البيروقراطية والروتين وعذابات المواطنين

كانت البيروقراطية أو الدواوينية ومازالت تشكل سمة للدولة نشأت مع نشوء الدولة الحديثة المعززة بجيش ضخم من الموظفين ورجال الإدارة ذوي الاختصاص بالمهام الموكلة إليهم، أو سياسيين، كانوا شريحة مؤثرة ذات نفوذ في الدولة وقراراتها السياسية، وإذا ألقينا نظرة فاحصة على عمل الحكومات اليوم فإننا وبسهولة نرى مفاعيل البيروقراطية  دون عناء يذكر، فإذا كانت فيها بعض الإيجابيات إلا أنها لا تخلو من السلبيات العديدة أيضا، والتي من أهمها إهمالها للجانب الإنساني في التعامل مع الموظف أو العامل وتعامل هذا الموظف والعامل مع المواطنين والمراجعين لدوائر الدولة لانجاز معاملة ما ،وتركز السلطة على فئة قليلة من المستويات العليا، و تقتل الروح الإبداعية والتجديد وروح المبادرة ، وغير قادرة على تصحيح سلوكها عن طريق إدراك ألأخطاء السابقة، إذ أن القواعد التي تعتمد عليها البيروقراطية غالبا ما يستخدمها الأفراد لتحقيق أغراضهم الشخصية أضف إلى كل ذلك البطء في اتخاذ القرارات والعزوف عن اللجوء إلى التجارب، كما يتحول أعضاء (البيروقراطية) إلى طائفة تحتكر العمل الحكومي من أجل مصلحتها الخاصة، ويتحول عملها إلى غاية في حد ذاته.

إن هذه الظاهرة المقيتة  السائدة في دوائر الدولة المختلفة تجعل من قيام المواطن بمراجعة أية دائرة من دوائر الدولة عقوبة له وتخلق له عذابات لها أول وليس لها آخر، وكمثال عليها أن العديد من الرفاق والأصدقاء كانوا بحاجة لاستصدار ورقة لا حكم عليه وقيد نفوس فردي و سند إقامة، وإذا كان أي مسؤول قادرا على الحصول عليها عبر مكالمة تلفونية، فإن المواطن كي يحصل على ورقة لا حكم عليه أن يحضر بنفسه حتى ولو كان مريضا، فهذه الورقة لا تعطى إلا باليد لصاحب العلاقة حصريا حتى لو أرسل ابنه أو ابنته ، شقيقه أو شقيقته، وحتى رفيقة عمره ( زوجته )، هذا فضلا عن الساعات التي عليه أن يقضيها في ذهابه ومجيئه ،في حين أن ورقة قيد النفوس الفردي تعطى لابن وإخوة وزوجة طالب القيد، لكن المشكلة هنا أن الموظفين أو الموظفات المكلفين بمنح القيد يفتقد البعض منهم من الحد الأدنى من المسؤولية في تعامله مع المواطنين، فيعطيه الورقة ناقصة وغير مكتملة ولو دقق قليلا لما وقع بمثل هذه الأخطاء، ومنها أن قيد النفوس الفردي يحتاج أحيانا إلى كتابة عبارة أن طالب الورقة عربي سوري منذ أكثر من عشر سنوات، لكن البعض يجعلها أكثر من خمسة عشر عاما وهذا يشكل لزوم مالا يلزم ،والآخرون لقلة الاهتمام والاحترام للمواطن يعتبرونه عربيا سوريا لأكثر من خمس سنوات، مما يجعله يعود مرة ثانية لتصحيح الخلل الموجود في القيد وهذه الأخطاء لا ترتكب لجهل الموظف بالقانون أو غباء أو تجاهل له، بل تأتي من حقيقة أن القانون شيء والتعامل مع المواطنين شيء آخر، فهم بسبب البيروقراطية مبرمجون على هذا الأساس، وليس على المواطنين سوى الإذعان، ثم ألا تحل صورة عن الهوية الشخصية الموجودة مع كل مواطن وعليها أصلا رقمه الوطني محل قيد النفوس الفردي ؟.
أما سند الإقامة فإن مختار المحلة التي فيها خانتك هو المخول بمنحك هذا السند أو عليك مراجعة مختار المحلة التي تقطن فيها للحصول على السند، وبعد ان تحصل عليه عليك أن تذهب إلى مبنى البلدية لتصديقه ووضع الخاتم عليه، وهو إجراء لا معنى له لأن الموظف المختص يوقع عليها ويختمها بشكل روتيني،  وعليك أن تبتسم وتفرح إذا استطعت أن تحصل على السند خلال بضع  ساعات متنقلا بين المختار و البلدية .
فلماذا هذه البيروقراطية المقيتة  والروتين الجامد ولماذا نصر على أن نسعد بمعاناة المواطنين ونخلق لهم عذابات ومعاناة ومضيعة للوقت وللنقود ؟ .وحدث ولا حرج عن المعاملات العقارية والمالية والقضائية والتجارية والصناعية وغيرها من المعاملات التي يضطر فيها المواطن لمراجعة دوائر الدولة للحصول على الأوراق المطلوبة لمعاملته؟. ولكن ماهو الحل الجذري وهل عجز المسؤولون عن إيجاده ويحتاج إلى اختراع كاختراع المحرك البخاري ؟.
لا شك أن الحل يكمن في ما تسمى بالنافذة الواحدة والأصح مركز خدمة المواطن، حيث يتوجه المواطن إلى مركز واحد عند مراجعته لوزارة أو دائرة ما، ومقابل رسم معين يسجل معاملته في مكتب الاستلام التابع لهذه الدائرة ويأخذ رقما وتاريخا لها دون الدخول إلى المبنى، على أن يراجع بعد فترة من الزمن ولتكن أسبوعا للحصول على الأوراق المطلوبة، وهناك معقبون للمعاملات يقومون داخل مبنى الدائرة بمتابعة المعاملة، وهذا يشكل تخفيفا للاستهلاكات في المبنى، وتسهيلا للمواطن في انجاز معاملته، وتصبح العلاقة بينه وبين الدائرة أو المؤسسة وليس بين مواطن وموظف حيث تنشئ التوترات المحتومة بينهما بسبب البيروقراطية والروتين وافتقاد المعاملة الإنسانية في أحيان كثيرة من الموظف تجاه المواطن ،وحرقة المواطن وإلحاحه على الحصول على معاملته بسرعة حيث في كثير من الأحيان ما يقوم بتجاوز دور الآخرين لأجلها، هذا في حال كان الموظف حاضرا، فما بالك لو كان غائبا، كما يمكن ربط المواطن  مع مدير الدائرة عبر مكتب للشكاوى يستطيع من خلالها المراجع بتقديم شكوى للتأخر في انجاز معاملته إن حصل.
وأخيرا لابد من الحديث عن الدور القاصر للمختار حاليا، والذي يمكن تفعيله ليصبح صلة الوصل الحقيقية والجدية بين المواطن وبين الدوائر المسؤولة، كوزارة الداخلية ووزارة الإدارة المحلية والمحافظة، بحيث تكون لدى المختار معلومات أكيدة وموثقة حول المساكن الموجودة في حيه أو قريته وساكنيها، وإلزام المواطنين بوجوب إعلام المختار المختص عند بيع أو شراء مسكن جديد، وبيان  القاطنين فيه ،وهذا يشكل مخزنا للمعلومات يمكن للمختار أن يضخها دوريا إلى الجهات المعنية، بحيث تكون المعلومات متوفرة عند الحاجة إليها، ولن تحتاج السلطة إلى أجهزتها الأمنية للعثور عليها، كما يمكن لمشروع النافذة الواحدة أن يتحول لاحقا لما يسمى بالحكومة الاليكترونية،والتي بدأت بالظهور في عدة بلدان في منطقتنا وهذا فيه حفاظ على كرامة المواطن التي هي غاية ويجب أن نبلغها.