المدينة العمالية في عدرا هل يتحول عمالنا إلى بدو رحّل! الفسدون يتنعمون والعمال يدفعون الثمن
تبعد مدينة عدرا العمالية خمساً وثلاثين كيلومتراً إلى الشمال من مدينة دمشق وقد أقيمت على تخوم البادية بين معمل اسمنت عدرا شرقاً و ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي غرباً ومقالع الرمل شمالاً وخزانات البترول الرئيسية من الشمال الغربي ومحاق وزارة الدفاع وهو على ما يبدو موقع استراتيجي من وجهة النظر البيئية والصحية، يسكن فيها حوالي 25 ألف شخص جميعهم من العمال وعائلاتهم، أولئك الذين يئسوا من إيجاد منزل أو استئجاره بسعر يتناسب مع دخولهم العمالية، وكانت المدينة العمالية رغم كل الظروف المحيطة بها ملاذاً أخيراً لهؤلاء العمال وعائلاتهم رغم سوء تنفيذ الأبنية وسوء موقعها صحياً، إذ أنها حلت مشكلة كبيرة جداً بالنسبة لهم وهي مشكلة السكن.
اغتيال المرسوم 46
وكان للمرسوم التشريعي رقم (46) المتضمن تمليك المساكن لشاغليها أكبر الأثر في نفوس أولئك العمال، لكن فرحتهم لم تدم طويلاً فأتى من اغتصبها بسرعة كالعادة، وذلك بعد أن أصدرت المؤسسة العامة للإسكان الأسعار وطريقة الدفع في أيار 2002 في يوم عيد العمال كهدية غير متوقعة، وجاءت تلك الأسعار وطريقة الدفع مجحفة بحق العمال وغير منصفة نهائياً مما دعا آلاف العمال إلى القيام بتوقيع عريضة جرى تقديمها إلى السيد رئيس الجمهورية يشرحون فيها أوضاعهم الصعبة وصعوبة عملية التمليك بهذه الشروط موضحين التكاليف الباهظة التي جرى تحميلها على أسعار المساكن والدفعة الأولى الكبيرة فوق طاقاتهم، والمبالغ التخمينية الكبيرة للمنازل والتي تتراوح ما بين 800 ألف ومليون ومئتي ألف، وهي مبالغ لا تتناسب أبداً ووضع الساكنين في هذه المنازل البسيطة، فكيف وبرواتبهم المحدودة سيتمكنون من تسديد المطلوب منهم، وشارحين وضع المنازل الموجودة وتكاليف البناء والإكساء واهتلاك المباني المشادة ومعدل القسط الشهري الذي يعادل 50=60% من رواتبهم الشهرية وكذلك الدفعة الأولى والثمن النهائي، ومطالبين بحساب الاستهلاك للمساكن وعدم إضافة قيمة نفقات الماء والكهرباء والهاتف وإلغاء نفقات الإدارة واحتساب فوائد التقسيط المترتبة على المبالغ بالحد الأدنى وإضافة قيمة الآجارات المدفوعة سابقاً كجزء من ثمن المنزل، وإعفاءهم من الدفعة الأولى ومن دفع قيمة طابع العقد وعداد الماء والكهرباء وعدم إرهاقهم باستخراج وثائق أصلية مرة ثانية، والتقيد بمهلة عام بعد تاريخ تحديد الأسعار ليختار كل عامل إخلاء المسكن أو تملكه، وعدم ترتيب فوائد على المنازل وأن تحددها المؤسسة بحدها الأدنى أي 2%، وذلك أسوة بالقاطنين في مدينة البعث في محافظة القنيطرة.
وفي لقاء مع بعض الساكنين في مدينة عدرا العمالية تحدثوا عن مشكلتهم تلك ومعاناتهم من أجل الحل.
واصلين وأيديهم طويلة
● عبد الكريم أبو سليم: «نحن نسكن في هذه المنازل مجبر أخاك لا بطل لأن من يسكن وسط هذه المدينة ذات البيئة الملوثة يدرك كم نحن مضطرون لهذا السكن، ومن يغلق شباك منزله خوفاً من الروائح الكريهة من الصرف الصحي لمدينة دمشق يؤكد للجميع بأننا نسكن هنا ليس من باب الترف إنما للحاجة القصوى، لكن ما يخيفني فعلا هو تلك التفجيرات الكبيرة جداً في الكسارات القريبة من المدينة والتي تحدث اهتزازات وتشققات في التربة مما قد يسبب مستقبلاً حدوث مشاكل كبرى في تأمين المياه لهذه المنطقة وقد يسبب بكوارث لا تحمد عقباها، وهذا بشهادة مهندسين جيولوجيين، وعندما جرت محاولات لإيقاف هذه الكسارات لم يكتب لها النجاح، وأصبحوا يعملون ليلا تحت جنح الظلام وهم «واصلين» وأيديهم طويلة ولهم طرقهم الخاصة في هذه الحالات، واليوم نحن بحاجة إلى حوار صادق مع بعضنا بعضاً لحل جميع قضايانا العالقة، وأنتم في «قاسيون» بدأتم بذلك بعقدكم الاجتماع الوطني وندوة الوطن وتابعناها عبر صحيفة «قاسيون»، وكان لها بالغ الأثر في نفوس الجميع، وهذا الوطن للجميع من عامل وفلاح وشيوعي وبعثي وجميع الأطياف مهما كانت أديانهم وانتماءاتهم».
نسلك جميع السبل للوصول إلى حقنا
سهيل قوطرش: «الطبقة العاملة السورية قدمت التضحيات الكبيرة للوطن، وعندما كانت الكتائب العمالية تقاوم عصابات الإخوان المسلمين وتتصدى لها كان بعض المفسدين ينهبون ويسرقون المال العام، فهذه الطبقة كانت على الدوام تدافع عن الوطن بشرف وكرامة وفي المقدمة، فهل يحق للجهات الوصائية أن تعامل هذه الطبقة بمثل هذا الإجحاف وتتنكر لحقها في الحياة الكريمة؟ ألا تستحق هذه الطبقة من يقف معها للوصول إلى حقوقها المشروعة؟ وبينما نحن نتوجه إلى القانون والدستور كي ينصفنا، نجد غيرنا وهم كثر وفي مواقع المسؤولية يخترقون هذا القانون والدستور يوميا وبدون أي محاسبة، ولذلك مطلوب منا أن نسلك جميع السبل للوصول إلى حقنا».
عقد إذعان
خضر: «هذا عقد إذعان مخالف للدستور السوري نحن جئنا إلى هذه المنازل مستأجرين ونحن رتبنا أمورنا على هذا الأساس، وهذه المنازل كانت تعتبر عطاءً لماذا حولت إلى وبالٍ على العمال، أصبح العمال يقولون «ياما أحلى الآجار». ونحن أصلاً رواتبنا جميعاً لا تتحمل لا دفعات كبيرة ولا حتى صغيرة، وإذا فتشت الآن بفيش أي راتب من رواتب العمال القاطنين في المدينة العمالية ستجد أقساطاً وقروضاً على الرواتب أكثر من 50% والفوائد المركبة على هذه المنازل ستقضم الباقي من الراتب وسنفتح أفواهنا للهواء».
السرقات مستمرة
أحد العمال: «الدولة لم تكن تنظر إلى المسكن العمالي من منظار الربح والفائدة، وسجلنا اعتراضاتنا الشخصية على طريقة الدفع وسلمت الاعتراضات إلى المؤسسة العامة للإسكان. إذا كانت أغراضي المنزلية لا تسد الدفعة الأولى، من أين آتي بالدفعة الأولى 40 ألف والمطلوب 50 ألف. إذا كان العمال يسجلون في السكن الشبابي الآن فلأنهم بمحض إرادتهم يذهبون ويسجلون، أما الآن عندما سكنت في هذا المنزل كنت لا أملك شيئاً وبالتالي لا أملك الدفعة الأولى لتسديدها، وعلى الحكومة إيجاد حل منصف لنا ولعائلاتنا. كيف يحسبون علي قبو ب 60 ألف؟ فليأخذوا القبو ويعطوني 20 ألف لتكون الدفعة الأولى للمنزل».
نبيل: «نحن لسنا مضطرين لتغطية سرقات الآخرين، فالجميع من مهندسين ومساعدي مهندسين كانوا يركبون السيارات، وجميع نفقاتهم حمِّلت على منازلنا، وتم مكافأة الذين كانوا يعملون في هذا المشروع، وهذه السرقات المستمرة والتي كانت من متعهد لمتعهد لمتعهد جميعها تكاليف إضافية سترهقنا نحن العمال، وهنا أجد من الضروري إعادة تشكيل لجنة لتخمين البيوت من جديد، لأن السعر الحالي الذي يتحدثون عنه لا يتناسب أبداً مع واقع المنازل الموجودة، ولا أدري لماذا حمّلت كل هذه المصاريف الإضافية التي يمكن أن تحمّل مثلاً على البلديات.»
أي خضار نأكل وأي مروج نريد
فمطالبنا بجزء من مياه الصرف الصحي مثلاً أي المياه المعالجة من أجل ري الحدائق والأشجار حول المدينة العمالية، لم تلق آذاناً صاغية والوفود التي جاءت من المحافظ والبلدية والحكومة استخفت بعقل السكان والنقابات، وادعوا بأن هذه المياه غير صالحة لسقاية المروج وأن الأطفال إن لعبوا على المروج المسقية بهذه المياه قد يصابون بأمراض، مع العلم أن نفس تلك المياه وبالتحديد 5000 م 3 منها وقبل المعالجة تباع سراً إلى الفلاحين في الغوطة لسقاية المزروعات والخضار التي نأكلها فأي خضار نأكل وأي مروج نريد. هذا إذا لم نذكر السبعة ملايين طن التي ينتجها كل خط إنتاج في معمل الاسمنت إن الغبار الناتج عن المعمل يغطي السماء بسحابة سامة تخنقنا نحن وأولادنا.»
جئنا للسكن وليس للتجارة
شفيق أبو كنان: «أعتقد بأننا جميعا متفقون ألا يتجاوز سعر المتر المربع عن 2600ليرة سورية لكن ما نجده الآن هو تقدير مختلف، وقد يصل حتى 4000 ليرة سورية علماً أن أسعار التكلفة للمنزل في سورية سواء للقطاع الخاص أو العام لا تتجاوز 1600 ليرة للمتر، فكيف تقدر منازلنا التي تفتقر إلى أدنى شروط المنزل العادي، بغير ذلك، نحن جئنا هنا للسكن وليس للتجارة كما يتوهم البعض، نحن بحاجة إلى حل مقبول ومنصف لجميع هؤلاء العمال القاطنين في هذه المدينة وأسرهم».
عامل كبير في السن: «كأن هذه البيوت من مخلفات الحرب كنت أتمنى لو تم تصوير الأبنية الهالكة في المدينة.
هناك منازل عديدة ليست لها أبواب ولا شبابيك وكأنها مهجورة، فالعديد من العمال بدخلهم المحدود جداً لا يستطيعون إجراء تحسينات على منازلهم، فكيف سيدفعون مئات الآلاف لأجل التمليك؟ لست ضد التمليك أبدا، لكني لا أتحمل أبدا أن أدفع من راتبي كل هذه المبالغ ولمدة 25عاماً».
شو جبرك على المر
عاصم: «نحن لم نسكن هنا إلا تحت ضغط الحاجة، ولا أحد يسكن بإرادته وسط هذه المنطقة الملوثة بيئياً، هناك أمراض عديدة كالربو المزمن وغيره، فهي مدينة محاطة بالسموم من كل الجهات لكن شو جبرك على المر؟ الأمر منه، ونعيش هنا مغامرين بصحتنا وصحة أولادنا، وكيف ندفع هذه المبالغ التي قدرت لمنازلنا وبهذه الشروط الصعبة، نحن هنا نبعد عن دمشق 35 كيلومتراً وبإمكان أي شخص منا أن يحصل على منزل أفضل وأقرب لدمشق وبأقل من هذه الشروط، وهنا نشعر كأنهم أعطونا هذا المكسب وندموا عليه. هل من المعقول أن يدفع العامل مليون ليرة على كتلة اسمنت مسلح، وكأنه في قلب أبو رمانة، ولو بقي الوضع كما قالوا لنا من البداية أي أن الأسعار والتخمينات ستتراوح بين 350 ألف و400 ألف دون فوائد إضافية ومركبة، كان يمكن أن تصبح الأمور أفضل أما بقدرة قادر تصل هذه المبالغ إلى المليون فهذا مستحيل، وأعتقد بأنهم يطبقون قوانين الجمعيات الخاصة علينا بامتياز، وهنا لا سبيل للاعتراض فنحن أمام مرسوم رئاسي، لكن للأسف الجهات المعنية لا تقوم بتنفيذه بمعناه المقصود والصحيح وبالتالي نحن أصبحنا في خانة اليك».
كيف نعيش أنا وأسرتي؟
محمد «لقد تم تقدير منزلي ب600 ألف وسيصل حتى المليون، ومطلوب مني دفعة أولى 60 ألف وأقساط شهريـــة 3200 ليرة سورية وراتبي 5052 ليرة سورية فكيف نعيش أنا وأسرتي؟ لا أجد حلا لهذه المشكلة أتمنى أن أبقى كمستأجر أفضل ليش».
ويقول أحد العمال بأن مؤسسة الإسكان قامت ببيع محلات تجارية في المدينة بـ 700 ألف ليرة سورية والمؤسسة تتحدث عن تحميلنا جميع الخدمات الموجودة
يحق لنا أن نعيش بكرامة
أبو آلان: «لماذا المؤسسة مصرة على أن تحِّملنا جميع المصاريف الإضافية، مع الفوائد المركبة لعدة سنوات، لماذا كل هذه الشروط؟، والأموال التي صرفت على هذه المباني معروفة لدى الجميع بأنها من صندوق الدين العام، أي لا فوائد عليها، لا نريد أكثر من حقنا، فنحن جميعا خدمنا وطننا بشرف، ويحق لنا أن نعيش بكرامة وما نريد هو إنصافنا.
لعبة سماسرة السوق
وهناك سوء في تنفيذ جميع الخدمات فمنذ فترة كاد تسرب المياه من أحد الطوابق من مفاتيح الكهرباء أن يقضي على حياة أحد أطفالنا، أصبحنا نخاف من لعبة سماسرة السوق من تجار العقارات لشراء المنازل بقصد التجارة وذلك لاستغلال بعض القاطنين».
ضغوط على العمال
أبو ياسر: «تأمين المسكن من المتطلبات الأساسية لراحة العامل، إن العمل بالنظام الداخلي للسكن العمالي كان يؤمن السكن للعامل بسعر التكلفة، أما بعد تشكيل اللجنة العليا للسكن العمالي، أصبح النظام المعمول به استثمارياً، والآن أصبحت المؤسسة العامة للإسكان هي الحَكَم، وفي حالتنا في مدينة عدرا العمالية، وضعت سعر التكلفة جانباً، وهناك سؤال برسم الاتحاد العام لنقابات العمال: لماذا لا يساعدنا في تمليك مساكننا لنا دون شروط تعجيزية؟.
هناك ضغوط على العمال فهم يقولون إن لم توقعوا العقود حتى 2004/6/25 راحت عليكم، هذا ما صرح به جماعة الإشراف بعد مراجعة العمال لهم بخصوص العقود، فيقول المهندس بديع عليكم أن توقعوا وتقنعوا باقي زملائكم، وهناك العديد من العمال قد يذهبون للتوقيع، وبالتالي سيبلغ سنجقدار الحكومة بأن الإقبال على التوقيع ممتاز، وهناك ازدحام شديد وبالتالي يغرر بالناس، ولكن العمال ذهبوا لتثبيت حقهم بالتمليك فقط وليس للدفع، ونحن قدمنا اعتراضات شخصية وثبتنا حقنا في الاعتراض لدى مؤسسة الإسكان وسجلت الاعتراضات في ديوان المؤسسة».
كيف كانت اللجان تقبل
أبو يارا: «الإكساء كله تعهدات من أشخاص لأشخاص، وبالتالي السرقة والتلاعب كانت في جميع المواد من بلاط وكهرباء وصرف صحي ومجارير ودهان وخلاطات وجميع البياضات وأبواب وشبابيك وغيره، فجميعها من أردأ وأسوأ الأنواع، والأغلبية قاموا بالتصليح قبل السكن.
وأسأل لمَ لمْ تشجر المنطقة لحمايتنا من التلوث وخاصة أن التلوث في المنطقة مخيف جداً.
أسأل كيف كانت اللجان تقبل باستلام المنازل من المتعهدين وهي على هذا السوء؟».
أعتقد أن إنصاف العمال يأتي أولا بترك الخيار لهم مفتوحاً إما بالتمليك أو بالبقاء كمستأجرين وإلغاء نمطي الخيار الذيْن فرضا عليهم أي إما التمليك أو الإخلاء لأن مكاسب العمال التي كسبوها بنضالهم وتعبهم وبنائهم لهذا الوطن لا يجب التراجع عنها بهذه السهولة.
هذا بالإضافة إلى كل تفاصيل تطبيق عملية التمليك المعقدة والمحجفة.
كيف لهذه المحنة أن تستمر هكذا وعمالنا منذ سنتين يطرقون الباب تلو الباب لإيجاد حل مناسب لهذه المشكلة التي تعتبر مصيرية بالنسبة لهم، فالجميع في هذه المدينة العمالية يجمعهم قاسم مشترك واحد، هو عدم التنازل عن حقهم في امتلاك منازلهم، وتصعيد جميع أشكال التعبير في سبيل الوصول إلى الحل المقبول والمنصف لهم ولأسرهم، وذلك خطوة بخطوة، ولم يبق كبير أو طفل في هذه المدينة السكنية إلا ويتحدث يوميا عن هذا الموضوع، فهو حديث الساعة لجميع الساكنين، والجميع يترقبون وينتظرون بأن تصبح بيوتهم ملكا لهم بشروط يقبلها العقل والمنطق.
■ إبراهيم نمر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.