جيني شليل جيني شليل

الأرصفة للسيارات فقط..

تعرضت أرصفة المدن السورية وتتعرض يومياً، لأنواع مختلفة من الغزو والانتهاك، بدءاً بالوحول والأتربة والأوساخ، مروراً بالبسطات والأكشاك والتعديات المختلفة الأخرى (العامة) والخاصة، التي تصب جميعها، بمفاهيم متعددة، في البوتقة نفسها، أي عدم احترام الرصيف وغاياته..

الغزو المتفاقم حالياً مختلف شكلاً ومضموناً ودافعاً، وإن بأسلوب داخلي بحت، سوري الأداء، رغم أن ويلاته خارجية مستوردة بوكالات استثمارية محلية.. هذا الغزو يضيق على الناس المسافة الضيقة المخصصة لهم (اسماً) التي تحميهم من الحوادث العارضة في الشوارع.. إنه غزو السيارات للأرصفة التي باتت تصرخ من هذا الاعتداء الواضح عليها.
فلو حاول المواطن، ساكن العاصمة، السير على الأرصفة الموازية للشوارع، لأحس بمشاعر الألفة التي تولدت بين السيارات المستريحة عليها، والمتلاصقة بطريقة تنعكس إرباكاً عليه، حيث لا تتيح بتلاصقها لأحد فرصة أو إمكانية المرور بينها، مما يضطر الجميع (للتنازل)، والمخاطرة بالسير على الإسفلت لمزاحمة السيارات السائرة في الشوارع.
وبالمقابل إذا وقعت عين الراجل على عيون السائقين في التفرعات الطرقية، سرعان ما ستشعر بالمنافسة الدائرة بينهم بحثاً عن، ومن ثم نزاعاً، على المكان نفسه المتاح للوقوف، كأنه ميدان للسباق بينهم.. فالكل يريد الوصول إلى مساحة ضيقة بالكاد تتسع لحشر سيارة فيها.

ما السبب وراء هذه المزاحمة بين الجميع سائقين وراجلين؟ وهل أجزاء من الطرقات وكل الأرصفة أضحت مواقف (طبيعية) مخصصة لوقوف السيارات، أم أنها مشكلة طارئة وسرعان ما نجد لها حلاً؟
في الحقيقة، إن ما يحدث مرده لسوء التنظيم الاستراتيجي، سواء على صعيد تخطيط وتنفيذ البنية التحتية، أو على صعيد السياسات الاقتصادية، خاصة بعد إزالة القيود عن استيراد السيارات، التي أطلقت العنان لمن هب ودب لاستيراد السيارات والتنازع على نيل حصرية الوكالات وإغراق السوق بها، حتى لا يبقى المواطن يعيش حالة (الحرمان من السيارة) فتصبح في متناول اليد.. فبمجرد إزالة هذا الرباط دخلت أفواج هائلة من السيارات لم تكن بالحسبان في ذهن الحكومة، أعداد متنوعة من الماركات والحجوم تفوق قدرة شوارعنا الهزيلة على استيعابها، حتى أصبحت هذه السيارات آفة بحد ذاتها، فبدلاً من أن تكون وسائل لتسهيل الحركة غدت وسائل عرقلة وتعطيل وفوضى، وأصبحت بناء على ذلك أرصفة الطرقات ومداخل البنايات والساحات العامة ملاجئ لوضعها فيها.. حتى أن الطرقات الفرعية لم تسلم من هذا الاعتداء، بل غدت مواقف مخصصة لركن السيارات، لدرجة إن السير فيها بات مشكلة حقيقية.

أما كان من المتوجب قبل السماح بإدخال هذه السيارات القيام بدراسة كافية للبنية التحتية لدينا لمعرفة حجم قدرتها على استيعاب هذه الأعداد المتزايدة يوماً بعد يوم!؟
إذ سرعان ما تبين أن شوارعنا لا تتمتع بالجاهزية الكافية لاستقبال ربع هذه الأعداد، فما بالك بهذه الأعداد كلها؟!
لذلك يجب الإسراع في إيجاد الحلول المناسبة قبل أن تقع الفأس بالرأس ويأتي يوم تصبح فيه هذه السيارات مطبات في الطرقات لا تستطيع الحركة، وتعرقل حركة المشاة بالمقابل.
كما يجب أن توضع خطط شاملة لتأسيس كراجات ومرائيب واسعة خارج المدينة لاستقبال السيارات الوافدة إليها عدا عن تجهيز مواقف خاصة بعيدة عن الأسواق للتخفيف من ازدحام السيارات.. مع اقتراح إنشاء مرائيب خاصة لكل عمارة سكنية جديدة حتى لا يتطفل أصحاب السيارات فيها على الأمكنة المخصصة لغيرهم..
ربما إذا تم القيام بهذه الإجراءات قد نحد مؤقتاً من مشكلة كارثية مقبلة، ويبقى الحل النهائي بإيجاد مناهج لتنظيم الحركة المرورية سواءً للسيارات أو للمشاة وخلق بنية تحتية مؤهلة لتحمل أية مشاريع مستقبلية وخاصة المشاريع العارضة المفاجئة التي تتولد عنها آثار سلبية كثيرة لم تكن مأخوذة بعين الاعتبار..

معلومات إضافية

العدد رقم:
430