مرة أخرى.. تصدير المياه النقية حماقة أم تخريب؟

وقعت شركة تعبئة مياه نبع السن عقداً لتصدير 600 ألف عبوة مع شركة نبع الوفا الكويتية، بالإضافة إلى التفاوض لإبرام عقد آخر لتصدير 600 ألف عبوة إلى كل من قطر والإمارات وليبيا، في الوقت الذي رسم فيه ‏ المنتدى العالمي الخامس للمياه، والذي أقيم في تركيا نهاية شهر آذار الماضي صورة سوداوية قاتمة للمستقبل المائي العالمي، بسبب تناقص مصادر المياه لدى دول العالم كافة.

إن تغطية هذا العقد وحده تكلف شركة مياه السن ما يزيد عن 10% من إنتاجها السنوي، كما أن إقامة معامل لتعبئة المياه بقرار من الحكومة السورية، جاء أساساً بهدف مواجهة النقص الحاصل في المياه، فهذا النبع يشرب منه الآن أكثر من مليون مواطن سوري في اللاذقية وطرطوس ومناطقهما، إضافة إلى استثمار جزء منه في إرواء الأراضي الزراعية.
مشكلة تصدير المياه في سورية لا تختصر في الانتهاك الحالي للأمن المائي في سورية، بل أنه ومنذ شهر فقط، وبتاريخ 30/4/2009، وقعت الشركة العامة لتعبئة مياه عين الفيجة، والتي لم تكمل عامها الأول بعد، عقداً مع شركة عراقية يتضمن تصدير 12 مليون جعبة مياه، لذلك نستطيع القول إن ما يجري هو استباحة حقيقية ومستمرة للمياه السورية، تضاف إلى ما تعانيه العديد من المحافظات السورية من تلوث بعض مصادر مياهها الجوفية فيها، إن لم نقل معظمها، من اللاذقية إلى السويداء.
فإذا ما ألقينا نظرة على الواقع المائي في كل من اللاذقية وطرطوس وبانياس، والذي يعتبر نهر السن وروافده المغذي الرئيسي لها، إن لم يكن في أحيان كثيرة الوحيد الذي يروي عطشهم بشراً وشجراً، فإن الوقائع تقول:  إن هناك 59  قرية في محافظة اللاذقية دون مياه للشرب، ولا يوجد فيها أي مصدر مائي، بل تسقى بالصهاريج، وهذه القرى تعترف مؤسسة المياه في اللاذقية بواقعها المائي السيئ، بالإضافة إلى تلوث نبع السن ذاته، الذي يؤمن 80% في مياه الشرب في محافظة اللاذقية.
وتعاني طرطوس هي الأخرى من قلة مصادر مياه الشرب، حيث يوجد فيها العشرات من القرى (ثلاثين قرية) تفتقد لمياه الشرب، وتروي عطشها بالمصادر الإسعافية بالاعتماد على الصهاريج، وهذا الواقع الرديء أقر به محافظ طرطوس الدكتور وهيب زين الدين، الذي طالب مؤسسة مياه طرطوس بعد ارتفاع الأصوات في القرى العطشى, بقاعدة بيانات عن القرى المحتاجة للمياه.
كما أن واقع مدينة بانياس لم يكن أفضل حالاً، حيث أن العديد من القرى لا تصلها مياه الشرب سوى مرتين خلال الشهر، مما يجبرهم على الاعتماد على الصهاريج لتأمين مياه شربهم، ويبقى السؤال: لماذا تعاني عشرات القرى وعشرات الآلاف من المواطنين السوريين العطش، بينما يروي المسؤولون (المائيون) عطش الآخرين، لتروى معهم أيضاً جيوب الكثير من المتنفذين والسماسرة؟؟
وهنا لا بد من تذكير المفرطين بأحد مقومات الأمن الغذائي، وهو الثروة المائية واحتياطها، بضرورة التنبه لما يفعلون، فهو أقرب إلى الحماقة أو التخريب المتعمد، وقد أقرت الخطة الخمسية العاشرة بوجود عجز مائي قدره 20 مليون متراً مكعباً، يفرضه واقع ازدياد الطلب على المياه، نتيجة ارتفاع عدد السكان بالدرجة الأولى، ورأت  الخطة أن هذا النقص يفرض ضرورة المحافظة على كل قطرة مياه نمتلكها، أو لنا حق بها عند غيرنا..

معلومات إضافية

العدد رقم:
407