مطبات: سوق الانتخابات

أغلقت اللافتات كل ساحات البلد، وحملت إشارات المرور شعارات المرشحين لمجلس الشعب المنتظر، وأيضاً الأعمدة وجدران الجامعات، وأكشاك بيع الجرائد والدخان، ووصلت الصور إلى أبواب البيوت.
المرشحون الذي يملكون ما يدفع بهم إلى مساحات أكبر، وأمكنة أوسع زينت صورهم الناعمة، وابتساماتهم العريضة لوحات الإعلان الكبيرة، وتصدروا الساحات أعلى من الجميع، وبعضهم نال من وسامته أكثر مما كان يتوقع على يد مصور بارع، وصوب نظراته الآسرة في كل اتجاه.
ليس هذا بالجديد على المواطن السوري الذي أشبعته الشعارات التي لم تتغير، والصور التي تكررت كثيراً على مدار وعيه، والوعود التي نسيها جلّ من وصلوا إلى الكراسي النائمة تحت القبة، وتحول كل هؤلاء في فترات طويلة من عمر البرلمان إلى أقل من معقبي معاملات مدفوعة الثمن، وطالبي وظائف صغيرة.

اليوم وبعد وقت عسير، ووعي جديد، ومواطن جديد يعود الكثيرون إلى خطاب وشعارات تجاوزتها المرحلة، وتجاوزها منطق اللحظة الذي يتطلب عقداً وطنياً جديداً، ولغة جديدة في الوصول إلى الناخب، وصورة جديدة لمرشح لا يبتسم لإغراء المواطن بنظافته الشخصية، أو كمن يؤدي دوراً دعائياً لمبيض أسنان.
(لأول مرة في سورية..صوت المغتربين) شعار صادم لأحد المرشحين، وفي طرف آخر من الساحة العامة مرشح تبرع له أصدقاؤه بكل اللافتات، وآخر رفع كل الكادر الذي يعمل في مسلسله لافتات التأييد والتبريك، وهذا ما أدى لصدور تصريحات من أطراف فنية تبرأت من هذه اللافتات التي أنتجت كما قالوا من دون علمهم.
(سوري وأفتخر) عبارة أخرى وضعت على يافطة مرشح أراد فيما يبدو أن لا يحذو حذو بقية المرشحين، وأراد أن يكون مسايراً لمرحلة الأنا السورية، وأن ينفرد بحالة تدل على فكرته في أن نهتم بسوريتنا، وأن نعلن عن هويتنا المناطقية التي لم تكن تطفو بسبب المد القومي لثقافتنا التي تجذرت عبر سنوات من الضخ الإيديولوجي الذي أقصى وطنيتنا على حساب مشاعرنا العربية.
من الشعارات التي تعود بجمودها، والتي لا تبعث على التجديد، وثبات الرؤية والخطاب (وطن حر وشعب سعيد)، وهنا قد يجد البعض في هذا المجال استهدافاً وهذا ليس المقصود، وهذه الشعارات التي تلصق على جدران البلد في كل حملة انتخابية لا تجد على أرض الواقع مكاناً، وأصحابها ينتبهون فيما بعد إلى أنهم لم ينجزوا سوى الشعار، وهكذا يعودون إلى طرحه في دورة أخرى..وهكذا يمضي الوطن إلى حريته، والمواطن إلى سعادته الافتراضية.

محاربة الفساد، لا للبطالة ولا للفساد، معاً لمحاربة الفساد، العمل حق كل مواطن سوري..شعارات ممجوجة لم يستطع الذين رددوها لأول مرة - عندما كانت هذه المفردات تعتبر جرأة سياسية- تحقيق ما حملوه كأمانة إلى مجلس الشعب، ولم يستطيعوا جلب فاسد، أو محاسبة وزير ثبت أنه أساء لمنصبه، أو حتى لومه.
جديد الانتخابات حتى الآن في موسمها هذا هو استخدام الجوال في إيصال البرنامج الانتخابي مع صورة المرشح وإلى قطاعات شعبية، وشرائح كبيرة، ويمكن حسب هذه الخدمة أن تعرّف الجمهور على البرنامج الانتخابي بمئات الألوف من الرسائل.
البعض ابتعد عن السياسة والبرامج الاقتصادية، ورفع في حملته شعاراً يتقاطع فيه مع الجميع، ويهم الجميع، ولم يوسع شعاره حتى يضيق عليه، ولم يدخل في العموميات التي لا يقع تحتها أي عنوان، وتقع في الوقت نفسه تحتها كل العناوين.. مناهج وطنية وليست مستوردة هو شعار يحمل برنامجاً واضحاً، ويهم الجميع، وقد عانى السوريون في العامين المنصرمين من لعنة المناهج الجديدة التي أجهدت الطالب والعائلة.

أيها الإخوة المرشحون..تعبنا؟