شكراً لقانون محاسبة سورية!

٭ إلى متى سيبقى المال العربي في خدمة الأمبريالية والصهيونية؟!

٭ السلع الأمريكية ملطخة بدمائنا ودماء أطفالنا وجنودنا... فكيف نبتاعها؟

من المعلوم أن الولايات المتحدة تمنح الكيان الصهيوني سنوياً نحو 5 مليارات دولار أمريكي، أي ما يزيد عن مجموع الموازنة الجارية للدولة السورية بأسرها، ويعادل هذا المبلغ مجموع ما يسمى بالمساعدات الأمريكية لكل دول العالم الأخرى، ففي ميزان واشنطن الكيان بكفة وباقي العالم بالكفة الأخرى !. نتحدث هنا بالطبع عن الحجم المعلن للمساعدة الأمريكية السنوية للكيان، ونظن أن ما خفي بأشكال مختلفة كان أعظم. والمعلوم أيضاً أن الضرائب الحكومية الفدرالية على السلع والشركات الكبرى تشكل أهم موارد الخزينة الأمريكية التي يجري منها تمويل الكيان بهذه المبالغ الطائلة. هذا يعني ببساطة شديدة أن كل دولار يدفع لشراء أي سلعة أمريكية في أي مكان في العالم يذهب جزء منه حتماً لتمويل آلة القتل والإرهاب الصهيونية. من هنا تأتي أهمية نشاط اللجان والهيئات وأشكال المبادرات الشعبية والدينية والأسرية والفردية المختلفة الداعية لمقاطعة وتحريم التعامل مع السلع والمصالح الأمريكية في بلداننا العربية، كيلا نتبرع بأنفسنا لتمويل هذا الكيان المصطنع المجرم الذي ما كان ليستمر ويقوى ويستقوي علينا وعلى العالم لولا الدعم الأمريكي السخي بأشكاله المختلفة ومنها التمويل المباشر المذكور أعلاه.

من المستغرب حقاً أن يشذ بعض الأفراد عن الإجماع الوطني ويواصلوا، رغم كل ما جرى ويجري، شراء السلع الأمريكية الملطخة بدماء أهلنا في فلسطين والعراق، المعجونة بآلام أجيالنا المتعاقبة. فمع أن وعد بلفور الغادر 1917 لم يكن أمريكياً، إلا أن مركز الرعاية والحماية للمشروع الصهيوني سرعان ما عبر الأطلسي مع انعقاد مؤتمر «بلتيمور» الصهيوني 1942 الذي حسم خيارات الصهاينة لجهة الولاء للولايات المتحدة قبل غيرها من ضواري الرأسمال الإمبريالي العالمي، وأتت النتائج سريعاً باغتصاب فلسطين وإقامة الكيان برعاية أمريكية أساسية عام 1948، ومن ثم المحطة البارزة التي تحول الولاء الصهيوني معها ليغدو تبعية تامة أحادية للولايات المتحدة في عدوان حزيران 1967، مروراً بمحطة تشرين 1973 حين أمدت الولايات المتحدة تابعتها بكل ما يلزم عسكرياً (الدعم المباشر الكثيف لوجستياً وفنياً) وسياسياً (كيسنجر وأداته أنور السادات) لقلب مجرى الحدث، وصولاً إلى إعلان الحلف الاستراتيجي الأمريكو-صهيوني ضد العرب والسوفييت معاً عشية غزو لبنان 1982 الذي بلغ خلاله وزير الخارجية الأمريكي آنذاك الجنرال ألكسندر هيغ ذروة غير مسبوقة من الصفاقة إذ تولى تدقيق البلاغات العسكرية الإسرائيلية بتصريحه القائل «أسقطوا لنا (السوريون) طائرة أخرى .. إلخ» مستخدماً ضمير «نحن» عن بلاده وولايتها المدللة عبر المحيط، متجاهلاً أبسط قواعد اللعبة الدبلوماسية المفترض أنه من لاعبيها. 

العدوان واحد وعدونا واحد مهما حاول بعضنا خداع نفسه عبر تضخيم حكاية «اللوبي» المسيطر في واشنطن البريئة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة. ما أوردنا مجرد مقتطفات للتذكير بالتاريخ الأسود الطويل العريض للعدوانية الأمريكية ضدنا التي لا يكترث لها بعض المتفسخين من أبناء جلدتنا على امتداد الأرض العربية الذين يواصلون دون وازع التبرع للكيان الصهيوني من خلال شراء واستهلاك السلع الأمريكية القذرة بل والترويج لكل ما هو أمريكي.

مستغرب ومحتقر سلوك هذا البعض، لكن المستغرب أكثر أن تأتي جهات عامة بمثله. كيف يمكن لمسؤول حكومي أو في القطاع العام أن يوقع عقداً مع شركة أمريكية بمئات ملايين الدولارات؟ سيقول قائل أن القانون لا يمنع ذلك، ولكن هل فقد هذا المسؤول كل وازع وطني قد يدعوه في خاتمة المطاف لتفضيل الإستقالة من منصبه، نظيف الكف والضمير، على أن يشارك فعلياً بتمويل آلة قتل الأطفال الأمريكو-صهيونية في فلسطين والعراق؟

مناسبة هذا الحديث ما كُشف في أمريكا مؤخراً عن قيام وزارة التجارة الأمريكية، في إطار قانون «محاسبة» سورية سيئ الصيت، بإيقاف صفقة بقيمة 200 مليون دولار أمريكي (نعم مائتي مليون عداً ونقداً؟؟) لتوريد قاطرات من شركة «جنرال الكتريك» الأمريكية العملاقة إلى «السكك الحديدية السورية» بحلب، مؤسستنا الكبرى ذات التقاليد الوطنية والعمالية العريقة (واأسفاه، هل ضاعت؟). والسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا الخبر الذي لم ينفه أحد حتى لحظة كتابة هذه السطور: ترى ألم يفكر عاقدو هذه الصفقة عندنا، على اختلاف مراتبهم من لجنة فض العروض إلى المدير العام فالوزير فاللجنة الإقتصادية التي صدَّقت العقد، ألم يفكروا بتلك الحصة، ولو صغرت، التي ستنوب العدو الصهيوني من هذا المال الذي أئتمنوا عليه، مال الشعب الذي يأبى أن يذهب ولو فلس واحد من حر ماله نتاج جهده وعرقه إلى القتلة الصهاينة؟ ألم يكن أمامهم خيارات أخرى لشراء القاطرات في هذا العالم الرحب غير الخيار الأمريكي البشع الوالغ بدم أهلنا وأطفالنا ومقاومينا وجنودنا البواسل؟

ألا يحق لنا القول أمام هذا الإستهتار بكرامة الوطن وأهل الوطن: شكراً لقانون محاسبة سورية الذي أنقذنا، من حيث لا يدري واضعوه ولا يريدون، من عار التبرع للكيان المجرم؟

بهذه المناسبة نزجي ألف تحية لذاك الرهط الكبير الطيب من أعضاء مجلس الشعب (127 نائباً من أصل 250) اللذين بادروا مؤخراً بتقديم مشروع قانون من شأنه تزويد السلطة التنفيذية (الأدق: تقييدها!) بالإطار التشريعي اللازم لتضييق التعامل مع الشركات والمصالح الأمريكية في سورية، كي لا يتذاكى أحد بعدها أن القوانين المرعية لا تسمح باستبعاد هذه الشركات والمصالح من المناقصات والعقود العامة (إلا بموجب «قانون محاسبة سورية»!). ونناشد سائر الأخوات والإخوة نواب المجلس، على اختلاف ما يمثلون إجتماعياً وسياسياً، الإرتقاء إلى مستوى مسؤوليتهم التاريخية بمساندة هذا القانون المقترح بكل قوة والعمل الحثيث على إقراره بأسرع ما يمكن، ليثبتوا بالأفعال لا الأقوال وفاءهم لأمانة الشعب تحت قبة المجلس، أمانة تمثيل شعبنا الحقيقي الذي لا يكره شيئاً أكثر من شذاذ الآفاق اليانكيين والصهاينة، شرف تمثيل الشعب لا تمثيل شواذ الويسكي والمالبورو والبيبسي وعقود قاطرات جر العولمة والأمركة!

 

٭ بشير يوسف

معلومات إضافية

العدد رقم:
225