رسائل وعرائض قبل أحداث الحسكة: أحزمة الفقر بالقامشلي أعطت إنذارات بما سيحدث قبل الانفجار

في الخامس والعشرين من شهر شباط 2004 وصل إلى جريدة قاسيون تحقيق عن أحزمة الفقر في القامشلي، أي قبيل الأحداث التي شهدتها المنطقة والتي باتت معروفة لدى الجميع بأيام قليلة، تضمن التحقيق سلسلة طويلة من المشاكل التي تعانيها العديد من مناطق المحافظة، بتفاصيلها ووقائعها، منبهاً للوضع الذي لم يعد يحتمل في أحزمة الفقر. وحذر كاتب التحقيق في نهاية المقال من أن الوضع بات حرجاً، وأن «استمرار استهتار المعنيين بالأوضاع المتدهورة ينذر بالكثير..».

عند وصول التحقيق إلى الجريدة، ونتيجة ضغط المواد ارتأت هيئة تحرير «قاسيون»، أن تؤجل التحقيق إلى العدد التالي، لكن الوضع كان قد انفجر، والآن بات نشر هذا التحقيق ضرورة، لتسليط الضوء على مساحة من الأرض السورية، باتت مهملة إلى حد كبير، ولتسليط الضوء بشكل أفضل على ما يعرف اليوم بأحزمة الفقر في المدن، وسيكون هذا التحقيق جزءاً من سلسلة من التحقيقات ستعمل على ملامسة مشاكل أحزمة الفقر بشكل أفضل، وللوقوف على أسباب نشوء هذه المناطق وما يحصل فيها وكيف يعيش السكان فيها مع العلم أن أي مدينة في سورية لا تخلو من أحزمة الفقر التي يتوجب إيجاد حلول لمشاكلها بأسرع وقت ممكن قبل أن تتحول إلى أحزمة جاهزة لتتفجر في أي وقت.

تعريف بأحزمة الفقر

أحزمة الفقر في القامشلي:

باتت الأمراض التي تعاني منها بعض بنى مؤسسات الدولة معروفة لدى الجميع  من بيروقراطية وفساد وروتين وغيرها من الأمراض الشائعة في أجهزة الدولة المختلفة، كما أن ِأسباب هذه الأمراض والتحليلات والمعاينات المرافقة لها باتت معروفة أيضاً، ولا داعي للخوض في غمار تحليلات جديدة في هذا الموضوع. ومن المعروف أن هذه المعضلات راحت تلقي بظلالها على حياة المواطنين عامة وفي كافة المجالات.. إلاّ أن أكثر المتضررين من هذه الأمراض هم الأشخاص الأكثر بؤساً من أبناء شعبنا السوري. ومن هؤلاء قاطنو أحزمة الفقر في مدينة القامشلي التي عانت لفترة طويلة الكثير من المشاكل.. ولن نعرض في تحقيقنا الموجز لكافة القضايا التي تعاني منها المنطقة بل سنوجز في مطالب من المفترض أنها من الحقوق.

حي يتحول إلى مصب للمياه

فمدينة القامشلي تعاني الكثير من مشاكل الخدمات الفنية من صرف صحي وتزفيت للشوارع أو فرش بقايا مقاطع في وضع خطير، هذه الأمور ليست من الكماليات بل باتت في وضع يهدد حياة سكان بعض هذه المناطق، البعض من هذه المطالب قد تحققت،  وما تحقق منها حتى الآن جاء بعد سنوات -بالمعنى الحرفي للكلمة- من المطالبة والعرائض والوساطات، تعرض خلالها أهالي أحياء أحزمة الفقر للتجاهل وعدم الرد والابتزاز وطلب الرشوة في أحيان كثيرة، وغالباً ما كانت النتائج تتجلى في التنفيذ السيىء لهذه المطالب. والذي يهدد حياة القاطنين، إذ أصبحت العديد من المناطق ضمن هذا الحزام مناطق منكوبة. فالمنطقة المسماة مرج حلكو وبسبب انخفاض منسوبها عن بقية الأحياء المحيطة بها فقد تحولت إلى مصب ومركز لتجمع المياه بكل أشكالها، مما أدى إلى تهديم بيت أحد المواطنين وتشريد عائلات أخرى بعد أن غمرت المياه بيوتهم. وهو أمر حذر منه أبناء الحي رئيس البلدية السابق غير مرة، ولم يكن من رئيس البلدية السابق إلاّ أن يقابل معظم طلباتهم بالإهمال والتسويف والتأجيل بدعوى عدم وجود إمكانيات مادية لتغطية تكاليف مثل هذا المشروع،مع العلم أن الحي المذكور يدخل ضمن المخطط التنظيمي للمدينة. 

جاءت استغاثة أبناء الحي قبل أيام أثناء تدفق مياه الأمطار من كل حدب وصوب،  بسبب عدم وجود فتحات لتصريف هذه المياه في أي من الشوارع المحيطة بالحي.. 

وبعد العديد من النداءات ورسائل الاستغاثة، تم الرد علىها متمثلة بحضور مدير منطقة القامشلي ولكن...!!

ماري أنطوانيت والسيد مدير منطقة القامشلي

السيد مدير المنطقة وجد أن المشكلة لا تكمن في تقصير الجهات المسؤولة بل أن المشكلة في الأساس عند أهالي الحي فسأل: كيف تسكنون في هذه المنطقة؟ كيف تستطيعون أن تعيشوا في هذه الأحياء..؟ هل هذه بيوت.؟؟ مذكراً بماري أنطوانيت عندما خرجت من شرفتها وعاتبت المتظاهرين المطالبين بالخبز وسألتهم لماذا لا يأكلون الكاتو.. وهذا يتقاطع مع رأي مدير المنطقة .. فكأن سكان المنطقة تركوا فيلاتهم ومساكنهم الفاخرة التي قدمت لهم كمساكن، واختاروا المجيء إلى أحزمة الفقر كنوع من الترف الفكري. 

فبدل من أن يوجه حديثه إلى رئيس البلدية المرافق له عاتب الضحية مع وعود بأنهم لن يتركوا أبناء الحي في هذا الوضع المزري.. ولكنه لم يفعل شيئاً جديداً حتى تاريخ كتابة المقال.

مجرور قيد التنفيذ على الورق

لا تتوقف المشاكل المرتبطة بالبلدية ومهماتها، ولا ترتبط بمنطقة معينة بل تمتد إلى الكثير من المناطق وليست هذه المشاكل إلا عينة بسيطة عما يحدث، فأهالي الحي الغربي /منطقة القابي/ تقدموا بمعروض لتنفيذ شبكة الصرف الصحي، وطبقاً لنفس السيناريو السابق طال الأمد قبل وبعد الموافقة على إحضار المواد اللازمة للتنفيذ لتؤخذ ثانية إلى جهة غير معلومة ويبقى سؤال أهالي الحي لماذا..؟؟

اختفى المجرور وبقيت مشكلة الصرف الصحي معلقة، ويخشى سكان الحي من أن يكون المجرور قد نفذ على الورق وتم صرف الاعتمادات اللازمة لهذا المشروع.. 

النتائج باتت واضحة وهذه هي الأسباب

تعاني كل مدارس القامشلي من كم هائل من المشاكل والتي يرتبط جزء منها بالجانب التربوي والعلمي، وجزء آخر بالجانب البنائي، فمعظم المدارس وصلت إلى حالة مزرية، فالكثير منها يتسرب من أبوابها الهواء إلى قاعات الصفوف، وبلور النوافذ محطم وبعضها بلا نوافذ، ويتعلل القيمون على هذه المدارس بأنه لا توجد اعتمادات لاصلاحها حيث أن مديرية التربية تصادر كل النقود التي تجمع تحت بند «التعاون والنشاط». 

لتكتمل الصورة مع تخفيض كمية المازوت الممنوح لمدارس المنطقة هذا العام،  والذي يستخدم كما هو معروف لتدفئة الطلاب أثناء الدروس، دون أي مبرر مقنع أو معلن وراء هذا التخفيض، لكن إذا كان المبرر هو تخفيف الهدر والسرقة المكشوفة والمستترة فيجب ألا يكون طلابنا ضحية هذا الشتاء القارس مع العلم أن المنهاج الدراسي يعلم الطلبة أن المنطقة قريبة من منابع بترولية، ومنها يأتي المازوت الذي يتدفؤون عليه. 

أحد أحياء شمال قدور بك في مدينة القامشلي دون مدرسة حتى تاريخ كتابة المقال مع العلم أنه منذ سنة تم تخصيص الموقع من قبل الخدمات الفنية والبلدية ولم يتم المباشرة بالعمل. وأطفال الحي المعني يضطرون إلى السير على الأقدام مسافة طويلة حتى يصلوا إلى مدرسة تقع في حي آخر. 

سوء التخطيط أم تخطيط السوء

أعلنت وزارة التربية مؤخراً عن نتائج آخر مسابقة للمدرسين،  والتي تقدم لها ما يقارب 1000 ممن تتوافر لديهم الشروط. لم يتم قبول إلاّ 400 اسم فقط من المتقدمين، إلى هنا كان الأمر ضمن إطار المعقول لكن أن المفاجأة جاءت عندما تم استقدام ما يقارب 500 مدرس من خارج المحافظة ليعملوا على التدريس فيها.. مما يترك الكثير من الأسئلة لدى سكان المنطقة.. أليس منطقياً أن تكون أولوية التوظيف والقبول لأبناء المحافظة .. وتتضح الصورة بشكل أفضل عندما ترشح معلومات أن أسباب رفض قبول البعض بعد هذه المسابقة كان لأسباب تتعلق بـ(مقتضيات المصلحة الوطنية) التي يتم تحديدها من قبل قلة من الأشخاص الذين يوزعون شهادات بذلك.

الزراعة.. غيض من فيض

وتمتد المشاكل في المحافظة على أكثر من مجال. ففي مجال الزراعة تتراكم أيضاً المشاكل لكن بإصرار. فحتى تاريخ كتابة هذا المقال لم يتم توزيع المبيدات على الفلاحين مع العلم أن ثمنها يقتطع من فواتير الفلاحين في كل موسم زراعي، ليلقى السماد المصير نفسه،  والحق يقال أن الأسمدة متوفرة، لكن هذه الوفرة في السوق السوداء فقط مع العلم أن الفلاح يعاني الأمرين في الحصول على هذه المادة الحيوية بشكل نظامي والفارق بين سعر كل من السوقين هو 300 ليرة سورية فقط، لصالح السوق السوداء.

وإلى الآن لا يملك أغلبية الفلاحين في محافظة الحسكة سندات تمليك بالأرض التي يعملون بها، مع العلم أنهم ورثوها أباً عن جد، مع العلم أن ما يسمى بفلاحي الغمر المستقدمين منذ عقود فقط حصلوا عليها..

وكيف ستصل الشكاوى إن كانت هناك مشاكل في الاتصالات:

في مدينة القامشلي مركزان للهاتف وتكلفة تركيب خط هاتفي مباشر في المركز الأول 5900 ل.س وفي المركز الثاني 7900 ل.س وذلك دون أي مبرر فني أو تقني.

رسم التسجيل في العلب البريدية في جميع مناطق القطر 200 ل.س إلاّ في منطقة القامشلي 800 ل. س وذلك بناءً على قرار خاص بذلك.

 

إلى هنا ينتهي التحقيق، ويبقى السؤال مطروحاً، من المسؤول، ليرتبط بأسئلة من نوع ما الذي يخلق الغوغاء والمهمشين، من يملأ رحم الوطن بكل ذلك.