ثائر ديب ثائر ديب

بين قوسين ما كُلُّ واقعيٍّ عقلانيّ! (مع الاحترام الشديد لهيغل)

بدا العالم، طيلة العقود الأخيرة، ولايزال، كما لو أنّه نَفَضَ يده من الاشتراكية والفكر الاشتراكي. فقد انهارت تلك البنى التي كانت تُرَى على أنّها التجسيد الأبرز للنظام والفكر الاشتراكيين، وكادت تتبخّر تلك الأحزاب الشيوعية الضخمة التي لم يَخْلُ منها بلدٌ في العالم، أمّا بلدان ما كان يُدعى بحركات التحرر الوطني التي قادها شيوعيون، فبدا وضعها غامضاً ومُلتبساً على تفاوته وتباينه، في الفيتنام وكوبا والصين...

وفي بلداننا، لم يَعُدْ ثمة الكثير مما يُغري في الأمر كلّه: لم يَعُدْ ثمة الرفاق السوفييت ومنتجعاتهم وشهاداتهم ونساؤهم وربما تجارتهم. وبالنسبة لكثيرٍ من «الصادقين» الذين لم تكن المصالح الضيقة دافعهم، وأصحاب المعرفة النقدية الذين لم يجدوا صورةً مُثلى فيما دعوه «الاشتراكية القائمة بالفعل»، وكثيرٍ ممن حرَّكَتْهُم العواطفُ النبيلة، أوالنوايا الصادقة، أوحماسُ الشباب، أوإغراءُ التمرّد، أوفتنةُ التحرر أوسوى ذلك، فإنَّ القضية لم يَعُدْ لها ذلك الوهج، خاصةً بعد سنوات من العذاب المُعاش أو المُشَاهَد، فانكفأت الغالبية، وراح بعضهم يتقلّب بين الليبرالية، والقومية، والدّين، والتصوّف، بل والطائفية، وخلائط لا يعلم إلاّ اللّه كيف رُكِّبَت يمكن لبعضها أن يدفع المرء إلى أن يُسَرَّ بجحافل المارينز وأن يُنَظِّرَ لِمَقْدِمِهم.
والحالُ، إنه قد يُقال الكثير عن إخفاق الاشتراكية، أو عن الاختلال الجوهري في تعريفها ذاته، الذي لا يمكن قَصْرَه على إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج: فالحدّ (أو التعريف) لايكون بالسّلب، بل بالإيجاب؛ لا يكون بأن يقال لنا ما ليست هي الاشتراكية، بل بتحديد ماهيتها التي تقتضي سيطرة المنتجين سيطرةً مباشرةً ليس على حاضرهم وحسب بل على مستقبلهم أيضاً. وقد يُقال الكثير عمّا ألهمَ تجارب الاشتراكية السابقة من أيديولوجيا «اللَّحاق» بالبلدان الرأسمالية المتقدمة، بدل أن يلهمها بناءُ مجتمعٍ غير مسبوق. قد يقال... وقد يُقال... لكنه يبقى للشيوعيين أنهم كانوا الوحيدين الذين أفلحوا في بناء رأسماليات مستقلّة وغير تابعة في عصر الإمبريالية والاستعمار، بصرف النظر عمّا تخيلوا أنهم يبنونه، الأمر الذي يجعل محلَّ شكٍّ أن يحقّ لمن أخفقوا في بناء أيِّ شيءٍ، سوى إعادة إنتاج التبعية والتخلف، توجيه انتقاداتهم إلى تلك التجارب التي شكّلت قطيعةً جذريةً مع ماضيها، ونقلةً حاسمةً باتجاه العصر.
لقد بدا، ولا يزال، أَنْ ليس ثمّة بدائل لما أَخْفَقَ سوى بوش وبن لادن واقتصاد السوق، سواء كان اجتماعياً أم غير اجتماعي...
مبروك!
اللّهم لا شماتة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
407