دير الزور.. حصار وفساد

دير الزور.. حصار وفساد

أهالي مدينة دير الزور المحاصرة من قبل التنظيم الارهابي «داعش»، لم تعد معاناتهم مقتصرة على الحصار وتداعياته على المستوى الأمني والمعيشي فقط، بل الأهم بالنسبة إليهم هو المتاجرة بهم وبكارثتهم من قبل بعض المتنفذين والفاسدين في المدينة.

 

هذا الواقع المر المعاش يومياً أصبح مثاراً للسخرية والتهكم من قبل الأهالي، بسبب قلة حيلتهم وضعف إمكاناتهم بمواجهة ما يتعرضون له من أساليب تحكم واستغلال باتت مفضوحة ومعروفة، كما بات المتحكمون والمستغلون معروفين بأدوارهم كما بارتباطاتهم.

دجاج انغماسي!

آخر ما حرر على مستوى التهكم من الصفقات المشبوهة باسم الأهالي، والمتاجرة بكارثتهم، كان مشروع التعاقد لتوريد 5 آلاف دجاجة بياضة للأحياء المحاصرة بالمدينة، وقد تندر الأهالي حول إمكانية تنفيذ هذا العقد، حيث قال أحدهم: «شلون راح يوصل الدجاج، بالاسقاطات الجوية، ولا بعمليات انغماسية»؟!.

عقود مدعومة وممولة

يشار إلى أن العقد المذكور يدعمه مشروع الأمم المتحدة الإنمائي، وتقدر قيمته بحدود 12 مليون ليرة سورية، وحسب ما أفاد الأهالي به، فإن القائمين على المشروع والساعين للاستفادة منه هم نفسهم من نفذوا سابقاً عقود شبيهة، منها: (عقد توريد الخرفان والبذار الذي تقدر قيمته بحدود 140 مليون ليرة- وعقد توريد أفران خبز الصاج الذي تقدر قيمته بحدود 7 مليون ليرة- وعقد إنتاج «الكليجة» بقيمة تقدر بحدود 3.5 مليون ليرة- عقد الحاويات المقدر بحدود 40 مليون ليرة- وعقد النظافة المقدر بحدود 65 مليون ليرة) وغيرها من العقود الكثيرة الأخرى، التي يتندر حولها الأهالي بالقول بأنها عقود وهمية، لم يلمسوا منها شيء، كما لم تنعكس على حياتهم ومعاشهم.

خراف وأعلاف وبذار

عقد ملفت آخر كان مثاراً للكثير من التهكم والاستياء من قبل الأهالي، حيث سبق أن قدمت منظمة الفاو منحة لمدينة دير الزور، وهي عبارة عن 3000 خروف على أن توزع على 1500 عائلة بمعدل خروفين لكل منها مع الأعلاف والتبن، بالإضافة إلى بذار متنوعة للزراعة تقدم إلى 400 عائلة في المدينة.

الحديث عن الموضوع طال أمده التنفيذي حيث بدأ الحديث عنه بعام 2015، وبدأ التنفيذ بشهر أيلول من هذا العام، عبر فتح باب التقدم بعقود التوريد عبر مناقصة.

بالنتيجة تم الأمر ورسا التعاقد مع أحد الموردين، من ذوي الحظوة والباع مع متنفذي المدينة، على أن يتم التسليم في مدينة القامشلي، الأمر الذي أدى لعدم موافقة المنظمة الدولية، وبعد أخذ ورد ومراسلات وتداخل الموردين، والمنافسة بينهم وبين داعمي كل منهم، وغيرها من التشابكات والمماحكات في سبيل جني الاستفادة والمنفعة من هذه الصفقة، تم الاتفاق النهائي، على أن يتم تسليم الخراف في مدينة الحسكة لأهالي دير الزور، ولكن لم يتم الأمر على ذلك، بل تم الاستعاضة عن تسليم الخراف بقيمتها البيعية، عبر لجان مشكلة للاستلام والبيع في سوق الحسكة، الأمر الذي انعكس ايجاباً بالمحصلة في جيوب البعض من المستغلين والمستفيدين والمتنفذين.

مقربون ومحسوبون

قيمة الخروف بالعقد المقدم بالمناقصة كان 54600 ليرة، وبواقع 3000 رأس تكون القيمة الإجمالية للخراف 163800000 ليرة سورية، بينما كانت قيمة العلف المخصص 12000 ليرة لحصة خروفين لكل عائلة، وبواقع 1500 مستفيد تكون القيمة الإجمالية للعلف بموجب العقد 18000000 ليرة سورية.

بالمحصلة كان من المفترض أن تحصل كل عائلة على مبلغ 121200 ليرة سورية من واقع الأرقام أعلاه، وهنا كانت الطامة الكبرى، حيث تم بيع الخراف بالسوق بواقع 22300 ليرة لكل رأس فقط، لأحد التجار المحظيين من قبل اللجنة المشكلة لهذه الغاية، أي ما يعادل أقل من 50% من القيمة العقدية المدفوعة من قبل المنظمة الدولية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل لم يستفد من أهالي دير الزور من هذه الصفقة والعقد سوى بضعة مئات من الأسر، تكاد لا تتجاوز ثلث المقرر من التعداد المستهدف، وجل هؤلاء كانوا من المقربين والمحسوبين على هذه الجهة أو تلك من الجهات التنفيذية المسؤولة عن المدينة.

أما على مستوى البذار المتعاقد، عليها فلم يتم إنزال سوى كمية محدودة «أقل من النصف» من الكميات المتفق عليها بموجب العقد، والبالغة إجمالاً 400 صندوق، ما لبثت أن شوهدت في السوق السوداء في المدينة لتباع للمواطنين، فيما زرع جزء منها في مزارع المحسوبين من المسؤولين.

لتظهر النتيجة الفاقعة بأن جزءاً من المواطنين المحسوبين استفادوا من المشروع بنسبة صغيرة من المبلغ المتعاقد عليه، فيما تم تقاسم النسبة الأكبر من المبلغ من قبل مجموعة الفاسدين والتجار والسماسرة والمتنفذين، وغابت مصلحة المواطن المعدم والمسحوق عن ذلك كله!؟

لا رقابة ولا متابعة ولا محاسبة

جدير بالذكر أن المناقصة والعقد الذي تم تنفيذه بتمويل من منظمة الفاو، لم يغب عن متابعتها، وجراء المتابعة وبعد معرفتها بما آل إليه الواقع التنفيذي للعقد، بهذا الشكل المجحف بتفاصيله بحق المواطنين المستهدفين، الذي من المفترض أن تكون الاستفادة فيه موزعة على 1900 عائلة، فيما لم تحقق هذه الاستفادة على هذا العدد بالنتيجة، اتخذت «الفاو» إجراءات إدارية عقابية بحق بعض مديريها ومسؤوليها حسب صلاحياتها، فيما غابت تلك المتابعة والمحاسبة عن حكومتنا وأجهزتها الرقابية والتنفيذية، في مؤشر صارخ وفاضح على مستوى تغول الفساد والمحسوبية، والاستفادة على حساب المواطنين ومعيشتهم، كما على حساب سمعة الجهات الحكومية لدى المنظمات الدولية، والانعكاس السلبي لذلك على مستوى الاستمرار بتقديم التمويل والدعم للمشاريع الحيوية والمعيشية، مع الإشارة إلى عدم تنزيه بعض العاملين في المنظمات الدولية عن أوجه الفساد والاستفادة أيضاً.

صورني وع «الفيس» انشرني

زيارات كثيرة قام بها وزراء ومسؤولون إلى الأحياء المحاصرة بمدينة دير الزور، وكما هي عادة هذه الزيارات لم تنفع المدنيين المحاصرين بشيء، وجلّ ما هنالك، كانت المتابعات الصحفية والإعلامية وحفلات التصوير الدعائية، بمقابل استفادة البعض من الفاسدين والتجار والمحسوبين من هذه الزيارات، عبر تمرير الصفقات وتوقيع العقود وغيرها من أبواب النهب المشرع بذريعة الكارثة الإنسانية لأبناء دير الزور، وهم أبعد ما يكونوا عن الاستفادة المباشرة منها، لتستمر كارثتهم مصدراً لثراء قلة مستفيدة من المتنفذين والفاسدين والتجار والسماسرة وتجار الحرب والأزمة، كما باتت مثاراً لتذمر الأهالي وتهكمهم!

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
788