في ذكرى الإحصاء الاستثنائي (التعداد السكاني… عذرا هؤلاء الأجانب مواطنون)

منذ ما يقارب الشهر والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب يتحدث عن التعداد السكاني بكل قنواته عبر ندوات يومية مع المسؤولين عن الإحصاء بالإضافة إلى الإعلانات التي ملأت جميع شوارع الوطن مما أثارت لدى المواطنين الذين التقيتهم العشرات من الأسئلة لهم الحق فيها وواجب الحكومة الإجابة عنها، ولكن قبل الدخول إلى عمق تلك الأسئلة لنتحدث قليلاً عن الخطوات التي اتبعتها هذه اللجان حتى الآن.

الخطوة الأولى وهي التوقيت الذي وضعته هذه اللجان ترى هل كان التوقيت صحيحاً؟ هذا التوقيت الذي جاء مع افتتاح المدارس مما زاد من مأساة الطلاب فأكثر العاملين في اللجان هم مدرسون يعملون في المدارس، ألم يكن هناك أمام دائرة الإحصاء ثلاثة أشهر بأكملها لدراسة هذه الخطوات والتعداد قبل افتتاح المدارس والدخول إلى البيوت من أبوابها؟ أم أن كل وزارة أو جهة رسمية تعمل كما يقال (على هواها) ولا يهمها أحد؟ وكأن القضية أن تبين للناس أنك تنفذ نقطة إيجابية بينما تترك عشرات السلبيات وراءك. يا إلهي كم نحن بحاجة إلى عشرات السنين لتعلم فن إدارة الأعمال أو كما يقال الإصلاح الإداري.

التعداد الحيواني أهم … أم البشري:

ألا تثير هذه الكلمات العشرات من الأسئلة من خلال مقابلة الكثير من أبناء الوطن وبالأخص المواطنين الذين يُسمون «أجانب». أحدهم قال حرفياً: (كيف للتعداد أن يشمل حتى التعداد الزراعي ولا يشمل البشري؟) وأنا أضيف وأقول كيف للإحصاء أن يشمل حتى التعداد الحيواني ولا يشمل البشر؟؟.. أم أن هؤلاء الذين يقدر عددهم بأكثر من ثلاثمائة ألف وجردوا من جنسيتهم لاحق لهم في هذا التعداد؟!، والحق: يجب إعادة جنسيتهم مع إعادة الاعتبار لهم وتعويضهم عما فاتهم خلال هذه السنوات من حقوق بدءً من حق المواطنة، وحق الانتخاب، وحق التملك، وحق التعبير عن الرأي، وانتهاءً بأصغر الحقوق...

أين المحاسبة ومن سيحاسب:

إن هؤلاء لهم الحق في المطالبة بمحاسبة من أبقوهم طوال هذه السنين هكذا من دون هوية أو حقوق أياً كانوا، بدءاً من المحافظين الذين توالوا على إدارة المحافظة، إلى أقسام الشرطة، إلى رؤوساء البلديات الذين أعطوا إحصاءات كاذبة وملفقة بحق هؤلاء، عدة شخصيات تلاعبت بمشاعر عشرات الآلاف خدمة لمصالحهم ومآربهم الشخصية، أما آن الآوان لوضع النقاط على الحروف؟ ثم ألن يشمل هذا التعداد الحديث للسكان هؤلاء المواطنين؟ وإذا شملهم وهذا الذي يجب أن يحصل ماذا سيكتب على قوائم أسمائهم؟ فهل سيكتب أجانب الحسكة مرة أخرى؟ أم تسمية أخرى جاهزة في أدراج المسؤولين عن هذه المشكلة؟.

أي إحصاء هذا الذي يعدنا أجانب ؟ وأي كلمة هذه التي اعتدنا عليها من أجل خلاصنا؟ أم سيكتب على قائمة أسمائنا (جنسية غير معينة كما هو مدون على شهادات السوق التي تعطى لهؤلاء البشر دون غيرهم)؟!.. 

العرائض في واد …

والحكومة في واد آخر

أنه لأمر غريب فعلاً، عشرات العرائض بطول عشرات الأمتار قدمت للجهات المسؤولة من دون فائدة، ابتداءً من مجلس الوزراء ومجلس الشعب إلى المسؤولين في المحافظة، عشرات المقالات كتبت من دون أي رد حتى في الجرائد الرسمية ومنها على سبيل الذكر وليس على سبيل الحصر المقال الذي نشر بجريدة الثورة في زاوية حديث الناس العدد /10943/ بتاريخ 5/8/1999 بقلم علي محمود جديد تحت عنوان: (هؤلاء الأجانب مواطنون)، أكراد ولكنهم مواطنون سوريون أباً عن جد، ووقتها استبشر الناس خيراً وقالوا أنها فرجت لأنهم فهموا من المقال بأن هذا يعتبر تصريحاً رسمياً لحل هذه المشكلة ولكن مرّت سنوات من دون أي حل وهم مازالوا يحملون ذلك القيد الفردي (الأحمر اللون) الذي كتب عليه غير صالح لوثائق السفر غير صالح لأي شيء لا للترشيح، ولا للانتخاب، ولا للانتماء، وهم الذين كانوا عبر التاريخ ضمن النسيج التاريخي الوطني لسورية منذ الثورة السورية الكبرى وحتى الآن وقدموا الشهدا والأبطال من أجله، أنهم أصبحوا كما شبههم أحد الاقتصاديين الكبار (بالقنبلة الموقوتة المهمشة) القابلة للانفجار في أي وقت.

طفل يولد وعمره 41 سنة:

من المثير للضحك والإحباط في الوقت نفسه أن يكتب على سجلات طفل ولد بسنة /2004/ عام الألفية الثالثة قرن التكنولوجيا بأنه لم يرد للمذكور قيد في سجلات أجانب الحسكة بموجب إحصاء عام /1962/ أنها لمفارقة عجيبة وجريمة الوقت نفسه بحق هذا الطفل الذي لا ذنب له، فتصور مشكلة جاوزت وحداً وأربعين عاماً ولا تزال بلا حل مع كل ما كتب وذكر عبر كل هذه الفترات! وإذا كان لدى أحد أي اعتراض على كل ما قيل أو بحاجة إلى بعض التفسيرات نضع بين يديه هذه الحالات التي إن أراد التأكد منها فهي بين أيدينا:

1ـ الفلاش الأول: أخوان لأب واحد وأم واحدة مازالا على قيد الحياة أحدهما يحمل الجنسية وأدى جميع أبنائه الخدمة العسكرية (خدمة الوطن) وشرف الانتماء إليه والآخر مقيد في سجل الأجانب.

2ـ لمن يعطي تفسيرات من عنده ويقول إن هؤلاء هم مهاجرون قدموا من دول الجوار وسكنوا في سورية وعاشوا فيها نقول لهم بأن هناك قيوداً قديمة باسماء الحيوانات والأراضي لدى بعضهم منذ ما يقارب مئة سنة، ألا يكفي مئة سنة لإعطاء أي إنسان حق المواطنة حسب القوانين والأعراف الدولية؟.

3ـ شخص لديه اثنا عشر ولداً وآخر ثمانية وآخر خمسة وهكذا، ومكتوب على قيده غير متزوج أتدرون لماذا؟ لأنه أرتكب جريمة بحق الحياة وبحق الفتاة التي تزوجها فهي مواطنة وتحمل جنسية وهو أجنبي وليس لديه أي دليل، يثبت زواجه وإنجابه، ماذا نسمي هؤلاء الأولاد؟ هل نسميهم أولاد حرام، وما ذنبهم ؟ إذا كانت السلطات التنفيذية لا تقبل بهذا الأمر.

4 ـ جميع من جردوا من جنسيتهم هم مواطنون سوريون أباً عن جد.

5ـ لمن لم يسمع بهذه القضية حتى الآن نقول له إن آخر اعتصام لهم كان في الخامس من تشرين الأول/2003/ أمام رئاسة مجلس الوزراء، وقابل وفد باسم المعتصمين رئيس مجلس الوزراء لمدة ربع ساعة وسلمه عريضة تتعلق بموضوع المواطنين الأكراد في محافظة الحسكة المجردين من جنسيتهم وبعد اللقاء وعدهم خيراً وقال لهم سترون شيئاً يسركم في الأيام المقبلة وهم مازالوا ينتظرون هذا الخير؟

فهل سيحمل التعداد السكاني والإحصائي هذا الخير؟ وهل جاء اليوم الذي سيحمل هؤلاء المواطنون هوياتهم وجنسياتهم العربية السورية وهم مرفوعو الرأس لانتمائهم لهذا الوطن الحبيب؟.

 

■ علي نمر

معلومات إضافية

العدد رقم:
231