فلاحو ترحين.. معاناة مزمنة ومستمرة!

أراضي قرية ترحين وما حولها من القرى الصغيرة كانت في الأصل إقطاعات العائلات التركية تملكتها أثناء الحكم العثماني، وعندما جاء عهد الوحدة وحزب البعث العربي الاشتراكي تم تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي كإنجاز من إنجازات الثورة.. وتم توزيع معظم هذه الأراضي على فلاحي المنطقة الفقراء، هذا مع الإشارة إلى أن بعض هذه الأراضي كانت ملكاً لفلاحين صغار.

وفي السنوات الأخيرة برز على  الساحة سليل العائلة الإقطاعية (أمين يكن) مالكاً لما حفظه له الإصلاح الزراعي من أراض، وعبر علاقات مميزة مع بعض المسؤولين وعلى رأسهم «محمد مصطفى ميرو» الذي كان محافظ حلب آنذاك، قاموا بإبقاء هذه القرى على حالها من التخلف وعدم توسعها سكنياً، رغم تضاعف عدد السكان... ولم يرد أحد على طلبات الفلاحين المتكررة ببناء  مدرسة نظامية بدل المدرسة الطينية ذات الشعبة الواحدة التي تضم 48 تلميذاً، ولا إلى طلبهم بحفر آبار ارتوازية لشرب المياه للتخلص من أزمة مياه الشرب التي تنقل بالصهاريج من بعد 3 كم بجميع الفصول، ولا طلبهم الرعي بالمنقطة (إيكاردا) التي استولى عليها الاقطاعي أمين يكن، وعانينا نحن الفلاحين في المنطقة من جور وظلم كبيرين لم يسبق أن عانت منها أية منطقة في مرحلة ما بعد الثورة، فحتى الرخص النظامية التي نحصل عليها يمنعوننا من تنفيذها نتيجة سلطة ذلك الإقطاعي ومؤازرة بعض المسؤولين في المنقطة له.
ورغم لجوئنا حينها إلى الجهات الوصائية وروابط الفلاحين وشعب الحزب واتحاد الفلاحين ومديرية الزراعة والخدمات الفنية وحتى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش و محافظ حلب وأمين فرع الحزب وأعضاء مجلس الشعب، وحتى بعد طرح قضيتنا في مجلس الشعب لم تنته معاناتنا... بل زادت وتفاقمت إذ قامت عائلة (يكن) ومن وراءها بتدمير مساكننا وجرفها إثر نشر مقال في جريدة تشرين حول الظلم الذي نتعرض إليه.. وأصر الظالمون على ترحيلنا من القرية.. حتى أصبح سكان المناطق المجاورة يسمون قريتنا (ترحيل) بدل (ترحين)على سبيل التندر لنا من مآس.. وشر البلية ما يضحك.
وتم هدم بيوتنا تحت مسمى (ضرورات أمنية) بدءاً من عام 1998 وانتهاء بعام 1999 حيث زرعوا مكان بيوتنا أشجاراً بمناسبة عيد الشجرة... وتم الهدم دون تعويض أو تأمين أي مسكن بديل.
كل ذلك قبل مقتل الإقطاعي أمين يكن... الذي قتل في 16/12/1999.
وبعد مقتل أيمن يكن، قامت الدنيا علينا ولم تقعد، واعتقل كل أهالي القرية شيباً وشباباً نساءً وأطفالاً وصل عددهم إلى /98/ معتقلاً، وعذبوا وأخضعوا للذل والهوان جميعاً، ولم يطلق سراح أي منهم إلا بعد ستة أشهر.. ثم أطلق سراح الباقين على دفعات.. وبقي في النهاية /14/ سجيناً.. خرجوا بعد سبع سنوات (براءة) وحكم فقط على شخص واحد مازال موقوفاً في سجن القرية بعد تنحي محاكم حلب عن رؤية القضية، وحكم أيضاً على أشخاص فارين من وجه العدالة.. وقد توفي اثنان أثناء التوقيف بظروف غامضة.
ورغم صدور قرار البراءة (رقم 1710 اساس 96 لعام 2006) بعد سبع سنوات من الاعتقال، خمسة منهم عرفياً، ورغم كل المعاناة والظلم الذي تعرضنا له.. فوجئنا بقرار من وزير الزراعة والإصلاح الزراعي والذي نطلب إلغاءه لتعارضه مع القانون والعدالة والدستور.
إن المطلوب إلغاء القرار رقم 7080/م.د تاريخ 22/11/2000 الذي قضى بمبادلة أراضٍ عائدة للفلاحين المتظلمين كحق انتفاع إصلاح زراعي في قرية ترحين منطقة الباب إلى قرية صايكول محافظة حلب عين العرب، وكذلك مبادلة أراضي ملك عائدة للمستدعين بمناطق في قرية صايكول المذكورة، كذلك نزع ملكية الأرض الملك في حال عدم موافقة المالكين على المبادلة..
وقد استند قرار الوزير هذا على كتاب السيد وزير الدولة لشؤون رئاسة مجلس الوزراء رقم 3509/ق تاريخ 30/10/2000 المتضمن موافقة رئيس الوزراء آنذاك على موضوع القرار، والذي استند بدوره على كتاب القيادة القطرية رقم 14103/ص تاريخ 23/10/2000 والذي توصى فيه القيادة القطرية بتنفيذ استبدال الأراضي ومصادرتها لأسباب أمنية، والذي صدر نتيجة التعزيز من بعض المسؤولين لأن الأسباب الأمنية لا وجود لها، وكان في ذلك ظلم وجور كبيران بحق فئة كبيرة من المواطنين... لأن اللجنة الأمنية التي أوصت بذلك قد شكلت قبل مقتل المغدور أمين يكن وحين كان محمد مصطفى ميرو محافظ حلب... والذي كان صديقاً حميماً جداً لعائلة يكن الإقطاعيين والتي تسببت في كل ظلاماتنا تلك.
وهكذا كان قرار وزير الزراعة والإصلاح الزراعي مجافياً لكل قوانين الأرض والسماء وللعدالة ومخالفاً للدستور.. حيث أن الأرض الموزعة على الفلاحين لم تعد ملك السلطة لتنزعها أو تصادرها وقتما تشاء وبدون سبب مبرر، عدا أن في الدستور والقانون مواد تحدد حصراً طرق نزع الملكية الفردية أومصاردتها قانوناُ.
إن كل المراجعات لإنصافنا وإعادتنا إلى   أراضينا وقرانا وإنهاء معاناتنا اصطدمت بكتاب القيادة القطرية السابق ذكره ورغم صدور القرار القضائي عن محكمة الجنايات الذي أوضح أن مقتل أمين يكن كان عملاً فردياً وليس جماعياً.. فلم يعد يجوز اللجوء إلى (العقاب الجماعي) بحق الفلاحين الفقراء وعائلاتهم.
وكان أهالي القرية قد رفعوا كتاباً إلى رئيس مجلس الوزراء قالوا فيه« جئنا بظلامتنا هذه إلى سيادتكم لأنكم الموئل الأخير لنا لرفع هذه الظلامة طالبين من معاليكم التوجه بإعادة النظر في كتاب القيادة القطرية المذكور وبالتالي إلغاء قرار وزير الزراعة والإصلاح الزراعي المنوه عنه والإيعاز إلى الإدارات المعنية بإلغاء كل ما ترتب عن ذلك، والأمر بعودة الفلاحين وعائلاهم في قرية ترحين وما حولها إلى ما كانوا عليه وإعادة أملاكهم إليهم تحقيقاً للعدالة ورفعاً للظلم الفادح.
واسمح لنا سيدي بطلب شرف مقابلتكم في أي وقت تريدون لتقديم الإثباتات اللازمة»