نحو فقر جماعي سوري الحكومة تحذر.. وعلى الأرض السوريون إلى الفقر.. سِرْ؟

أخيراً تطلق الحكومة السورية تحذيراتها بشأننا، وتتوقع لنا ما نعيشه، وهي في هذه اللحظة التاريخية تضع إصبعها الكبيرة على جرحنا الواسع، ولكن كالعادة نظرياً كونها حتى تاريخه لم تستطع أن تتجاوز سقفها في إطلاق التحذيرات، ووضع الدراسات، وتشكيل اللجان، ولجان اللجان، والتهديد باليد الخشبية التي ستقمع المخالفين والمحتكرين والفاسدين.
الحكومة على ما يبدو تبدو جادة هذه المرة في الإيعاز لوزاراتها بأن تعي المرحلة الحرجة التي يعيشها اقتصادنا، والمواطن الذي يعتاش على الغلاء والفساد والاحتكار، ويمسك قلبه خشية الانضمام إلى قوافل الجياع.
الحكومة وجهت كتاباً إلى وزرائها تحذر من (فقر جماعي) سيداهمنا إذا لم تستكمل عملية الإصلاح الاقتصادي، وتقوم بتطوير السياسات الاجتماعية.

 استكمالات إصلاحية؟
الحكومة كما جاء في كتابها أنها وجهته بناء على ما تقدمت به اللجنة المختصة والمكلفة من قبلها من مقترحات حول تحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي في سورية.
ضرورة استكمال عملية الإصلاح الاقتصادي، وهذا يعني أنها بدأته وتنوي استكماله فيما يبدو الواقع مترهلاً وبحاجة إلى معجزة حكومية تقفز فوق العثرات الواسعة التي لن تتخطاها بخطوات ضيقة.
في الإصلاح الاقتصادي فشلت الحكومة في السنة الأخيرة (عمر الأزمة) في وقف الغلاء المتصاعد مقابل الرواتب الثابتة لموظفيها، وهذا عدا عن ارتفاعات شاهقة لنسب البطالة، وتهالك شركات القطاع العام، والتداعي في بنية القطاع الخاص.
المواطنون وهم المعنيون الحقيقيون بما تريده الحكومة  لا يجدون في هذه التحذيرات أي معنى يمسهم على أرض الواقع.
أبو كمال موظف تأمينات: الرواتب على ما هي عليه منذ زمن والحكومة لا تنظر إلى السوق الذي يأكل الأخضر واليابس، وفقط تنظر عن استعدادها لضرب الفساد بينما المواطن يكتوي بجمره.
أبو الياس زميله في المكتب: بالتصريحات والتحذيرات لا نشتري الخبز، وهل يعرف رئيس الحكومة أننا نشتري الفليفلة البلدية بالأوقية.

دور الدولة
من المقترحات التي توصلت إليها اللجنة صاحبة الاقتراحات ضرورة ممارسة الدولة دورها في توجيه النشاط الاقتصادي.
هذا يعني أن الدولة لا تمارس دورها على الأقل بالكامل، وهذا يؤكد ما ذهب إليه أغلب العاملين في حقل الاقتصاد السوري من انتقادات لتقاعس الحكومة في أداء ما يترتب عليها من التزامات تخولها من ضبط السوق، وفرض أمان للمواطن البسيط يشعره بأن الدولة لم تتخلَ عنه عندما فردت جناحيها للتجار المحتكرين، وحيتان الانفتاح.
لم تمارس الدولة دورها في إشعار المواطن بأنه محاط برعاية قوة اختارها بطواعية لتضمن له أن يعيش بكرامة، ودون أن يلتمس عملاً إضافياً، أو يمد الموظف يده لرشوة أو سرقة، أو يدوس على تقاليد الوظيفة وشرفها من أجل قسط مدرسة أو جامعة، أو فاتورة مشفى.
فشلت الدولة خلال خطتين خمسيتين  في بلورة اقتصاد السوق الاجتماعي، وهاهي تعيد من خلال تقرير لجنتها الكرة إلى ملعبها هي وحدها في ضرورة استكمال إصلاحاتها الاقتصادية، وتطوير سياساتها الاجتماعية.
المواطن السوري وبعد تجربة السوق المفتوحة صار عارياً من كل حماية، والدولة التي اعتاد منها العطاء والرعاية أعلنت عن فطامه فجأة، وبالتالي خرج من دفء الدولة إلى بردها، وعزز وحدته تغول القوى المحتكرة، والتي لم تستطع الدولة - وحتى  عندما استنجدت بمؤسسات تدخلها – إيقافها عن أكله.
قوة الخاص
التوجيهات الحكومية التي حملها التحذير نصت على ضرورة تقوية القطاع الخاص، والسعي لتطوير مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني بحيث يقل الاعتماد على قيمة الموارد النفطية.
ليس اعترافاً بأن النفط ما عاد يسد عجوزات الموازنة، ولم يعد الاعتماد عليه أساسياً في انتشال الاقتصاد السوري، وضرورة الانتباه إلى القطاع الخاص، ومنحه دوراً رئيساً في المساهمة الفعالة في ردم هذه الهوة، وهنا يجب التنويه إلى أن الدولة لم تقصر في تشريع ما يمكن أن يساعد هذا القطاع على المساهمة في الاقتصاد الوطني، وقد عمل في السنوات الأخيرة على تقديم تجارب ناجحة في مجالات عدة كالصناعات الغذائية، ولكنها في الوقت نفسه وعبر سياسة فتح الأسواق بشكل غير مدروس أضرت بصناعات وطنية رائدة، واستبدلتها بمثيلاتها المستوردة، وقدمت بذلك أوراق اعتماد الأجنبي على حساب المحلي، وحرمته من القدرة على المنافسة من خلال رفع الدعم عن مفردات إنتاجه.
الورش الصغيرة أولى ضحايا المستوردات الصينية والتركية، وكثير من العائلات لم تعد تأكل ما اعتادت عليه بسبب خروج رب الأسرة من عمله، وبحثه عن وظيفة في الشارع ربما تعود عليه بفارق الغلاء لا أكثر.
مروان تحول من ورشة الخياطة إلى العمل في محل ألبسة، ويتحدث عن فوائد ما كان ليحصل عليها لو استمر في النضال في ورشته التي لم يعد قادراً على دفع أجور عامليها الصغار من على رأيه (ينظفون الورشة)، وكانت البداية تقليص عددهم، ثم تقليص أجورهم.
الأسباب يعددها مروان بارتفاع سعر الخيط، ومنافسة البضائع التركية والصينية ، وتحول أغلب الصناعيين إلى تجار شنطة.
ماهر ورث عن أبيه مطبعة صغيرة لكنها كانت تجعل العائلة هانئة، ولكن بعد وفاة والده بدأت تتعثر، والسبب كما يقول عدا عن عداوة أهل الكار، وعدم الخبرة في إدارتها غلاء الورق والحبر، والأجور المرتفعة لليد الخبيرة، ومنافسة المطابع الالكترونية الحديثة، وقلة الطلب على الطباعة في الآونة الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والنتيجة ماهر يعمل في مطبعة صغيرة، ويتقاضى أجراً شهرياً.
 
خارج الرعاية السياسية
دعت اللجنة إلى العمل على بناء قطاع خاص ديناميكي وفعال يعمل خارج إطار الرعاية السياسية والحيلولة دون تحول الإصلاح الاقتصادي إلى فقر جماعي.
تبدو اللجنة كمن يسقط الراعي الإيديولوجي عن اقتصاد مغلق لعقود، وقد عمل على تعزيز مصطلحات مثل الاشتراكية، والتي أسقطتها الدولة منذ العام 2005 عندما سمحت لمرور ما يسمى (السوق الاجتماعي)، وهذا ما أدى إلى انتكاسات كبرى أضرت بالمواطن وبالاقتصاد.
الآن.. ترى اللجنة أن يتم العمل بشكل جدي  لتحديد الحاجات المستقبلية في ضوء تزايد السكان، والإسراع في تشكيل مخزون استراتيجي من المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والسكر والرز والبرغل والزيوت والسمون وحليب الأطفال وغيرها من الحاجات الضرورية، بالإضافة إلى الإسراع في تشكيل مخزون كاف من المحروقات والإطارات مع أهمية النظر في إضافة بند جديد إلى متطلبات دعم الصادرات المحصور حالياً بالصناعات النسيجية، وزيت الزيتون، والصناعات الغذائية.
 
التدخل الإيجابي
لم تنس المقترحات بند تفعيل التدخل الإيجابي للدولة في ضبط الأسعار وربطها بالأجور، وهذا ما يلمسه المواطن العادي من تركه وحيداً أمام قوة التاجر الكبير وصولاً إلى بائع المفرق الذي يتحكم على هواه بما هو محكوم به.
التاجر لا رقيب عليه، ولا أحد يستطيع منعه من تحديد السعر الذي يريد بعد أن تركت الحكومة لها فقط دور الرقابة وعدم التدخل، وعندما تحدثت عن تدخلها في الأزمات تدخلت فقط لإنقاذ سلع بعينها، وتركت في أحيان كثيرة سلعاً ذات أهمية أكبر بيد التاجر.
تتحدث الحكومة عن مؤسساتها المتدخلة بسياراتها التي تجوب البلاد بالعرض والطول فيما تزداد شكوى المواطن، وحتى منافذ هذه المؤسسات تحولت إلى دكاكين لا تختلف عن السوبرماركات في شيء سوى في يافطاتها.
 
في السلع المتشابهة
توجيهات اللجنة الحكومية تؤكد مرة أخرى على إخفاقات الدولة الحمائية، وتؤكد على إيقاف الاستيراد السلع التي يتوفر مثيل لها من المنتجات المحلية.
صاحب محل: حتى البسكويت المحلي خلقوا له بديلاً تركياً، والرفوف التي تشغل المحلات الكبرى بالكاد تلمح فيها منتجاً وطنياً.
أبو أحمد (خياط): لم يعد أحد يشتري قماشاً وطنياً ويفصّله، والجميع اليوم يتحدث عن قطعة تركية أو صينية أرخص حتى لو كانت أقل جودة، والمنتج الوطني خسر دعمه من الداخل وليس من الخارج.
السوق السورية محشوة ببضائع صينية ليست أفضل من المنتج الوطني، ولكنها مدعومة برخص اليد العاملة وتدخل الدولة الحقيقي، وسياسة اقتصادية واسعة الطيف.
 
اقتصاد الظل..ينمو
 تعود اللجنة في اقتراحاتها إلى ضرورة أن تسعى الحكومة ممثلة بالوزارات المعنية بشكل جدي لتنظيم قطاع العمل غير المنظم (اقتصاد الظل).
على الأرض كيف ستنظم الحكومة اقتصاد الظل الذي بات سمة الاقتصاد السوري في غالبه، ويتنامى هذا الاقتصاد في ضوء السياسات الخاطئة والبطالة بشقيها الحقيقي والمقنع.
المراقب الذي يتجول في أسواق العاصمة يلحظ بدون جهد كيف تحولت المحلات المستقرة التي كانت تدفع لإزالة البسطات والباعة الجوالين من أمام انتظامها الراقي، وكيف أنهم في أوقات عصيبة أخرجوا بضائعهم إلى الشارع، واستعاروا لغته و(شقيعته) لاجتذاب الزبون الباحث عن قطعة يتحملها دخله المحدود.
 
الاحتكار= غياب الحكومة
من بين المقترحات أيضاً  ضمان المنافسة العادلة للسلع ومنع الاحتكار..وهذا ما يتطلب تدخلاً قوياً للدولة يعيد لها هيبتها التي خالطها بعض التشكيك، وبدوره أدى إلى تحد من بعض من تركوا على هواهم، واعتقدوا فيما اعتقدوا أنهم أقوى من الحكومة في تسيير اقتصاد صار بين أيديهم طيعاً.             

■■



من تقرير اللجنة
 
إعادة ربط الاستيراد بقطع التصدير كما كان عليه الأمر سابقاً مع المتابعة المستمرة لأحوال السوق لمنع أي اختناقات أو أزمات في الأسواق المحلية مع التشديد على عدم تمويل المستوردات غير الضرورية حفاظاً على القطع الأجنبي، واعتماد نهج للتجارة الخارجية يكون غير قابل للتعديل أو التبديل إلا بحدود زيادة حصيلة القطع الأجنبي، والعمل على وضع سياسة تجارية متطورة لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير وتقديم التسهيلات اللازمة للمصدرين لتأمين وتوفير القطاع الأجنبي سعياً إلى حماية الإنتاج الوطني من خلال دراسة الاتفاقيات التجارية القائمة، وتطبيق أساليب الحماية من الإغراق والعجز التجاري والمالي عن طريق التطبيق الصحيح لشهادات المنشأ والمواصفات الوطنية، وإمكانية فرض رسوم جمركية عند الحاجة على المستوردات غير الضرورية.