أنقذوني من الذبح... يقول بردى!!

إن عدم عودة المياه المعالجة إلى مجرى بردى يمكن، بل سوف يشكل خطراً على مستقبل وجود الأجيال.

تنشر قاسيون مداخلة الرفيق عدنان درويش عضو مجلس محافظة ريف دمشق التي قدمها بتاريخ 12/7/2004، ووافق المجلس بالإجماع على ماجاء فيها، وطلب المحافظ تشكيل لجنة لمتابعة التنفيذ.

إن مدينة دمشق هي أقدم مدينة مأهولة بالسكان في العالم ومن أهم أسباب شهرتها التاريخية نهر بردى الذي تغنى به الشعراء وغوطتاها اللتان يرويهما هذا النهر بفروعه التسعة التي وزعت المياه فيها ضمن نظام غاية في التعقيد والدقة. منذ آلاف السنين لإيصال المياه إلى كل بيت في مدينة دمشق وليروي كل الأراضي القابلة للزراعة في دمشق وغوطتيها.

وقام الفلاحون بوضع تشريعات لتوزيع هذه المياه لري الأراضي بكل عدل وإنصاف وذلك بطريقة العدان المتعارف عليها بين جميع الفلاحين والمعمول بها حتى الآن حيث تعتبر أول وأرقى التشريعات المائية على مستوى الوطن العربي وهي بمثابة القانون بين جميع أصحاب الأراضي المروية.

يبلغ طول نهر بردى 67 كيلو متراً من منبعه في المنطقة الغربية إلى مصبه في بحيرة العتيبة بالمنطقة الشرقية ويرفده على مجراه عدد من الينابيع بعضها دائم الجريان مثل نبع الفيجة وبعضها عير ظاهرة وتعتبر ثانوية.

ونهر بردى هو الوحيد من بين الأنهار الذي ينبع ويصب ضمن الأراضي السورية ويتفرع عنه تسعة فروع أولها في شمال الهامة وآخرها في منطقة باب شرقي، وهي:

1. نهر يزيد: الذي يأخذ من مياه بردى نسبة 65% ليروي أراضي القابون وشمال حرستا ودوما.

2. نهر المزاوي: ويأخذ نسبة 50% من باقي مياه بردى ليروي أراضي المزة وقسماً من أراضي الغوطة الغربية.

3. نهر الديراني: ويأخذ نسبة 60% من باقي مياه بردى ليروي أراضي داريا وما تبقى من أراضي الغوطة الغربية.

4. نهر تورا: ويأخذ نسبة 58% من باقي مياه بردى ليروي أراضي عربين ومسرابا والقسم الجنوبي من أراضي دوما.

5. نهر القنوات: ويأخذ 80% من باقي مياه بردى ليروي أراضي الشاغور والميدان.

6. نهر بانياس: ويأخذ نسبة 85% من باقي مياه بردى ليروي أراضي سحم وببيلا ويلدا، ويتابع بردى جريانه إلى منطقة المرجة ليتفرع منه كذلك.

7. نهر العقرباني: ويأخذ نسبة 65% من باقي مياه بردى ليروي أراضي جرمانا وعقربا، ويتابع بردى جريانه إلى منطقة باب توما ليتفرع منه كذلك.

8. نهر الدعياني: الذي يأخذ نسبة 60% من مياه بردى ليروي أراضي عين ترما وكفر بطنا وحمورية، ويتابع بردى جريانه إلى بداية باب شرقي ليتفرع منه كذلك.

9. نهر المليحي: الذي يأخذ 67% مما تبقى من مياه بردى ليروي أراضي المليحة وزيدين والشبعا، ويتابع بردى جريانه بما تبقى فيه من مياه ماراً في قرية جسرين ومنها إلى بحيرة العتيبة المصب النهائي له.

هذا النهر لم تكن مياهه للري فقط بل للشرب أيضاً حيث كانت زاخرة بالأحياء المائية، يوم كان أهالي دمشق يذهبون إلى ضفافه للنزهات في أيام العطل والأعياد حيث يمارس العديد منهم صيد السمك والسباحة في مياهه العذبة واستمر ذلك حتى الخمسينات من القرن الماضي، يوم كان دائم الجريان صيفاً وشتاء، لأن نسبة هطول الأمطار على حوض بردى تقدر بحوالي 1650 مم سنوياً أما منطقة العتيبة فهي حوالي 90 مم سنوياً فقط.

وكان ذلك سبباً لاستمرار الزراعات البعلية في وادي بردى وحتى منطقة الهامة بفضل هذه الأمطار والرطوبة العالية.

وفي بداية الستينات من القرن الماضي بدأت التعديات على بردى بسحب مياهه من سرير النهر بوساطة مضخات الديزل بعد أن تركوا الزراعة البعلية وأخذوا بالزراعة المروية وبدأ حفر الآبار الارتوازية.و بدأت التعديات على حرم بردى وفروعه من مصبه إلى منبعه.

وبدأ تصريف النفايات البشرية والملوثات الكيماوية والصناعية التي تحمل السم الزعاف في سرير النهر.

ومع تزايد عدد السكان وإقامة المنشآت الصناعية والحرفية بجوار بردى وعلى الأراضي الزراعية وبين التجمعات السكانية أخذت الحياة تتناقص والنفايات تتزايد حتى تحول مجرى بردى وفروعه إلى مجارٍ لتصريف المياه الآسنة التي تحمل معها خليطاً عجيباً من الملوثات أخطرها مادة الكروم التي تفرزها معامل الدباغة التي يبلغ تعدادها حوالي 240 منشأة متواجدة بين التجمعات السكانية وعلى ضفاف الأنهار تستنزف مياهاً نظيفة من حوض دمشق لتضاعف نسب التلوث في مياه الأنهار التي تعتبر المصدر الرئيسي لري المزروعات، مما أدى إلى قتل ملايين أشجار اللوزيات وتلوث الهواء والتربة وإلى انتشار الأمراض السرطانية والتشوهات الولادية وغيرها.

ولو عدنا بالذاكرة إلى الماضي القريب لوجدنا أن الحكومة السورية قامت بنقل معامل الدباغة في عام 1952 من منطقة باب السلام في دمشق إلى خارج المدينة لأنها وجدت أن هذه المعامل تشكل خطورة على 10% من السكان يوم كان عدد سكان دمشق 350 ألف نسمة فقط، وعدد معامل الدباغة يومها لايتجاوز 15 منشأة ومياه بردى عشرات الأضعاف لما هي عليه الآن.

أما الآن فإن القاطنين في منطقة الدباغات وماحولها يعدون بحوالي مليون إنسان وهم من الفقراء والمعدمين.. والخطورة الأكبر تكمن بتلوث حوض دمشق الذي يعتبر مصدراً أساسياً لمياه الشرب الآن وفي المستقبل.

والغريب في الأمر أن تجري المخالفات الواضحة للقرارات والبلاغات وكل هذه التعديات على مرأى من وزارة الري ومحافظة مدينة ومحافظة ريف دمشق للقرار رقم 144 الذي أصدره ساراي في 10/6/1925 الذي يؤكد أن بردى وكامل فروعه هي ملكية عمومية لايجوز التعدي عليها إطلاقاً.

وحدد حرماً لنهر بردى وفروعه بعشرة أمتار من كل جانب لايجوز المساس به.

وجاء قرار مجلس الدولة رقم 521 تاريخ 11/12/1963 ليؤكد على القرار 144.

وجاء بلاغ مجلس الوزراء رقم 44/2/844 تاريخ 27/2/1997 ليذكر الوزارات والإدارات والبلديات وسائر أجهزة القطاع العام بأن القرار 144 نص على: اعتبار مجاري المياه العامة وضفافها بعرض عشرة أمتار من كل جانب من الأملاك العامة وبناء على ذلك نطلب من الجهات المعنية عدم الترخيص أو السماح بإقامة المنشآت على مجرى نهر بردى ومايتفرع عنه كما طالب البلاغ بإزالة المخالفات العامة وذلك تحت طائلة المسؤولية.

وللأسف بدلاً من تنفيذ هذا البلاغ ازدادت التعديات على حرم بردى وكامل فروعه حيث لم يبق شبر واحد إلا وتم الاعتداء عليه من مصبه حتى منبعه.

إننا نطالب المسؤولين في وزارة الري والمسؤولين في محافظة مدينة دمشق ومحافظة ريف دمشق بما يلي:

1. وضع القرار 144 موضع التطبيق العملي وبكل حزم لإزالة جميع المخالفات والتعديات على بردى وفروعه وبأسرع مايمكن وأن تغلق وتزال جميع التعديات من وإلى بردى وفروعه.

2. أن تقوم محافظة مدينة دمشق بوصل كافة شبكات مجاري المدينة إلى الخط الذاهب لمحطة المعالجة في عدرا.. لأنه مازال حتى الآن كميات كبيرة تصب في مجرى بردى ولاتصل المحطة.

3. أن تقوم محافظة ريف دمشق بالإسراع بإشادة المناطق الصناعية لنقل المعامل والمنشآت التي تشكل مخلفاتها خطراً على السكان وتلوث البيئة وعلى أن يجري تجميعها في منطقة واحدة لتركيب محطات معالجة خاصة بالمواد التي تستخدمها وأولها معامل الدباغة.

4. العمل على إيجاد محطة معالجة في مناطق التجمعات السكنية من أعالي نهر بردى وحتى منطقة الهامة حفاظاً على نقاء مياه بردى.

5. العمل على إنشاء شبكة وصل نظامية لمجاري قرى الغوطة الشرقية لإيصالها إلى محطة المعالجة في عدرا وعدم صرفها إلى مجاري الأنهار وبشكل عشوائي وغير مسؤول.

6. العمل الجدي لتطوير وتحديث محطة المعالجة في عدرا بحيث تكون قادرة على معالجة المواد الكيماوية والصلبة لا أن تعالج الفضلات البشرية فقط كما هو الآن لأننا نريد محطة معالجة فعلية لتخرج المياه منها بلا شوائب وبلا لون وبلا رائحة إسوة بمحطات الدول الأخرى.

7. يجب العمل على إعداد مشروع لعودة المياه المعالجة إلى مجرى بردى في منطقة الهامة كي يستعيد نهر بردى جزءاً من عافيته، وتستعيد مدينة دمشق تألقها والغوطة نضارتها وجمالها ليسترد الفلاحون حقوقهم الضائعة. وهذا ليس بالأمر المستحيل لأن المسافة لعودة هذه المياه هي 40 كيلو متر فقط ونسبة الرفع للمياه حوالي 57 متراً.

وإلا فكيف تعمل لجر المياه من البحر على بعد 450 كيلو متر ونسبة الرفع 850 متراً.

إن عدم عودة المياه المعالجة إلى مجرى بردى يمكن، بل سوف يشكل خطراً على مستقبل وجود الأجيال.

ويكون الدافع لهجرهم مدينتهم العظيمة دمشق التي لايمكن الحفاظ عليها دون الحفاظ على نهر بردى الذي يستصرخ ضمير كل محب لدمشق وللبيئة قائلاً:

 

 أنقذوني من الذبح!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
225