فساد وتواطؤ في مؤسسة عمران بدير الزور نهب كبير للمال العام تُغطيهِ وتُبررهُ تقارير التفتيش

الفساد لم يعد حكراً على المحافظات الصناعية والتجارية ومراكز النشاط الاقتصادي الكبيرة، بل انتشر حتى وصل كل مفاصل البنية التحتية والمؤسساتية، مستغلاً المال العام لخدمة أطماع القائمين على إدارته والمؤتمنين عليه. ففي فرع مؤسسة عمران بمحافظة دير الزور يمارَس الفساد بشكل «مافيوي» منظم، حيث يؤدي كل طرف من حلقة الفساد المتكاملة دوره انطلاقاً من موقعه وسلطته، وإذا حدث أن اشتكى أحد المواطنين أو الموظفين الشرفاء من ظاهرة سيئة، فقد تُرسَل ملفات الفسـاد والتلاعب واختلاس المال العام إلى فرع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالمحافظة للتحقيق فيها، ولكن تكون نهاية المطاف للملفات بإحالتها للحفظ إذا وصلت إلى عهدة المفتش الذي استلم ملف فرع مؤسسة عمران في المحافظة، لأنه عندما تتعلق الأمور بأقربائه وأصدقائه يعبر بصراحة قوية عن ولائه وتعاطفه الأعمى تجاههم، حتى لو كان الأمر يتعلق بالشرف الوظيفي والمال العام، وبالتالي يعمل على تبرئتهم من قضايا، لو تم التحقيق فيها من مفتشين وقضاة عادلين وشرفاء، لكان مكان هؤلاء الفاسدين السجن والصرف من الخدمة.

فقد وافانا مراسلنا في دير الزور أن أفعالاً مزاجية غريبة وفاسدة يرتكبها أحد المفتشين التابعين للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالمحافظة للتغطية على ملف فساد كبير، يطال المال العام بالسرقة والهدر،  ويماطل بإصدار تقريره تحت ذريعة أنه يخاف الله ويعطي كل ملف أو موضوع يتم تحويله إليه مِن مدير الهيئة حقه، لأن دراسته متأنية جداً وربما تستوجب مدة قد تصل أحياناً إلى سنوات.
ثبت من خلال الملفات التي عمل عليها المفتش أنه يعمد إلى إطالة أي موضوع أو ملف يقوم بالتحقيق فيه مِن أجل تسويفه ونسيانه مِن الجهات المعنية وخاصة عند إثارته بالصحف الرسمية، كما حدث بملف الفساد الكبير التابع لمؤسسة العمران بدير الزور، فبالرغم من ثبوت جميع المخالفات والتجاوزات والتلاعب بالمال العام من البعض، وعلى رأسهم المدير المعفى من منصبه (ع. ر. م) قام المفتش بعد مماطلة كبيرة وطول انتظار بإصدار جزء من تقريره، بعد إخفائه لجميع القضايا والمواضيع الهامة والكبيرة التي تدين الموجودين بالشكوى المقدمة والمُحالة إليه مِن مدير الهيئة بدير الزور، وهو لا يحترم سرية العمل التفتيشي، ويقوم بالتصريحات مبدياً تعاطفه الواضح مع قريبه المدير الأسبق والمعفى من منصبه، عن طريق إعطائه معلومات عن الوثائق المخالفة التي تصله، من أجل تعديلها أو تبديلها (كقوائم بيع الإسمنت مثلاً) وبالرغم من ذلك فما ذكره المفتش في تقريره الأولي يحوي الكثير من المغالطات والأخطاء والتساؤلات، وهي برسم الهيئة المركزية بدمشق، حيث أظهر الوثائق التي يريدها، وأغفل الوثائق الأساسية التي تدين الأطراف الذين تفوح بينه وبينهم رائحة التورط، ومن الوثائق التي أخفاها ومن واجبنا إظهارها للجهات المعنية:

صرف أسمنت لمشاريع منتهية وأخرى وهمية
ـ أولاً: أذونات السفر الكثيرة فهو قد تجاهل معظمها وأخفاها وذكر فقط محاولة صرف واحدة لإذن سفر واحد وهو لدمشـق وهو بالواقع ليس محاولة صرف بل تم صرفه فعلاً وأذونات سفر أخرى لدمشق أخفاها المفتش حيث سقطت من حساباته! وجميعها إدانات قوية ومثبتة على المدير حيث كان يصرفها وهو على رأس عمله!
ـ ثانياً: المشاريع المنتهية والمسلّمة تسليماً نهائياً مِن الخدمات الفنية والتي بقي استجرار مادة الأسمنت مستمراً على رخصها، بالاتفاق بين المدير والمتعهدين الذين أنهوا مشاريعهم بالأسمنت الذي كان يُباع على الهوية الشخصية، ثم باعوا الكميات المحددة للرخصة في السوق السوداء، وعمل المفتش المذكور على تبرئة ساحة صديقه المدير الذي سهّل عملية منح هذه الكميات للمتعهدين، كونه لا يتم إخراج أي كيس من المؤسسة إلا عن طريقه ومعرفته هو وحاشيته بالمؤسسة، حيث قام المفتش بتغريم المتعهدين ببعض الكميات المستجرة من المؤسسة، دون التطرق لذكر من منحهم هذه الكميات، وهذه تشكل إشارات استفهام كبيرة حول المفتش المنحاز والمتعاطف على حساب المصلحة العامة والمال العام!
ـ ثالثاً: المشاريع الوهمية بمركز عمران البصيرة: 25 مشروعاً تم استجرار الأسمنت عليها دون استخدامه وتم بيعه بالسوق السوداء بمعرفة ومشاركة (ع. ر. م) الذي كان مستلماً آنذاك دائرة المواد (الأسمنت) إضافة لدائرة الحسابات، مكافأة له من مديره الأسبق والمعفى (م . ح) من أجل قيام (ع. ر. م) بالتغطية على بعض أمور الفساد التي ارتكبها (م .ح) حيث أن جميع القيود موجودة لدى (ع. ر. م) كونه رئيساً لدائرة الحسابات، والمراقب الداخلي بالمؤسسة (م . ر)، وبعد مرور حوالي السنة قام المفتش المذكور بإصدار تقريره الذي يحمل الرقم 6/ف م ف، تاريخ 17/6/2009، المتعلق بالمشاريع الوهمية بمركز عمران البصيرة، حيث قام بتبرئة ابن عمه المدير السابق والمعفى (م .ح) ورئيس دائرة المواد آنذاك (ع. ر. م)، والمراقب الداخلي بالمؤسسة (م. ر) من هذا الملف المهم، كونه يمس المصلحة العامة، مع أنهم معروفون بأنهم أصحاب الجولات الكثيرة على المراكز الخارجية التابعة للمؤسسـة، وتوجيهاتهم التي تقتصر على المساومات والضغط على رؤساء المراكز الخارجية المخالفين، وهم كُثر، لإقامة الولائم على شرفهم، حيث قام المفتش بتغريم المواطنين المستجرين للمادة بمبالغ كبيرة مقدارها /797390/ سبعمائة وسبعة وتسعون ألفاً وثلاثمائة وتسعـون ليرة سورية، وثمن أكياس بلغ عددها /14498/ أربعة عشر ألفاً وأربعمائة وثمانية وتسعين كيساً، وأغفل وبرأ الذين كان لهم دورٌ بإعطاء ومنح هذه الكميات الكبيرة، وترك الفاسدين يسرحون ويمرحون، وهذا يُشجع ويفسح المجال للمذكورين وغيرهم من الفاسدين بمتابعة ممارساتهم وفسادهم وتطاولهم على المال العام، تحت مظلة وحماية التفتيش الذي يُمثله مفتشون على نمط المفتش (...)

أضابير مزدوجة وقسائم مزورة
ـ رابعاً: الأضابير المزدوجة المفتوحة في مناطق عديدة، حيث قام المدير السابق بفتح أضابير مزدوجة في عام 2002 باسم المتعهد (م. غ. س) لبعض المدارس في محافظة دير الزور والمراكز الخارجية التابعة لفرع المؤسسة في كل من الميادين وهجين والبصيرة، إضافةً إلى مركز الأسمنت بدير الزور، وقام المتعهد باستجرار كميات كبيرة مـن مادة الأسمنت الأسود، زيادة عن الاستحقاق المقرر للمشاريع، وبموجب كتب مزدوجة من مديرية الخدمات الفنية بدير الزور، وقد أحيل الموضوع إلى فرع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالمحافظة، وتم تجميده من المفتش المذكور، حيث تم (وضعه للحفظ)، ولو تم فتح هذا الملف مجدداً لظهرت حقائق كبيرة وكثيرة تم إخفاؤها على حساب المصلحة العامة.
ـ خامساً: موضوع المساجد: حيث تم منح الأسمنت لبعض مشاريع المساجد دون ثبوتيات، إضافة للأسمنت الممنوح بموجب قسائم مزورة، من بعض المواطنين الذين تربطهم علاقة بالمدير (ع. ر. م) وبعض حاشيته الفاسدة بمركز الأسمنت، وهناك نوعان للتزوير:
التزوير الأول: يكون بجلب قسيمة مِن مديرية الأوقاف بحجة التبرع للمسجد، حيث تقوم مديرية الأوقاف بإعطاء الموافقة بموجب قسيمة لا تتجاوز 150 كيساً على الأكثر، والبعض 50 كيساً، ويتم إضافة الصفر لها مِن أحد المواطنين الفاسدين الذين تربطهم علاقة مع المدير (ع. ر. م)، وحسب ما هو معمول به بالمؤسسة يقوم المدير حصراً بأخذ القسائم الواردة مِن الأوقاف ويضع توقيعه عليها ويقوم بتنزيلها على القائمة المُعدة مِن قِبلهِ، وعلى دفعات حسب الكمية الواردة مِن مديرية الأوقاف.
السؤال الموجَّه للمفتش والمدير: كيف يتم إعطاء أسمنت بكمية /500/ كيس علماً أن أكثر كمية قسيمة تمنحها الأوقاف هي /150/ كيساً فقط؟ ألا يتوجب على المفتش سؤال المدير عن هذه المسألة؟ أم أن دوره كان مقتصراً فقط على تبرئة (ع. ر. م) من موضوع المساجد، وإخفائه قسائمَ المساجـد التي قام بالتوقيع عليها لأنها تُدينه؟ وإدانته قد تفتح عليه أبواباً كثيرة بتحقيقاته السابقة، والتي أخفاها بتقريره السابق؟ وجميعها تُدين صديقيه (م .ح) و(ع. ر. م)؟
التزوير الثاني: بقيام المواطن المتعامل مع المذكورين سابقاً بتزوير القسيمة كاملة على الكمبيوتر، وجلبها للمؤسسة ويتم تسهيل أمره عند المدير (ع. ر. م) كونه هو الذي يقوم بتنظيم القوائم وتوزيع الدور على المواطنين، والقيود الصحيحة موجودة بسجلات مديرية الأوقاف بدير الزور.
وهنا نتساءل: لماذا أخفى وأغفل المفتش موضوع منح الأسمنت للمساجد دون ثبوتيات، مع أن هذا الأمر يُعتبر تلاعباً واختلاساً وسرقة؟! هل لأن هذا الأمر يدين المدير المعفى وحاشيته الفاسدة بمركز أسمنت فرع دير الزور؟ إن هذا يضع إشارات استفهام كثيرة ويستوجب المساءلة!!

ختامها مسك
ظهرت مهزلة جديدة مِن مهازل التفتيش حيث اتصل المفتش المذكور برئيس الدائرة المالية بالمؤسسة (ع. ط) وطلب منه تزويد المواطنين المذكورين بإيصال أمر دفع لتسديد المبالغ التي حددها المفتش لرئيس الدائرة المالية على الهاتف، وقال إن هذه المبالغ هي برسم الأمانة وتودع في حسابات المؤسسة!! وتصدر هذه الممارسات عن المفتش بسرية تامة ومن وراء الكواليس بحجة حرصه على المال العام المهدور واسترجاعه لمصلحة خزينة المؤسسة، ولكن من المواطنين! وقد تمت التغطية على هذه المبالغ من رئيسة دائرة الحسابات ورئيس الدائرة المالية بالكتاب رقم /939/ص.خ، تاريخ 7/10/2009 المرسَل إلى الإدارة العامة، ليؤكد ادّعاء المفتش، بعد أن وجدوا كبش الفداء وهو العامل الذي حمِّلوه وحده النقص والتغريم، مع أن عمله هو تنظيم الكشوف فقط، ولا يستطيع تجاوز رئيس دائرة المواد، الذي يقوم بتحويل القوائم لمركز الأسمنت والإشراف على عمليات التوزيع، ولا رئيس المركز وهو المسؤول المباشر والمراقِب لعمليات البيع، وواضحٌ أنه حسب الموقع والمهمة الموكَلة لكل موظف يمكن أن يظهر مدى التورط، والأماكن التي يمكن استغلالها لممارسة الفساد، ومع ذلك فمازال التقرير النهائي للتفتيش لم يصدر حتى الآن رغم مرور فترة طويلة على التحقيقات!
من يكسر حلقة الفساد هذه؟! ومن يتحقق من نزاهة المحققين؟! ومن يحاسب الفاسدين والمتورطين بنهب وهدر المال العام؟! أسئلة كثيرة لا تنتظر نقاشاً فحسب، بل نضعها أمام المعنيين بالأمر لعلها تسير على طريق التنفيذ لأن في ذلك حفظاً لخيرات الوطن وصوناً لكرامة المواطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
431