أهالي حوران يتعالى صوتهم!؟
يعاني أهالي مدينة درعا وقراها وبلداتها، وخاصة تلك الواقعة بحوض اليرموك، من ويلات الحرب، والأزمة الممتدة منذ قرابة ست سنوات وحتى الآن، إضافة لمعاناتهم على المستوى المعيشي والاقتصادي والاجتماعي.
أهالي بلدات حوض اليرموك الغربي في ريف درعا، والواقعة تحت سيطرة ما يسمى «جيش خالد بن الوليد» التابع لتنظيم «داعش» الارهابي، يعانون من جملة من الصعوبات الحياتية والأمنية، وذلك بسبب تواجد إرهابيي «داعش» داخل بلداتهم من طرف، فيما تحاصرهم مجموعات إرهابية أخرى، تتمثل «بجبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام» بشكل خاص، وغيرها من المجموعات والفصائل المسلحة الأخرى، من الخارج.
حصار إرهابي مزدوج
هذا الحصار الإرهابي المزدوج من الداخل والخارج، أحال حياة هؤلاء الأهالي إلى جحيم، فويلهم من الممارسات الإجرامية لعناصر تنظيم «داعش» الإرهابي من الداخل، مع التنكيل اليومي كله الذي يتعرضون له من هذه الممارسات، لحدود التدخل بتفاصيل الحياة اليومية، عبر ما يدعون من تطبيق «للشرائع» مع عقوباتها التي تصل لحدود القتل المباح، وويلهم الذي لا يقل سوءاً وإجراماً على مستوى الحصار المفروض عليهم، من إرهابيي «النصرة» وأشباهها من الخارج، والذي وصل لحدود منع الأهالي من الدخول والخروج، كما ومنع إدخال الأغذية والاحتياجات الأساسية اليومية، بما في ذلك الوقود والأدوية.
لم تقف حدود معاناة هؤلاء الأهالي عند هذا الحد فقط، بل تعدتها إلى مستوى التهديد الأمني المباشر للحياة بشكل يومي، ليس من تطبيق ما يسمى «بالحدود» من قبل «الداعشيين» وأشباههم وأتباعهم فقط، بل على مستوى المعارك التي تدور على أرضهم وبمحيطها، والقذائف المتبادلة التي يكونون هم ضحاياها على الأغلب، والأهم عدم تمكن هؤلاء من تأمين موارد رزق بديلة بعد أن أصبحت أراضيهم الزراعية خارج الخدمة بفعل القذائف والقنص والحصار، وباعتبار أن الزراعة هي المصدر الأساسي للمعيشة بالنسبة لهم، بالإضافة للاستنزاف الاقتصادي والمستمر عبر الممارسات الإرهابية من أطراف الصراع المتحكمة، على أراضهم وبمحيطها.
عدم استكانة!
لم يستسلم الأهالي لهذا الواقع القاسي المفروض عليهم، ولكن محاولات التذمر والاعتراض كلها من قبلهم، كانت تقابل بالمزيد من التنكيل بحقهم من قبل إرهابيي داعش، بحكم فرض الوجود بقوة السلاح، وما يسمى «بالمحاكم الشرعية» التي تطلق أحكامها بحق المتذمرين والمعترضين، بالإضافة لاتباع أساليب الترهيب والترغيب، واستغلال حاجات الناس بالمزيد من الضغط عليهم من خلالها.
مطلع الشهر الحالي وجه هؤلاء الأهالي بياناً، فيه مناشدة ونداء إلى أصحاب الضمائر الحية من أهل حوران ووجهائها، والقادرين على إيصال صوتهم، وتتلخص مطالب الأهالي بمتنه، برفع الحصار المفروض عليهم، والذي أدى إلى ندرة المواد الغذائية، والمطالبة بإغاثة الأطفال الجياع، وخاصة على مستوى تأمين رغيف الخبز، والسماح للمرضى المصابين بحالات مزمنة الخروج من حوض اليرموك للعلاج، مؤكدين بمضمونه أنهم من المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، طالبين المساعدة والعون.
وقد ذيل النداء بتوقيع أعضاء المجالس المحلية في العديد من البلدات الواقعة بحوض اليرموك الغربي في ريف درعا.
أصناف متعددة بالتنكيل
أهالي بلدات وقرى درعا، الواقعة تحت سيطرة المجموعات المسلحة، تعاني من تصرفات وسلوكيات التشكيلات والفصائل المسلحة، الكثيرة والمتعددة بأسمائها وراياتها، والمتنوعة الانتماءات والولاءات، والمنتشرة، فارضة سيطرتها على هؤلاء الأهالي بحكم الأمر الواقع عبر قوة السلاح والدعم بالمال والعتاد من الخارج، والتي يغلب عليها الطابع الارهابي والمتطرف، من «داعش» الإرهابي واتباعه ومبايعيه، إلى «النصرة» الإرهابية وأخواتها وأشباهها.
أصناف عديدة من الارهاب والتنكيل تقع بحق الأهالي من قبل هذه التنظيمات الارهابية، وخاصة لكل مخالف لأراءها ومعتقداتها، التي تعتبر «شرعية» حسب كل منها، في احتكار حصري لوكالة التمثيل الرباني على الأرض، حسب زعم كل منهم، فقد شهدت تلك القرى والبلدات العديد من أحكام الإعدام بحق من تعتبرهم «مخالفين» أو «متعاملين»، ليس للنظام كما جرت العادة عند تبرير التصفيات الجسدية، بل حتى فيما بينها، عندما تتقاطع وتتقارب مصالح المجموعات المسلحة أو تتباعد، وفق ثلاثة تبويبات أساسية، «النصرة» وأتباعها، «داعش» ومبايعينها، «الجيش الحر» وفصائله.
تحركات شعبية
هذا الواقع اليومي المؤلم، ما يتبعه من فقر وحاجة، فرض العديد من أشكال الرفض الشعبي، حيث شهدت العديد من البلدات والقرى في ريف درعا، الخاضعة لسيطرة المسلحين على اختلاف تسمياتهم وتبعياتهم، مظاهرات شعبية خلال الشهر المنصرم، وكان اللافت بهذه المظاهرات، التي شارك فيها العشرات من أبناء هذه البلدات والقرى، مطالبتها بفك ارتباط المجموعات المسلحة مع الخارج، وخاصة مع ما يسمى بغرفة «الموك» في الأردن.
ولم تكتف المطالب الشعبية بذلك، بل كان التنديد الشعبي يتمحور حول فكرة عدم الانصياع للأوامر الخارجية، ورفض سلوكيات المجموعات المسلحة، وخاصة ما يسمى بـ «دار العدل» في حوران، وغيرها من المطالب الأخرى، كنموذج من نماذج الضغط الشعبي بمواجهة السلاح والمسلحين، على الرغم مما يمكن أن يستتبع ذلك من قمع وتنكيل بحق المشاركين بهذه المظاهرات من قبل حملة السلاح التابعين للمجموعات والفصائل المسيطرة.
حكاية أخرى مع النازحين
تنتشر مخيمات النزوح حول العديد من البلدات والقرى في ريف درعا، بعضها صغير وبعضها الآخر كبير، تضم هذه المخيمات آلاف الأسر التي اضطرتها ظروف الحرب والاقتتال إلى ترك بيوتها وقراها، ولعل معاناة هؤلاء تعتبر الأكبر على مستوى أهالي سهل حوران عموماً، فهم بالإضافة إلى تشردهم ونزوحهم وفقدان بيوتهم وممتلكاتهم، معرضون لأخطار القذائف، كما معرضون لحملات التنكيل التعسفي من قبل المجموعات المسلحة، المتبدلة في السيطرة على تلك المخيمات حسب وقائع المعارك ونتائجها، ناهيك عن المعاناة من تأمين مستلزمات المعيشة اليومية الضرورية، بظل نقص الموارد وضعفها، والواقع الاقتصادي المعاشي المتردي عموماً، بالإضافة إلى ما يعانونه من تقلبات الطقس، بين برد الشتاء وحر الصيف، خاصة وأن خيام هؤلاء باتت ممزقة ومهترئة، بحيث لم تعد تقي ساكنيها لا حراً ولا برداً.
هؤلاء أيضاً، كانوا قد وجهوا العديد من النداءات والمناشدات، من أجل النظر بحالهم وبواقعهم، وإغاثتهم، حيث تتناهب احتياجاتهم المصالح المتعارضة للقوى المسيطرة، وخاصة على مستوى الغذاء والدواء، وغيرها من أساسيات البقاء، علماً أن جزءاً من هذه الاحتياجات تقدم عبر منظمات دولية، ولكن غالباً ما تقع تحت أيدي المتنفذين المسيطرين من المجموعات المسلحة، في استغلال مباشر لحاجة هؤلاء النازحين، وعلى حساب بقائهم أحياء بأحيان كثيرة.
في مرمى النيران
على الطرف المقابل ما زالت المعارك تدور بين هذه الفصائل مع قوات الجيش على العديد من المحاور بين الحين والآخر، حيث يتم تبادل للرمي المتبادل للقذائف، كما ما زال الأهالي هم من يدفعون ضريبة هذه القذائف والمعارك غالباً، ناهيك عما يعانونه على مستوى إغلاق بعض الطرق، وخاصة المؤدية لدمشق، أمام حركة المرور في بعض الأحيان، سواء للسيارات أو للأفراد، مع ما يتبع ذلك على مستوى تأمين مستلزمات المعيشة، بالإضافة للانقطاع عن العمل أو الدراسة، بحكم الارتباط العضوي اقتصادياً واجتماعياً ومعاشياً بين درعا ودمشق، ناهيك عن المعاناة من بعض عناصر الحواجز المنتشرة على الطرق، من ممارسات تحكمية سلبية وفجة في بعض الأحيان.
من المعلوم أن العديد من بلدات وقرى درعا انضمت للهدن المعلنة، وقد كان لذلك الأثر الايجابي على المستوى الحياتي والاقتصادي والاجتماعي بالنسبة للأهالي، إلا أن وجود التنظيمات الإرهابية، وخاصة «داعش» و«النصرة»، مع استمرار الدعم والتغطية الإقليمية والدولية لها، يمنع من المضي قدماً باتجاه استكمال هذه الهدن لتشمل كامل قرى وبلدات حوران، على الرغم من المطالب والضغط الأهلي من أجل استعادة حياتهم ودورهم، على المستوى المحلي الخاص، وعلى المستوى الوطني العام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 788