التعليم في قسم العناية المشددة!

لم يعد خافياً على أحد واقع العملية التعليمية التربوية في البلاد التي تتراجع كماً ونوعاً منذ مايقارب عقد من الزمن وصولاً إلى مايشبه الأزمة في الظرف الراهن.

وبدراسة واقع أركان العملية التربوية / التلميذ ـ الكادر التعليمي التربوي ـ البنية التحتية، نلاحظ:

 التسرب الكبير من المؤسسة التعليمية في مراحل التعليم المختلفة وحسب الإحصاءات الرسمية يقدر وسطي عدد التلاميذ المتسربين في مرحلة التعليم الابتدائي بأكثر من 10 آلاف تلميذ في كل من محافظات الحسكة ـ دير الزور ـ الرقة سنوياً ولدى تحليل هذه الواقعة علمياً نستنتج:

 إن المؤسسات التعليمية تصدر سنوياً ما يقارب 30 ألف طفل فقط في المحافظات الثلاثة وتحولهم عملياً إلى مشردين في سوق العمل الهامشي/ بيع الدخان وما إلى ذلك مما يجعلهم ضحايا أخلاقيات السوق ليصبح كل واحد من هؤلاء مشروع إنسان غير سوي لاحقاً. وإذا أخذنا المسألة من المنظور الاستراتيجي الوطني نتيجة هذا التسرب عام 2020 مايقارب 300 ألف أمي متوسط أعمارهم 20 عاماً وهو يعني كارثة وطنية عملياً بمقاييس ذلك الزمن أي أن القائمين على الأمر يصدرون مشاكل إلى الأجيال القادمة ناهيك عن العبث بمصير البلاد والعباد في الظرف الراهن.

 إن هذا التسرب من المدارس يطيح بمفهوم ديمقراطية التعليم (مجانية التعليم وإلزاميته) المنجز الاجتماعي الهام تاريخياً. إن مشكلة التسرب كجزء من أزمة التعليم في المراحل المختلفة تؤثر سلباً على مستوى التطور الثقافي والعلمي للمجتمع هذا التطور الذي أصبح ضرورة تاريخية بمعنى آخر إن اتجاه السير عندنا يسير عكس تيار التاريخ إنه إنشاء جيل أمي في عصر الثورة المعلوماتية.

 إذا كان الكادر التعليمي يعتبر رافعة العملية التعليمية التربوية فإن واقعه الاقتصادي الاجتماعي والسياسي يؤثر سلباً أو إيجاباً على العملية والوقائع تؤكد أن الأغلبية الساحقة من المعلمين يعملون في أعمال جانبية إلى جانب عملهم الأساسي تحت ضغط الحاجة وتدني الأجور مما يؤثر سلباً على كفاءته وعطائه ناهيك عن الأساليب المتخلفة في توزيع الكادرات حيث يتم التوزيع على أساس الانتماء الحزبي والمحسوبيات والرشاوى بعيداً عن الكفاءات (الإنسان المناسب في المكان المناسب).

 أما بالنسبة للبنية التحتية (البناء المدرسي ـ الوسائل المعينة) يمكن ملاحظة مايلي: على الرغم من التوسع الأفقي على صعيد الأبنية المدرسية فإنها لاتلبي الحاجة إلى الشعبة الصفية النموذجية التي من المفروض ألا يتجاوز عدد المتعلمين فيها عن 20 طالباً إذ في الكثير من مدارسنا مازال عدد المتعلمين يتجاوز 35 طالباً في كل شعبة صفية. وإذا كان المنهاج المدرسي الحالي على الرغم من تخلفه يتطلب وسائل إيضاح عصرية فإن هذه الوسائل غير متوفرة غالباً وإذا توفرت فإنها لاتستخدم وبالتالي وكأنها غير موجودة ويتم التدريس بالأسلوب الإلقائي التقريري الذي عفى عليه الزمن والذي تخلت عنه دول مثل الأردن.

ماسر هذا الواقع؟

وأين يكمن الحل

 نحن نعتقد أن واقع العملية التربوية ـ التعليمية هو انعكاس للواقع الاقتصادي الاجتماعي ومستوى الديمقراطية وبالتالي فالقراءة الصحيحة لهذه القضية غير ممكنة إلا باعتبارها نتاج سياسة اقتصادية اجتماعية أوصلت الأمور وبالتراكم إلى ما هي عليه الآن.

وهذا ما سيقودنا أيضاً إلى اتجاهات التطور اللاحق لهذا القطاع الحيوي، وفي المرحلة الانتقالية الحالية التي تمر بها البلاد يلاحظ ميل واضح نحو خصخصة هذا القطاع تدريجياً وذلك عبر العديد من القوانين والقرارات التي منحت بموجبها تراخيص لجامعات ومدارس خاصة وسهلت عملها بالتوازي مع إهمال واضح للتعليم الرسمي في مراحله المختلفة إذا لم نقل تخريب متعمد له، تارة بأسلوب مباشر وأخرى بأساليب غير مباشرة الأمر الذي يعني بالمحصلة النهائية إحلال التعليم الخاص (النخبوي) مكان مبدأ ديمقراطية التعليم وهذا ترجمته الحرفية أن يصبح فقط أبناء الذوات قادرين على استكمال تحصيلهم العلمي الجامعي وما بعده بدليل أن كلفة الحصول على شهادة جامعية علمية (هندسات مثلاً) تكلف في جامعة المأمون الخاصة ـ المقامة مؤخراً في الحسكة وريف حلب ـ مايقارب 1000000 ل.س.

أمام جميع هذه الوقائع يمكننا القول ـ إنه ثمة مهمة جديدة أمام جميع القوى الوطنية والديمقراطية للنضال من أجل حلول إسعافية سريعة للحد من تدهور المستوى الكمي والنوعي للتعليم في بلادنا والمهمة ترتقي إلى مستوى المهام الوطنية ناهيك عن أنه دفاع عن حق مكتسب تم التضحية بالكثير من أجله تاريخياً.

 

■ عصام حوج

معلومات إضافية

العدد رقم:
228