اخترعوا طريقاً للخروج سالمين.. المبدعون السوريون يتخلون قسراً عن جوائزهم للوزراء!

واجب على كل حكومة في كل بلد أن تبحث عن المبدعين وأن تدفعهم باتجاه المزيد من الإبداع، شعار بمنتهى الروعة وعنوان كبير بقدر الحلم، ولكن المضمون متدن بالنسبة للمبدع والمخترع السوري الذي وُعد على مر العقود بجني العسل بعد لسع النحل دون طائل، لأن الخلايا ممتلئة بالدبابير والقوارض!

من المعروف أن الدول المتقدمة تهتم بالمخترعين والمبدعين، ومنها ألمانيا التي تمول مشروعات المخترعين بـ 130 ألف يورو سنوياً، وتقدم مقاعد الدراسة لأولادهم بالإضافة للجنسية، وهذه حال معظم الدول الأوربية، ولعل هذا ما دفع المبدعين السوريين للهجرة إلى تلك البلاد، في حين تزداد حاجة وطنهم إليهم كل يوم أضعافاً.
وتقول الإحصائيات إن العالم يسجل سنوياً نحو /74/ مليون اختراع، ومن هذه الاختراعات سجلت اليابان وحدها عام 2007 /500/ ألف اختراع، بينما في سورية لم يتعدّ عدد الاختراعات /50/ اختراعاً، فهل سأل أحدكم عن سبب تدني مستوى الاختراع عندنا لدرجة الحضيض؟..
لاشك أن السبب الأساسي هو غياب السياسات العملية الرشيدة المرتبطة بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية عن اللوحة، وهذه السياسات يفترض بأنها تبدأ منذ اللحظات الأولى التي يبدأ بها المخترع بتسجيل طلبه بدائرة البراءات، مروراً بتحويله لجهات لا علم لها بشيء- والبعض منها تطلب رشىً للتوقيع على القبول-، إلى جانب ما يعانيه المخترعون السوريون من ضعف في الإمكانية المادية الأمر الذي يبعد الكثيرين منهم عن الولوج إلى عالم الرسوم والطوابع والترجمة..الخ، وهي أمور تكبد المخترع ديوناً باهظة، ناهيك عن اضطراره للقيام برحلة مكوكية من مركز الباسل إلى وزارة الاقتصاد، وللعلم فإن كل عام يشهد تقديم /200/ طلب براءة اختراع في سورية ويمنح منها /50/ فقط... وفي كل عام نسمع عن دعم للمخترعين؛ مرة من البنوك، ومرة بمرسوم، ومرة بقانون..الخ، ولكن الحقيقة أن كل ما نسمعه ليس سوى شعارات.
ما دفعنا لفتح هذه الصفحة هو معرض الباسل للإبداع والاختراع الرابع عشر، والذي بدأ هذا العام بطبل وزمر إعلامي، وتم استجداء التجار والصناعيين الكبار للتبرع لهذا الحدث (الكبير)، لكن أصحاب الخبرة بالمعارض من المخترعين عزفوا عن المشاركة بسبب معرفتهم بالمعاملة الرديئة للمخترع والإساءات التي سيتلقاها في هذا المعرض. وقد علق أحدهم: «لا نريد إقامة خمس نجوم، ولا طعاماً فاخراً، جل ما نريده هو إقامة تليق بأدنى مستويات البشر وطعام يسد رمقنا».

من جانبه أكد رئيس مجلس الوزراء خلال افتتاح المعرض أن الدولة لم تنصف المخترع السوري، ولكن هل يكفي تأكيده لتتملص الحكومة من واجبها تجاه المبدعين؟
الفضائية السورية بدورها طلبت من أحد المخترعين تلميع صورة المعرض والحكومة، وعندما لم يقل غير الحق قطعت المقابلة، وأكدت المذيعة له بأن كلامه لن يمر على الفضائية التي لا تريد عرض السلبيات، فقاطعها متسائلاً: وأية إيجابية أتحدث عنها؟ هل أظهر على التلفزيون السوري بمظهر المرائي الكذاب؟ أليست الحقيقة تقول إنه يجب دعم المخترع بقرض ما بين مليون وثلاثة ملايين ليرة ولمدة عشر سنوات دون فائدة أو عوائق تشل الدماغ؟ أليست تقول إنه على الحكومة أن تمنح المخترع رخصة صناعية وإدارية وسجلاً صناعياً وتجارياً بالمجان وإعلاناً بالصحف كذلك؟.
نعم، إن ما قاله المخترع جزء من الحقيقة، إذ يجب أيضاً إنشاء مكتب في كل محافظة لرعاية شؤون وشجون المخترعين متصل بالمحافظ مباشرة لإزاحة العثرات عن طريقهم، فالمحافظون يجمعون المخترعين كل عام مرة فقط للتفرج عليهم والتمتع بصورهم وإلقاء الخطب، وإعطائهم دروساً في الاختراع والبحث العلمي وهم لا يعرفون غير دعم المقاصف والملاهي الليلية- حسب مخترع آخر شارك «قاسيون» برأيه قبل أن يضيف: لو كانت نانسي عجرم أو هيفاء وهبي لأعطاها الإعلام ساعات، ولامتلأت صفحات الجرائد باللحم الأبيض المثير للغرائز والشهوات...!!
وفي الواقع، يتعرض الكثير من المخترعين للغبن الشديد، داخل المعرض وخارجه، ومن ابتدع منهم أو اخترع آلات ثقيلة، فهو لا محالة سيتكبد أعباء التحميل والتنزيل والإقامة بدمشق على نفقته الخاصة.
وأكثر ما يلفت النظر في معرض الباسل للإبداع هو ختامه بتوزيع الجوائز الذهبية والدروع على وزير الاقتصاد ومساعديه، ورئيس جمعية المخترعين العالميين وأعوانه، ورئيس دائرة البراءات وأعوانه، ورئيس الجمعية السورية للمخترعين وأعوانه، والشركات الرأسمالية وأعوانها، وكأن المعرض تجاري ودبلوماسي بامتياز.. والمخترعون هم مجرد ديكور..
وفي المقابل تم توزيع عدد من الجوائز- لا تتعدى أصابع اليد الواحدة- على بعض المخترعين السوريين، كما حصل بعضهم الآخر على جوائز ترضية سخيفة.. وخرجوا بمجملهم يجرون أذيال الخيبة بعد أن صرفوا ما استدانوه وقطعوا لقمة العيش عن أسرهم آملين الظفر بمبلغ يسد رمقهم تشجيعاً لاختراعاتهم. وفي ختام المهرجان الكبير، هرب القائمون على المعرض الفائزون بالجوائز، وأغلقوا هواتفهم النقالة، وتركوا المخترعين يحملون اختراعاتهم بأنفسهم! ما أدى إلى وقوع إصابات خطيرة بينهم، ومنهم اثنان من محافظة حماة كانوا بحاجة لعمل جراحي سريع، ولولا تدارك وضعهم لحدثت لهم كارثة.
والخلاصة.. أقسم معظم المخترعين مع نهاية المعرض بأنهم لن يشاركوا فيه أو في أمثاله مرةً أخرى، فتيهي صباً يا سورية.. وتألقي!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
416