت بتاريخ 18/5/2009 تمحورت معظم المداخلات حول المسألة الزراعية والأوضاع المعيشية السيئة التي وصل إليها الفلاحون نتيجة السياسات الحكومية المتبعة، من رفع أسعار مستلزمات الإنتاج كالمازوت والأسمدة. عضو مجلس محافظة حماة مصطفى إبراهيم في نهاية مداخلته خاطب رئيس الجلسة بقوله: «أعلمْتَنا أن النائب الاقتصادي السيد الدردري سيزور منطقة الغاب يوم الخميس القادم وقد حملني فلاحو منطقة الغاب رسالة أرجو أن تصله من خلالكم، مفادها أن الفلاحين لم يعد باستطاعتهم تحمل العيش مع غلاء مستلزمات الإنتاج الذي أرهقهم، والتي كان أخرها رفع الدعم عن الأسمدة، فهل يريد من الفلاحين ترك أراضيهم وهجرها؟ والى أين تكون الوجهة؟!»
كما طالب عضو المجلس وحيد الكحيل بإعادة النظر بسعر مادة المازوت بتخفيضها إلى الحد المناسب، لما كان لغلاء هذه المادة من آثار سلبية على المجتمع وعرقلة نمو الاقتصاد الوطني، وأكد أن رفع الدعم عن الأسمدة سيكون له آثار سلبية كبيرة على الزراعة والمزارعين، وأنهى كلامه بان السياسة الزراعية المتبعة خطيرة وخاطئة.
 
التفريط بالزراعة خطر حقيقي
من المؤكد أنه مع سياسة كهذه لن يكون بلدنا بخير إذ ساهمت وتساهم مثل هذه السياسة بعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فهناك تساؤلات عديدة حول قضايا القطاع الزراعي بشقّيه النباتي والحيواني، إلى جانب مسائل الري وعمليات التسويق وزيادة أسعار مستلزمات العملية الزراعية وارتفاع تكاليف الإنتاج، مثل ضرورة الإسراع في إصدار تسعيرة الأقماح، وخاصة قبل بدء موسم الزراعة لتشجيع المزارعين على زراعته، وتخفيض خطة زراعة الشوندر السكري في منطقة الغاب بعد إيقاف معمل سكر الغاب عن العمل، لتوفير ثمن وقود الري وأجور النقل على الفلاحين. فرغم ما تقدّمه الدولة من دعم للقطاع الزراعي إلا أن هذا القطاع يتعرّض لإشكالات متعدّدة ومعقّدة أهمها تعرّض دورة إنتاج المحاصيل الزراعية والإستراتيجية للخطر الشديد نتيجة بعض السياسات التسعيرية والتسويقية.
 
أثر السياسات الزراعية على أرض الواقع
كان لمراسل «قاسيون» الحوار التالي مع نائب رئيس الرابطة الفلاحية في منطقة الغاب حافظ سالم:
• القطاع الزراعي أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني المنتج، والعمل على دعمه وتقويته مهمة وطنية، وأي إجراء ضد ذلك يعني إضعافاً لمنعة الوطن، وخطوة نحو سلب قراره السياسي، فكيف نحافظ على قرارنا السياسي وأمننا الغذائي؟
هذا صحيح، سورية بلد زراعي، وهناك أكثر من 5 مليون عامل يعتاشون من العمل في القطاع الزراعي والصناعات المتعلقة بالزراعة، وقد عانينا وبذلنا الكثير من الجهود كي نصل إلى الاكتفاء الذاتي الذي يحصن بلدنا ويصون كرامته أمام الضغوط الخارجية، التي تهدف إلى النيل من موقف سورية المبدئي إزاء القضايا الوطنية والعربية، ورغم توجيهات السيد رئيس الجمهورية إلى الحكومة للعمل على الاهتمام بالزراعة وتحسين أوضاع الإخوة الفلاحين، ومواجهة الضغوط الخارجية، إلا أن الإجراءات التي يتخذها الفريق الاقتصادي تساهم بإضعاف اقتصادنا وتعرضنا للخطر المحدق بنا، فرفع سعر المازوت ومن بعده رفع أسعار الأسمدة إلى أكثر من 300%، لا يتفق مع توجهات القيادة السياسية، ويلحق أفدح الأضرار بالزراعة والمزارعين.
• قرار رفع الدعم عن الأسمدة ومن قبله المازوت قرارات تعيق  بل تدمر القطاع الزراعي وتشرد الفلاحين، أين انتم من هذه الإجراءات؟
كل ما جرى كان عملاً محبطاً للإخوة الفلاحين وإن ما قامت به الحكومة مؤخراً بتخفيض سعر المازوت من 25 إلى 20 ليرة سورية لليتر الواحد لا يلبي حاجة الفلاحين، كون مادة المازوت عصب العمل الزراعي، وترتب على غلاء هذه المادة أعباء إضافية كبيرة أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي، نأمل أن يعاد النظر بتخفيض سعر مادة المازوت أو رفع أسعار المحاصيل الزراعية بما يتناسب مع تكاليف إنتاجها، وجاء ارتفاع أسعار الأسمدة ضربة إضافية للفلاح، وما كانت الـ800 ليرة للدونم المزروع حسب الخطة لتفعل شيئاً مقارنة بهذه الزيادة على سعر الأسمدة. وقد قامت الروابط الفلاحية في محافظة حماة ومنها الرابطة الفلاحية في منطقة الغاب بدراسة جدوى للمحاصيل الزراعية وتكاليف الإنتاج ورفعت إلى اتحاد الفلاحين في المحافظة، وبدوره خاطب الاتحاد العام حول هذه الدراسة التي بينت أن أسعار المحاصيل الزراعية لا تغطي تكاليفها، وقرار رفع الدعم عن الأسمدة جاء لمصلحة التجار ليتحكموا بالفلاحين، الذين لم يعد بمقدورهم بعد هذا الغلاء شراء الأسمدة نقداً، فلجؤوا إلى التجار ليمدوهم بالأسمدة مقابل بيعهم المحصول بسعر مخفض.
• أصبحت زراعة القطن والشوندر السكري غير مجدية بسبب ارتفاع التكاليف وسوء البذار، فغالباً ما يضطر الفلاح لإعادة زراعة المحصول أكثر من مرة، والنتيجة مردود ضعيف، ماذا فعلتم إزاء ذلك؟
يجب وضع الحلول المناسبة من قبل مراكز البحوث الزراعية، لإيجاد أصناف محسنة ومقاومة للعوامل الجوية، وقد خاطبنا الجهات المعنية بالمسالة الزراعية لتعويض الفلاحين عن الأضرار التي لحقت بهم، فلم يأتنا رد بهذا الخصوص، أما تحسين البذار فهناك من يعمل على ذلك».

معلومات إضافية

العدد رقم:
406