أوراق خريفية.. دعوة للجنون

كلما اجتمعتُ مع بعض العمال، أو قرأتُ صحيفةً محلية، أو موقعاً سورياً على

الانترنيت.. حضرتْ سيرة المادة (138(* من القانون الأساسي للعاملين في الدولة.

والحقيقة أنني لم أفهم حتى الآن سبب تعلق وتشبّث الحكومة بهذه المادة، وكأن هذه المادة هي السند الرئيس لنظام الحكم، وبسقوطها من القانون سيسقط «لا سمح الله» النظام!

فكرت في الأمر ملياً، كيف يمكن إلزام الحكومة بقبول تعديل هذه المادة تلبية لمطالب جميع العمال في هذا الوطن، والذي قال عنهم الرئيس الراحل في يومٍ من الأيام، إن ما تتفق عليه الطبقة العاملة في بلدنا يعدّ قانوناً؟

أغلقت الباب جيداً، وسحبت خط الهاتف، ونزعت بطارية ساعة الحائط لئلا تزعجني في نغماتها، وطمرت جسمي بالفراش وبدأت أفكر:

(ترى، لو امتنعت عن الاستحمام وحلق ذقني لمدة أسبوع، ثم توجهت إلى خزانة ملابس والدي، والذي ما زال مصرّاً على ارتدائه ألبسة الموضة القديمة.

وارتديت بيجاما مجعلكة من موديل الستينات، وانتعلت شحاطة بلاستيكية مهترئة، ونفشت شعري كالمجانين، وركبت سيارة أجرة إلى حيّ آخر بعيد عن موطن سكني لئلا يعرفني أحد.

وإمعاناً في التنكر أضع على عينيّ نظارة مكسورة إحدى عينتيها، وأسير في الشوارع وعلى مقربة من أقسام الشرطة والفروع الأمنية... منادياً:

فلتسقط المادة (138) ولتسْقط الحكومة التي تتبنّاها... فلْنعوّض لمن سُرّحوا بموجب هذه المادة، ولْنعدهم إلى عملهم «إن كانوا ما زالوا أحياء» أو فلْنوظف عوضاً عنهم ورثتهم من بعدهم...

ياه ! من المؤكد أنهم لن يعتقلوني.. فالمجنون معفى من العقاب بحكم القانون..

وهنا تماديت بخيالي مفكراً: لو أن جميع العمال يحذون حذوي، هل كانت ستبقى هذه المادة في مشروع القانون الجديد ؟)

وإذ بباب الدار يُدقّ بعنف!

يا إلهي! هل يعقل أنهم يرصدون حتى أحلامي؟

تردّدت في النهوض!

الباب يدقّ بعنفٍ أشدّ!

أزحتُ الغطاء عني ببطء ونهضت مذعوراً وفتحتُ الباب! وإذ بشحاذٍ متوسط العمر يرتدي ثياباً بالية:

● من مال الله يا آدمي... شو بيطلع من خاطرك حسنة لوجه الله ...

وهنا قفزت إلى ذهني فكرة جهنمية فأجبته :

 أعطيك مائة ليرة إذا نفذت طلبي!

● أنا تحت أمرك، أطلب ما تشاء..

 تنزل إلى الشارع وتنادي بكل ما لديك من قوة: (فلتسقط المادة /138 / من قانون العاملين ولتسْقط الحكومة التي تتبنّاها.. تحركوا يا جماعة يا عالم ياهو... !) ما رأيك؟

●  (نظر إليّ بارتياب) ماذا تقول يا أخي ؟ لم أفهم عليك ؟!!!

 كما سمعت، بل أعطيك مائتي ليرة. هه، ماذا قلت ؟

●  (حدّق بي مجدداً وكأنه يقول: فقير المال ولا فقير العقل... يا حرام، ما زال شاباً.. الله يثبّت علينا زينة العقل) موافق يا أخي.. موافق.. هات مائتي ليرة وأمرنا لله...!

هرعت إلى بنطالي وأعطيته المبلغ، فشكرني وهبط درجات السلم. أسرعت إلى الشرفة لمراقبته، ولدى ظهوره وهو خارج من البناية سمعته يقول: مع أنه لا تبدو عليه أمارات الجنون أبداً ...! ضيعانو...

أيلول 2004

■ ضيا اسكندر – اللاذقية

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

-----------------------------

 

 (*) يحق لرئيس مجلس الوزراء بموجب هذه المادة وبناءً على اقتراح الوزير المختص تسريح أي عامل، دون أن يحق للعامل المسرح الطعن بذلك أمام أية جهة قضائية في العالم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
230