يا فرعون مين فرعنك..؟!
إن الفساد المستشري والوساطات والمحسوبيات التي وشمت مجالس المدن والبلدات والبلديات لم تعد تخفى على أحد بمن فيهم المسؤولون في المحافظات ومجالس الإدارة المحلية ، و استبشر البعض خيرا عندما صدر المرسوم التشريعي رقم 107 للعام 2011 المتضمن قانون الإدارة المحلية، ظنا منهم أن القانون الجديد لا بد أن يأخذ هذا الأمر الذي لم يعد يحتمل وأضحى السكوت عنه بمثابة خيانة للوطن ولمواطني هذا الوطن الغالي ، لكن كما يقول المثل الشعبي « هي هي ما تغير شيء»، فالفساد على أشده في هذه المجالس وخصوصا رؤوساء ها حتى أصبح عرفا أن منصب رئيس البلدية يعتبر رمزاً للفساد،« والاستثناء لايلغي القاعدة» وما يثبت هذا القول قراءة الأخبار التالية التي جمعت من عدد من الصحف اليومية والمواقع الالكترونية :
1- يعاني سكان منطقة مشروع الزين في محافظة اللاذقية وتحديداً عن الطريق المؤدي إلى ابتدائية سليم عمران من تردي الخدمات الفنية للشوارع, حيث تتواجد منطقة في الشارع بدون أرصفة بجانب خزان كهرباء ومقر حاويات قمامة ومساحة ترابية عريضة (يستخدمها أهالي الحي لركن سياراتهم), وبعد موسم الأمطار تحول الشارع إلى مسطح مائي كبير يسبب الضرر للأطفال المتوجهين إلى مدارسهم بالإضافة للمارة بشكل عام .
ورغم تقديم عدد من الشكاوي إلى البلدية لإصلاح الطريق وصيانته فنياً إلا أن البلدية حتى الآن لم تحرك ساكنا
2- يحدث في حلب :
- مواطن متنفذ يوقف تنفيذ مشروع كهربائي ويشيد مكانه مخالفة بناء
- بدأ مجلس مدينة حلب باتخاذ الإجراءات اللازمة لإخلاء البناءين المائلين في حي صلاح الدين واللذين أوصت لجنة السلامة العامة بإخلائهما بسبب الخطورة الشديدة على السكان حيث تقطن 10 عائلات في المبنيين اللذين شيدا بشكل مخالف
3- إن أهالي الكفرون يتذمرون من تقاعس مجلس بلدتهم ورئيسه عن القيام بواجباتهم التي انتخبوا من أجلها، ويطالبونهم أن يبرروا ثقة ناخبيهم بهم، في أن يهتموا بشؤون البلدة من جميع نواحيها، الخدمية والإدارية، ليجعلوا منها قبلة جذب لمزيد من السياح الذين يعتبرون المصدر الرئيسي لتأمين واردات سكانها المعيشية.
4- يعاني الكثير من المواطنين في قرية (الميدعاني) التي تقع شرقي مدينة دوما بـ (7) كم منذ أكثر من سنتين، والمشكلة هي عدم متابعة القرارات الصادرة من محافظة ريف دمشق و تقصير يتجلى بعدم إنهاء المشاريع وعدم استجابة مديرية الخدمات الفنية للكتب النازلة حسب الهرمية الإدارية إليها، حيث يعاني الأهالي وخصوصاً في الحي الغربي من القرية حيث يمتد طريق ترابي محفّر طوله 600 متر بحاجة للتزفيت، وقد اشتكى الأهالي منه مرات عديدة إلى البلدية والمحافظة ودون استجابة من أي طرف.
وهذه الأخبار ليست غير غيض من فيض، ومخالفات البناء وتقصير البلديات والفساد المعشش فيها ما زال مستمرا ويبدو أنه لن ينتهي، والمشكلة أنه ما أن تبنى المخالفة بتواطؤ سافر بين صاحب المخالفة وبين البلدية وخصوصا رئيسها، حتى تصبح أمرا واقعا من الصعب تغييره، ويقال إنه تم إشادة 600 ألف مخالفة بناء خلال عام واحد !!، حسنا ولكن أين سلطة البلديات في قمعها وإزالتها؟!!، علما أن المادة 63 من قانون الإدارة المحلية تنص على أنه «إذا وقعت مخالفة في بناء ملك خاص أو استدعت الضرورة الصحية أو الفنية أو الإضرار بالغير القيام فيه بعمل من الأعمال التي تتعلق بالصالح العام تكلف الجهة التي يحددها المكتب التنفيذي صاحب العلاقة بإزالة المخالفة أو القيام بالعمل المطلوب فإذا رفض أو استنكف قامت الجهة بإزالة المخالفة أو بإجراء العمل على نفقة صاحب العلاقة علاوة على الغرامة التي تترتب عليه وفقا لأحكام القوانين النافذة» .
والطامة الكبرى في الموضوع أن المحافظات وعند حاجتها للأموال تسوي هذه المخالفات بفرض بعض الضرائب دون الأخذ باعتراضات المتضررين منها، حتى لو كانت المخالفة في أبنية نظامية، بل وحتى لو كانت غير مدروسة وخطرة وآيلة للسقوط ، وها هي محافظة دمشق تصدر قراراً يقضي بطي قرار المكتب التنفيذي تاريخ 17/10/2011 واتخاذ الإجراءات في تحصيل المبالغ المترتبة على تسوية مخالفات البناء، وهي أن يلزم المكلف بتحديد عنوان مختار له في أية وثيقة يتقدم بها إلى البلدية ليُجرى تبليغه عليه، كما يُلزم بتحديد محل ممارسته العمل في حال وجوده ومحل سكنه.
أحد المواطنين يعلق دون تغيير أي حرف مما قاله «يعني شو هالتسرع كل يوم قرار غير مدروس كل ما بينقصهم مصاري بيخترعوا قرار جديد يعني عفوا قبل ما تطلعوا هيك قرارات روحوا وقفوا المخالفات يلي كل يوم عم تزيد ألف مرة وإذا مو مصدقين شوفوا المحلات يلي طلعت مقابل حديقة القرماني وعم يقولوا انه المتعهد سوف يصالح على المخالفة يا ليت المحافظ يهدد رؤساء البلديات يعني هدول عم يتاجروا بدم العالم ».
و أخيرا نقول «أهكذا تورد الإبل» يا محافظة دمشق ويا غيرها من المحافظات، إن إزالة الفساد المستشري في رؤوساء البلديات والموظفين فيها ممكن جدا، وذلك بأن يقوم المواطنون بانتخاب أعضاء المجلس البلدي ورئيسه بشكل ديمقراطي وبالاقتراع السري، على أن يكون مراقبا من منهم ، وإلزامه بأن يبين وبشكل دوري ما قام وما قامت به البلدية « كشف حساب »، ويحق حينها للمواطنين أن يعترضوا عليه عندما يرتكب خللا وظيفيا يعاقب عليه القانون، وعلى المسؤولين في المحافظة المحاسبة والتدقيق بما قام وما قامت به البلدية،وإن عدم أو ضعف المحاسبة يعني فرعنة هذا الموظف أو ذاك على أساس المثل القائل « يا فرعون من فرعنك فقال : لم أجد من يردني »، فلم يعد الشعب يتحمل هذا الفساد خصوصا وأن القضاء السوري جزء منه فاسد ومصاب بهذه الآفة وإن كرامة الوطن من كرامة المواطن والتجربة تقول إن من يعش كريماً في وطنه يدافع عنه حتى الموت.