بسبب الفساد.. مخالفات البناء عصية على الحل!
عند كتابة هذا الموضوع تفحصت بعض المواقع الالكترونية فلم أتفاجأ عندما قرأت العناوين التالية : للمرة الثانية:انهيار مبنى مؤلف من 4 طوابق بدير الزور دون وقوع إصابات - مخالفة بناء طابقان والثالث على الطريق بالأشرفية بحلب!! - بناء كامل مخالف بجادة النقب بمخيم اليرموك!! - وأخيرا تذكرت الحكومة العتيدة أن هنالك مخالفات للبناء وتذكرت أن هذه المخالفات مشادة في مناطق نظامية وليست في مناطق العشوائيات وطلبت رئاسة مجلس الوزراء من وزارة الإسكان والتعمير قمع هذه المخالفات وإزالتها - المحلية تدنو من إقرار تسوية لجميع مخالفات البناء - محافظ حلب يشدد قبضته على مسؤولي مخالفات البناء -محافظ القنيطرة: لن نتهاون في قمع مخالفات البناء -محافظ ريف دمشق لا تهاون بمخالفات البناء .
من هذه العناوين يمكن أن يستنتج المرء خطورة مخالفات البناء التي تتم يوميا دون رادع لها وإذا كان قد قيل سابقا « إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا » فإن تجار الأبنية المخالفة لا يهمهم هذا القول إطلاقا بل إنهم يبنون المخالفات وعلى عينك يا « بلدية »، فكل رؤساء البلديات مع بلدياتهم ساهموا بشكل مباشر في هذه الفوضى في مخالفات البناء حتى يمكن اتهام البعض منهم ....بأكثر من ذلك « أي بالخيانة كما أظن »، بهدف استمرار الأزمة الحالية التي يمر بها البلد كما علق أحد المواطنين ويضيف أن استمرار المخالفات هذا ينطبق على عدد من الجهات الحكومية الفاعلة في القرية أو البلدة والوحدة التنظيمية ومدير الناحية وقادة الشعب الأمنية جميعهم مستفيدون والدليل سكوتهم عن المخالفات حتى أنهم يجولون على الإحياء ليس بهدف قمع المخالفات بل بهدف التأكد من ان الحصة التي تلقوها صحيحة وتعادل حجم المخالفات الحاصلة ،هذا إذا كان المخالف مدعوما فإن لم يكن فيجري هدم جزء من مخالفته إن تمكن من رشوة من يقومون بهدمها بحيث تبقى بعد الهدم سهلة الترميم ، أو يجري هدم جزء كبير منها ويصبح ترميمها مكلفا وحينئذ يقع المواطنون في مطب جديد يتمثل في ترك مخلفات الهدم دون ترحيلها مما يترك منظرا سيئا جدا للناظر إليها.
صحيح أن أسباب مخالفات البناء متعددة ومنها عدم توفر الأراضي المنظمة الصالحة للبناء و عدم توفر المخططات التنظيمية التي تطرح العقارات في السوق العقارية وعدم تناسب مساحات البناء المرخص مع سعر الأرض مما يدفع التاجر للمخالفة للاستفادة من أكبر قدر ممكن من الربح إلا أن السبب الأهم هو ضعف الرقابة من الجهات المسؤولة وأهمها البلديات وغياب أية عقوبة رادعة قضائية أو أي تفعيل لدور القضاء الجزائي و القوانين التي صدرت لقمع المخالفات، علماً أنه قد صدر القانون رقم 59 لعام 2003 المتعلق بقمع المخالفات و التوجيه إلى القضاء للتشدد و السرعة في إعطاء القرارات اللازمة لإزالة هذه المخالفات.
إن قمع المخالفات يحتاج أولا وقبل كل شيء إلى إزالة البيئة الحاضنة لها بمعنى إزالة أسباب هذه المشكلة جذريا من خلال تأمين الأراضي الصالحة للبناء و تفعيل المخططات التنظيمية و الإسراع بإنجازها وتخفيض أسعار مواد البناء لكل مواطن ليس لديه منزل ويريد بناءه طبعا وفقا للمخططات التنظيمية لمنطقته وتخفيض الضرائب التي تفرضها الدولة ونقابة المهندسين عليه واعتماد البناء الشاقولي عند عدم توفر الأراضي الكافية أفقيا ومتابعة الدولة للقيام بدورها من أجل تأمين السكن للمواطنين بسعر معقول وبناء أعداد من المساكن تعادل نسبة الزيادة السكانية في سورية من خلال طرح عدة مشاريع مثل السكن الشبابي الذي طرحته المؤسسة العامة للبناء منذ عشرة أعوام ولم ينته حتى الآن ، ومقاضاة و معاقبة ليس صاحب البناء المخالف فقط بل معاقبة من بناه من تجار البناء الفاسدين صغاراً كانوا أم كباراً ، ومقاضاة ومعاقبة المسؤولين في البلدية المعنية التي غضت الطرف قصداً لبناء المخالفة مقابل المعلوم طبعا.
وأخيرا نقول إن خطورة بناء المخالفات لا تأتي من كثرتها وتكرارها يومياً بل تأتي من أن أكثرها يبنى دون إجراء دراسة هندسية معمارية لها ودون تنفيذ ومتابعة المهندس المدني الضروري لتنفيذها مع قيام البلديات بالمشاركة فيها، ولذلك وبسبب الفساد المستشري في الجهات المسؤولة عن هذا الموضوع عادة ما تؤدي إلى أن المخالفات المشيّدة وخصوصاً بسرعة ومدة غير كافية غير نظامية ومعرضة وآيلة للسقوط فيما بعد، وهو أمر ليس بغريب ولا تخلو أية جهة إعلامية من أخبار انهدام بناء أو سقوط بناية وسقوط قتلى وجرحى في ساكنيها وبشكل شبه يومي خصوصا وأن أحد الخبراء يتوقع خلال الأشهر القليلة القادمة سنشهد عدداً من الكوارث الحقيقية نتيجة انهيارات لعدد كبير من هذه الأبنية