مصالح قاطني العشوائيات مغيّبة!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

مصالح قاطني العشوائيات مغيّبة!

عقدت يوم الخميس 1/12/2016 جلسة حوار برئاسة وزير الأشغال العامة والإسكان، وذلك لمناقشة مشروع تعديل القانون رقم 15 لعام 2008، الخاص بمناطق السكن العشوائي، حيث سبق أن كلفت الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، من قبل لجنة الخدمات برئاسة مجلس الوزراء، بملف معالجة السكن العشوائي وتعديل القانون أعلاه بما يساعد على إنجاز العمل بشكل متكامل.

 

 

وقد حضر جلسة الحوار ممثلون عن كل من: وزارة الإدراة المحلية- وزارة التجارة الداخلية- نقابة المهندسين- المؤسسة العامة للإسكان-هيئة التخطيط الإقليمي وبعض الجهات الحكومية الأخرى، بالإضافة لممثلين عن بعض شركات التطوير العقاري، وطبعاً بحضور الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري.

المطلوب مزيد من التسهيلات؟

حديث الوزير في الجلسة المشار إليها تركز على أن القانون الحالي أصبح لا يتلائم مع المستجدات والظروف الراهنة والمستقبلية، ومتطلبات واحتياجات المجتمع، كما تم التقدم ببعض المقترحات، واختتمت الجلسة بطلب تقديم رؤى واضحة وأفكار جديدة لخدمة الاستثمار العقاري في سورية، وموافاة الوزارة بهذه المقترحات خطياً خلال أسبوع من تاريخ الاجتماع.

وبشكل عام، فإن التعديلات المطلوب إدخالها على القانون المذكور، من المفترض أن تحقق ميزات وتسهيلات بما يسهم في إزالة العقبات التي تواجه المطورين العقاريين، عبر منح الهيئة دوراً وفاعلية أكبر، من أجل تشجيع القطاع الخاص، وتهيئة البيئة الاستثمارية العقارية الواعدة، لا سيما في مرحلة إعادة الإعمار، وهذا ما يتم الترويج له عبر الجهات الرسمية المسؤولة عن الملف عبر وسائل الإعلام.

ملاحظات المطورين يؤخذ بها!

يشار إلى أن مدير الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، كان قد صرح في وقت سابق، عبر إحدى وسائل الإعلام: أن «الهيئة في مراحلها الأخيرة من مشروع تعديل قانون التطوير العقاري رقم /15/ لعام 2008 بعد استكمال إجراءات صدوره، وأن مجمل التعديلات تخدم مرحلة إعادة الإعمار»، فيما سبق وأوضح عبر وسيلة إعلامية أخرى مطلع العام: أن القانون 15 «ما زال مطروحاً للنقاش ليتم تعديله وسد الثغرات الموجودة بنسخته الأولى وتم التواصل مع المطورين والمستثمرين والمهتمين جميعهم، داخل القطر وخارجه لإبداء ملاحظاتهم على القانون ليتم الأخذ بها في القانون المعدل».

غياب أصحاب الحقوق ومصالحهم!؟

اللافت بالاجتماع وما سبقه من ترويج وما سيتبعه من نتائج، هو الغياب الكلي لأصحاب الحقوق من المواطنين القاطنين بالمناطق العشوائية، حيث لم يتم تمثيلهم لا بهذا الاجتماع «الحوار»، ولا بغيره عبر سبر الآراء وجمع الملاحظات والأخذ بالاقتراحات، حيث غاب حضورهم كما غابت مصلحتهم، وربما يغيب مستقبلهم أيضاً، فيما كان الحضور الطاغي هو مصلحة الكبار من أصحاب رؤوس الأموال، المحليين والدوليين، الممثلين بالشركات تحت مسمى «مطورين عقاريين»، بينما في واقع الحال الهاجس الأكبر بالنسبة لهؤلاء «المطورين» هو ما يمكن أن يحققوه من مكاسب وثروات إضافية، بعيداً عن عبارات التجميل والتحسين كلها لغاياتهم تلك، تحت مسميات التطوير والتجميل والتحسين وغيرها.

ربما يقول قائل: أن المواطنين من أصحاب الحقوق يمكن أن تمثلهم، كما تمثل مصالحهم، الجهات العامة الموجودة بمثل هذه الاجتماعات، كما من مسؤوليتها التنفيذ والمتابعة والإشراف والمحاسبة وغيرها، ولعل الرد البسيط على مثل هذه الأقوال والادعاءات، هو: أن هذه الجهات أولاً وآخراً لا يمكن لها أن تتجاوز السياسات العامة المرسومة والموضوعة والمستمرة على المستوى التخطيطي والتنفيذي، والمتمثلة بالليبرالية المعلنة والمحابية لمصالح الكبار من أصحاب رؤوس الأموال، والمتنفذين والفاسدين على حساب الفقراء والمعدمين، وهو ليس بجديد لا على مستوى تلك السياسات، ولا على مستوى نتائجها الكارثية التي يحصدها المواطن يومياً.

ملايين المهمشين 

جدير بالإشارة، إلى أن عدد مناطق السكن العشوائي بحسب الخارطة الوطنية يبلغ 157 منطقة، هذه المناطق يقطن بها الملايين من المواطنين، الذين يغلب عليهم طابع التهميش المجتمعي والاقتصادي والسياسي، على مستوى حياتهم اليومية وأعمالهم ومعيشتهم وأفقهم المستقبلي الضبابي، حيث فرض على هؤلاء اللجوء للسكن بهذه المناطق عبر عقود من التهميش والإفقار، والمزيد منها، والناجمة عن السياسات الاقتصادية الاجتماعية المتبعة آنفة الذكر، وبظل غياب الدولة عن دورها بمجال الإسكان النظامي والمخطط والصحي والمناسب، وتعاميها عن وجود مناطق المخالفات وتوسعها المتزايد، وبظل ارتفاع أسعار العقارات والأبنية المرخصة والنظامية، وعدم تلائمها مع الإمكانات البسيطة لدى عموم المواطنين، ما أدى بالنتيجة لخلل فاقع وصارخ بالتوزع الجغرافي السكاني بين الريف والمدينة، كما بين أحياء المدن نفسها، بالإضافة للخلل على مستوى الاستفادة من الخدمات العامة، مياه وكهرباء وصرف صحي ومدارس ومستوصفات ومشافٍ وغيرها، بسبب الخلل البنيوي في هذه المناطق المتسعة والمتوسعة، بغياب التخطيط المتعمد، ولو بحدوده الدنيا.

مع عدم إغفال مصالح المتعهدين والتجار والسماسرة أيضاً على مستوى الاستغلال الجائر بحق المواطنين المسحوقين الملتجئين للسكن بهذه المناطق، حيث يضطرون للرضوخ لشروط السماسرة العقاريين في هذه المناطق، من حيث السعر، ولعل الأهم على مستوى عدم استيفاء هذه المساكن للشروط الصحية، بالإضافة لهشاشة البنية الإنشائية لها باعتبارها بعيدة عن الدراسة التصميمة والهندسية اللازمة، فهي بالمحصلة أبنية عشوائية بكل ما تحمله من معنى.

كما يجب عدم إغفال الغياب الرسمي والمتعمد، لعقود من قبل الجهات المسؤولة عن توسع وانتشار العشوائيات ومناطق المخالفات عموماً، اعتباراً من البلديات والوحدات الإدارية، فلولا تعامي هؤلاء وفساد بعضهم لما تفاقم الواقع المأساوي بالعشوائيات، وما وصل إليه من استغلال مجحف بحق المواطنين، مستفيدين من نتائج السياسات العامة المعمول بها، ومجيرين جزءاً منها لمنافعهم ومصالحهم، بالتعاون والتنسيق مع السماسرة وتجار العقارات.

حقوق مهدورة ومستقبل مهدد!

الأكثر تضرراً على مستوى المزيد من ضياع الحقوق من المواطنين، هم هؤلاء القاطنين في مناطق عشوائية قامت أبنيتها ومساكنها على أراضٍ بأملاك الدولة، وهؤلاء تحديداً من يجب المحافظة على حقوقهم بأي تعديل قادم على القانون أعلاه.

فإذا كانت حقوق من يملك صكوك ملكية في العشوائيات، ذات الملكية بيد المواطنين أرضاً وبناءً مهددة عبر مستثمري القطاع الخاص، الباحثين عن مصلحتهم دوناً عن مصلحة هؤلاء، فإن الساكنين في المناطق بملكية الدولة تعتبر حقوقهم مهددة أكثر بما لا يقاس مع هؤلاء، حيث من الممكن ألا يشملهم السكن البديل، أو أي حق آخر، بظل تمادي المصلحة الاستثمارية على حساب المواطنين عبر القوانين الموضوعة، وهو تحديداً ما يجب الوقوف عنده ملياً قبل الشروع بالتعديلات المطلوبة على القانون أعلاه.

ولعل من أولى الأولويات بهذا المجال، هي: العمل على تهيئة البيئة التشريعية والقانونية التي تحفظ حقوق هؤلاء بملكيتهم لمساكنهم التي يقطنوها، قبل الشروع بأي تعديل على القوانين ذات الشأن بهذا الملف، وقبل فسح المجال أمام غزو الاستثمارات القادمة تحت شعارات التطوير العقاري وإعادة الإعمار، وإلا فإن تجاهل هذا الواقع، كما تجاهل حقوق هؤلاء، ومحاولة تجاوزها، أو تأجيل البحث بها سيفاقم من المشكلة القائمة، كما سيزيد من حجم تداعياتها، ما يعني المزيد من الصعوبات اللاحقة، سواء على المستوى الحقوقي والتشريعي والقانوني أو على المستوى التنفيذي لأي مشروع مخطط.

المؤسف غير المبرر

ختاماً من المفيد القول: أن عدد شركات التطوير العقاري المرخصة وصل إلى 45 شركة، بعضها عام والغالبية خاصة، محلية وعربية ودولية، بالإضافة لعدد كبير آخر من هذه الشركات حصل على الترخيص الأولي، وهذه الشركات كلها تسعى لنيل حصتها من مرحلة إعادة الإعمار القادمة، سواء للمناطق العشوائية أو لمناطق العقارية المحدثة، أو للبلدات والمدن المدمرة جزئياً أو كلياً، وبالتالي فإن التراكض من أجل منح هذه الشركات المزيد من التسهيلات والمزايا بحجة التشجيع، ما هي إلا غلاف تجميلي لغاية أهم هي: المزيد من تحقيق الأرباح لهذه الشركات كما لكبار المستثمرين على حساب المواطنين عموماً والمسحوقين منهم خصوصاً، والمؤسف وغير المبرر هو أن الحكومة بطاقمها وسسياساتها وجهاتها التخطيطية والقانونية والتنفيذية هي المساعد الأكبر لهؤلاء في تحقيق هذه المآرب والغايات!

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
788