«قصة موت معلن».. شركاتنا على شفير الهاوية
هذا العنوان اسم رواية للكاتب العالمي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز وتشبه أحداث تلك الرواية قصة مايجري عندنا الآن، والغريب في الأمر أن أوجه التشابه تنطلق من أن بطل الرواية هو شاب سوري مهاجر إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية بينما بطل قصتنا هو الوطن.
ففي أحداث رواية ماركيز يعلم الجميع بأن الشاب السوري معرض لأخطار القتل ولايكلف أحد نفسه عناء إبلاغ هذا الشاب بما يحاك له من مخططات تريد النيل من حياته، ويشارك الجميع في موته حتى والدته التي تغلق باب منزلها ظناً منها أن ابنها الشاب قد دخل ـ لتحميه ـ فيقتل على باب البيت. وهذا بالفعل يشبه إلى حد كبير مايجري عندنا. فالجميع تقريباً يشارك في تدمير وموت الوطن ولاأحد يتحرك.. وسنخص هنا في هذا الحديث وضع الشركات الإنشائية الذي تراجع بشكل مريع باتجاه الموت والنهاية المنطقية لسياسة اقتصادية تجاه هذا القطاع الاقتصادي مورست على دفعات وفق مبدأ الخطوة خطوة من إلغاء ممنهج للقانون رقم (1) لعام 1976 عبر البلاغات ـ الأدنى مرتبة من القانون ـ إلى مهزلة تعيين موجة للمدراء الحاليين (بحسب الواسطات والولاءات والمحسوبيات) وإعطائهم كامل الصلاحيات السلطانية لتدمير وتخريب هذه الشركات ويتجلى هذا في عدم الاهتمام بتطوير النواحي الفنية والهندسية وعدم تطوير الآليات الإنتاجية وتخلف أساليب العمل، وبشكل عام عدم تأمين مستلزمات العمل وتهميش دور الفنيين ذوي الخبرة والغنى والترف الفاحش للمسؤولين وللإدارات بينما الضحية دوماً هم صغار الموظفين والشركات الإنشائية والوطن.
هذا الوضع بدأت نتائجه تظهر حالياً على أرض الواقع من خلال الكوارث المتعاقبة تباعاً (سد زيزون) وآخرها وليس آخرها انقطاع التيار الكهربائي عن الملعب البلدي بحمص أثناء مباراة دولية بين منتخبنا الوطني لكرة القدم ومنتخب طاجكستان وننوه هنا إلى ماآلت إليه الأمور في هذا الموضوع حيث تم توقيف عدد كبير من الأشخاص والتحقيق معهم والإفراج عن بعضهم والاستمرار في حجز البقية .. أي وفق نموذج ماحدث في كارثة زيزون.
وقد تم توقيف بعض الفنيين المشرفين على أعمال المشروع من الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية بينما لم يتطرق أحد إلى إدارة الجهة المشرفة فالشركة ذات صفة اعتبارية وهي (الإدارة) مسؤولة مباشرة عن الأمر من خلال اختيارها للكوادر المشرفة خصوصاً أن المهندس الدارس هو نفسه المهندس المشرف واختصاصه إلكترون ولايملك الخبرة الكافية كذلك اختيارها مهندس كهرباء متخرج حديثاً ولايملك خبرة سوى عام واحد في أعمال الدراسات ضمن لجنة الاستلام لمشروع إنارة الملعب علماً أن لديها بعض المهندسين الاختصاصيين في مجال الكهرباء يمتلكون خبرة ممتازة جداً لكن تم استبعادهم من متابعة هذا المشروع واستنزاف طاقاتهم في مشاريع أخرى مما عطل إمكانية تبادل الخبرات بين الكوادر القديمة والحديثة في العمل وكذلك تهميش قسم الكهرباء في فرع الشركة المشرفة حيث رئيس قسم الكهرباء والميكانيك هو مهندس باختصاص ميكانيك، وتم تكليف رئيس قسم الميكانيك والكهرباء السابق وهو مهندس كهرباء ذو خبرة عالية كرئيس للإشراف المركزي وتم نقله إلى مركز الشركة بدمشق. فالإدارة لها الدور الأهم في إدارة القوى العاملة لديها بشكل يؤمن احتياجات العمل وليس الاحتياجات الخاصة أو غيرها.
وهذه الإدارة والتي يعلم الجميع من رئيس مجلس الوزراء إلى محافظ حمص بأنها لاتمتلك الخبرة الإدارية الكافية رغم الشهادة العلمية العالية وبأنها غير قادرة إلا على توقيع البريد وتحويله بطريقة تحويل المسؤولية عن نفسها والدوام المسائي للقاء المتعهدين والذين يراجعون الفرع ليلاً وبشكل دائم وهذا الأمر سمح لبعض العاملين ضعاف النفوس بالتحكم بالقرار الإداري وبالإدارة مثل مدير قسم الآليات ـ رئيس دائرة التخطيط ـ رئيس قسم الميكانيك والكهرباء، والتخبط واضح من خلال تكليف معظم مهندسي الإشراف بالعمل في أكثر من مشروع وصل بعضها إلى ستة مشاريع كما ذكر سابقاً في بعض المقالات المنشورة في صحيفة «قاسيون» علماً أن عقود الإشراف تلزم الشركة بتأمين كادر مشرف مفرغ للعمل في المشروع الواحد ووصلت الأمور إلى تكليف بعض العاملين بالمشروع الواحد بالعمل بأكثر من مشروع وتحت إدارة عدة مدراء بطريقة لايمكن تخيل كيفية إدارة هذه المشاريع والعمل فيها وهذا ماأدى إلى تراجع دور الإشراف وتراجع دور الشركة والتي كانت حتى وقت قريب تتمتع بسمعة جيدة وبعاملين ذوي كفاءة عالية، ومن اللافت عدم وجود قسم للإشراف في فرع الشركة المشرفة بحمص حيث يترك الأمر لكل مدير إشراف وفق إمكاناته فمشاريع الإشراف تتبع مباشرة لمدير الفرع إضافة لكل ذلك ما يعانيه العاملون في الإشراف لدى الشركة من صعوبات تتمثل في قصور الدراسات (وعدم مساءلة الدراسين) حيث تعاد دراسة بعض المشاريع اكثر من مرة وأيضاً تم التطرق إلى هذا الموضوع في مقالات سابقة نشرت في صحيفة «قاسيون» ولكن مامن مجيب؟ إضافة إلى ضعف مستوى الشركات الإنشائية المنفذة وضعف إمكاناتها وكذلك ضعف متعهدي التنفيذ والذين غالباً ما تختارهم الجهة صاحبة المشروع فمتعهد مشروع إعادة تأهيل كهرباء الملعب البلدي بحمص هو من أعضاء الاتحاد الرياضي سابقاً بحمص. وتعدد المواد في الأسواق وسوء نوعيتها والذي يقع ضبطها على عاتق جهات أخرى وكذلك قصور الأنظمة والقوانين الخاصة بالتعاقد والتي تجيز للخباز والمهرب والمهندس والضابط المتقاعد والزبال والحرامي... إلخ الدخول في المناقصات والعمل كمتعهدين، فلماذا يتحمل المهندس مسؤولية وزر كل هذه الفوضى وفوقها مسؤولية القرارات الإرتجالية (بالجاهزية) فمشاريع الملعب البلدي بحمص لم تنته ولم يتم الانتهاء من مشروع إعادة تأهيل الملعب البلدي وتوسع مدرجاته والجاهز فيه فقط هو العشب الأخضر في أرضية الملعب ومع ذلك تجاوزت الجهة صاحبة المشروع أي الاتحاد الرياضي كل ذلك وتبنت أن الملعب جاهز لإقامة المباراة الدولية ليلاً؟!! وإذا تحدثنا عن مثالي سد زيزون والملعب البلدي فهذا لايعني أن الكوارث فقط محصورة في أعمال الإنشاءات المختلفة ولكن ميزة العمل الهندسي أنه ظاهر للعيان بينما الفساد في الحقول الأخرى يمكن التستر عليه.
ألم يحن الوقت لإعادة النظر في كل ماورد ووضع حد لتدخل القرار السياسي بالقرار العلمي والفني خاصة أن أغلب القيادات السياسية هي من الكوادر الهندسية (مهندسين أو دكاترة مهندسين)؟ ألم يحن الوقت لأن تأخذ نقابة المهندسين دورها في الدفاع عن مهندسيها وحمايتهم وفصل عملها وعدم تحكم القرار السياسي بها لأنها جهة فنية بحتة.
ألم يحن الوقت لإلغاء مبدأ التعيين للإدارات الفاسدة باعتراف الجميع؟
وأين الإصلاح الإداري؟ وقد أشار رئيس الجمهورية إلى أن الخلل لدينا هو خلل في الإدارة.
وأخيراً ألم يحن الوقت لوقف فاجعة الموت المعلن لكل شيء في هذا الوطن؟!
■ الياس شحود
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 230