مزيد من النهب والاستنزاف المشرعن
في الجلسة الأسبوعية بتاريخ 29 11 2016 أقرت الحكومة إعادة تنشيط عمل المجلس الأعلى للاستثمار، وذلك نظراً لأهمية الاستثمار في دفع عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية، وفي تحقيق معدلات نمو أعلى.
بحيث يقوم هذا المجلس برسم السياسات الداعمة والمشجعة للاستثمار، ومتابعة تنفيذها، وسيعمل وفق رؤيته الجديدة على استقبال المستثمرين والوقوف، عند المعوقات التي تَحول دون تنفيذهم لاستثماراتهم، والعمل على تخليص الاستثمار من الروتين والبيروقراطية، وتقديم محفزات جديدة من خلال تعديل التشريع الحالي، الذي ينظم عمل المجلس الأعلى للاستثمار.
مقدمات براقة!
في المقدمات، لا اعتراض على أن الاستثمار هام جداً على مستوى التنمية الاقتصادية الاجتماعية، وهو أمر مطلوب، بل ومن واجبات الحكومة أن تعمل على زيادة معدلات التنمية، وتحديداً ضمن هذا الربط للاقتصادي مع الاجتماعي، بحيث يلمس المواطن إيجابيات هذا الاستثمار، بما ينعكس عليه بشكل مباشر على المستوى المعيشي والاقتصادي والخدمي، وبما يؤمن له المزيد من فرص تأمين متطلبات حياته المتنامية، ولعل الأهم في هذه المرحلة:
ما يمكن أن ينعكس على مستوى تجاوز تداعيات الحرب والأزمة بأسرع وقت، وخاصة على المستوى المعيشي والخدمي.
النتائج في غير مكانها!
أما على مستوى النتائج من حيث تخليص الاستثمار من الروتين والبيروقراطية، وتقديم محفزات جديدة عن طريق تعديل التشريعات الاستثمارية، فهنا نقف عند تأويلين:
الأول: على مستوى القطاع العام والمشاريع الاستثمارية الخاصة به، حيث يمكن القول أن هناك روتين وبيروقراطية تقف حائلاً أمام هذا الاستثمار فعلاً، بدءاً من التبني الحكومي لهذا النوع من الاستثمار، مروراً بالتمويل ومدى التجاوب الرسمي مع متطلبات العمل الاستثماري العام وأهميته، وليس انتهاءً بالآليات التنفيذية والمتابعة، التي يطغى عليها الروتين والبيروقراطية، مع ما يرافقها من أوجه فساد تحيل أي مشروع استثماري عام إلى مصدر ترّبح شخصي عبر سلسلة من المستفيدين والمتنفذين، مما يفقد هذا المشروع جانبه الاجتماعي في نهاية المطاف، ويصبح مصدراً لاستنزاف الخزينة العامة وجيوب المواطنين.
الثاني: على مستوى القطاع الخاص والمشاريع الاستثمارية الخاصة به، حيث يمكن القول: أن هذا النوع من الاستثمار لا تقف بوجهه لا بيروقراطية ولا روتين، إلا بإرادته ووفقاً لمصلحته، وكل شيء بحساب، ويمكن أن يتجلى هذا النوع من الروتين على مستوى المنافسة بين القطاع الخاص نفسه، على مبدأ السمكة الكبيرة تأكل الصغيرة، حيث أن أوجه الروتين والبيروقراطية التي يمكن أن يعاني منها هذا القطاع ترتبط مباشرة بالفساد المستشري في بعض المفاصل التنفيذية، والتي غالباً لا تكون عائقاً بالنتيجة أمام الاستثمار الخاص بحد ذاته، بقدر ما تُجيّر وتؤول نتائجها على المواطن بالنتيجة، ضمن حساب التكاليف الاستثمارية المعتمدة من قبل القطاع الخاص، وبالأحوال كلها لا يمكن أن تنعكس معدلات النمو بهذا القطاع على الجانب الاجتماعي، إلا ضمن حدود ضيقة ومهملة.
مما سبق، يتضح الخلط المتعمد بين العام والخاص لمفهوم التنمية الاقتصادية الاجتماعية ودور كل منهما على مستوى النمو والتنمية المطلوبة حكومياً، بظل استمرار سياساتها الليبرالية المنحازة لمصلحة الاستثمار الخاص على طول الخط، وعلى حساب المواطن والوطن.
استثناءات جديدة في جيوب التجار
لعل أخطر ما في الأمر في القرار أعلاه، هو: الإعلان الحكومي عن السعي لتقديم محفزات جديدة للاستثمار عبر تعديل التشريعات الحالية، ما يعني: أن الاستثناءات والمحفزات السابقة المشرعنة كلها، عبر القوانين الحالية لم تعد كافية بالنسبة لمستثمري القطاع الخاص، وهؤلاء توصلوا مع الحكومة العتيدة لوصفات واستثناءات جديدة تصب في مصلحتهم، وهي قيد الإنجاز على المستوى الحقوقي والقانوني، وذلك كله مرتبط مباشرة بمرحلة إعادة الإعمار والمشاريع القادمة المرتبطة بها، وكل ذلك من أجل جني المزيد من الأرباح في جيوب كبار المستثمرين، المحليين والإقليميين والدوليين.
بالنتيجة، يمكن القول: ما هكذا تورد الإبل يا حكومة! فربط الاقتصادي بالاجتماعي، لا يمكن أن يكون عبر تبني المزيد من السياسات الليبرالية، والمضي بها لمصلحة كبار المستثمرين، ومحاولات ومساعي التجميل كلها، عبر بعض الكلمات والعبارات الطنانة، لا يمكن لها أن تغطي عورة النهب والاستنزاف، والمزيد منه، للمواطن والوطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 787