مدراء القطاع العام: فراعنة لأهراماتنا المقلوبة

بعد سنوات من غياب الشكل المؤسساتي الحقيقي عن مختلف قطاعات الدولة بات أي تغيير يجري في هذه القطاعات انقلاباً بين مرحلتين يسعى إلى إثبات نفسه عن طريق إلغاء المرحلة السابقة برمتها. وبات غياب الكادر الحقيقي والذي كان من المفترض أن يتم تأهيله خلال العقود المنصرمة، هَمّاً ترزح تحته مختلف قطاعات الدولة الإدارية، وأصبح هذا الفراغ الذي خلفه غياب الشكل المؤسساتي الحقيقي  الخطر الأكبر على استمرار هذه القطاعات، لا الوظيفي وحسب، بل استمرارها كبنيان أيضاً...

فمن يعين في كرسي ما فذلك ليس لكفاءته الوظيفية أو اجتهاده العملي، بل بسبب علاقات مع جهات أمنية ما، أو علاقات مع قيادات ما، أو ولاءات أخرى باتت معروفة،  ومن هنا تنبع قوة من يملأ هذا الكرسي.  كما أن أي تغيير في المناصب يستدعي تغييراً كاملاً في محيط هذه المناصب، دون النظر أيضاً إلى آليات التغيير أو كيفيته..

من هنا فإن معظم التغيرات التي تحدث في القطاعات الهرمية داخل الوزارات تعاني من الكثير من المشاكل، وليس مايحدث في تأمينات ريف دمشق إلاً مثالاً على حلقة من سلسلة طويلة من مسلسل اسمه الفشل الإداري: (مَلَكِيةُ المنصب).

فقد وصلت إلى هيئة تحرير «قاسيون» مجموعة من الوثائق تحكي قصة طويلة عن سوء استخدام المنصب والذي يبدأ بالاستعلاء والتكبر على المراجعين ولا ينتهي بمجموعة من القرارات غير المسؤولة من تغييرات في إدارات رؤساء الأقسام ونقل تعسفي للكثير من الموظفين، وقبول استقالات نكاية بأشخاص، وإثارة الشكوك بين الموظفين.

وقد فتح تحقيق بشأن الكثير من الشكاوى التي قدمت بحق السيدة مديرة فرع ريف دمشق للتأمينات الاجتماعية، نتيجة لشكوى تقدم بها مواطن بحقها بعد أن تقدم لها  بطلب براءة ذمة من الإدارة المسؤولة عنها، فقابلته مديرة الفرع بشكل فوقي وحسب أقوال المواطن «تفوهت بعبارات بذيئة .. بالسباب والشتائم، وعرقلت أعماله لمدة تزيد عن الشهر، بدون سبب مشروع أو سند بالقانون».

ولم تكن الشكوى التي تقدم بها المواطن آنف الذكر إلاّ القشة التي قسمت ظهر البعير، فانهالت بعدها سيول من الشكاوى بحق المديرة المعنية يوماً بعد يوم.. والتي تبدأ بتأخير أوقات دوام العاملين وجعلهم يستمرون بأعمالهم خارج أوقات الدوام متعللة بأسباب مختلفة.

ليضاف إليها بعد ذلك إطلاقها شائعات عن  مجموعة من الموظفين في الدائرة تربطهم علاقات مع إحدى فروع الأمن كجاسوس من الداخل، وذلك بعد أن تم استدعاء مجموعة من الموظفين واستجوابهم من فرع الأمن الآنف الذكر-بعد أن قامت هي ، فألقت السيدة مديرة فرع…. التأمينات الاجتماعية بالمسؤولية حول ما حدث على أحد الموظفين، -علماً أن الكثيرين يشيرون إلى أنها هي من يقف وراء هذه الاستدعاءات- فكما يفعل من يريد السيطرة على مكان أو مجموعة جديدة اتبعت السيدة المديرة سياسة فرق تسد، بالإضافة إلى أنها زرعت الخوف والشك في قلوب الموظفين، وتابعت عملها بأن أخبرت موظفيها «أن هناك الكثير من المخبرين في هذا الفرع ولم تكتف بذلك بل سمت اسم أحد الأشخاص مما أدى إلى تغير نظرة زملاء الموظف المعني له»، متحاشينه، وزادت من حجم الإشاعة، بتكليفها مجموعة من المحيطين بها بتهويل الأمر، مما أضر بالموظف المذكور ضرراً كبيراً، ولم تكتف بذلك بل قامت بمعاقبة الموظف المذكور ونقلته من مركزه، وعندما سألها عن السبب وراء ذلك أجابته أنها لن تكتفي بذلك بل ستسرحه، ثم قامت بتعيينه شكلياً في دائرة المشتريات وأمرته بأن يوقع على الأوراق شكلياً...

لم تكتف السيدة المديرة بذلك بل تعدت صلاحياتها إلى أبعد حد كمديرة لفرع في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وطلبت من موظفة كانت رئيسة لدائرة الشؤون الإدارية أن تقوم بتعديل الدوام في شهر رمضان من الساعة التاسعة إلى الساعة الثامنة ، علماً أن الموظفة المذكورة حاولت أن توضح لها أن دوام الموظفين في شهر رمضان قد تم تحديده من قبل رئاسة مجلس الوزراء ببلاغ رسمي، إلاّ أن المديرة رفضت ذلك دون أي حامل قانوني.

لقد قامت هذه المديرة بحصر كافة أمور الفرع بيدها على الرغم من أنها لا تمتلك الخبرة اللازمة في مجال عمل التأمينات الاجتماعية، مما أدى إلى تأخير الكثير من أعمال هذه المؤسسة، وعمدت إلى تطفيش عدد كبير من الموظفين من مراكزهم، ونقل البعض من مكان إلى آخر كما تنقل أحجار الشطرنج دون دراية أو علم بما ستؤدي هذه التنقلات، مما أدى إلى فراغ الكثير من الدوائر من موظفيها الأكفاء حتى أن بعض الأقسام بقيت دون موظفين كما حصل مع دائرة التعويضات، فلم يبق أي شخص ليسيِّر أمورها عندما قبلت استقالة الموظف الأخير في الشعبة والذي هرب من المنغصات التي يتعرض لها، مما أدى إلى إغلاق الشعبة.

وتابعت السيدة المديرة معاملتها الفوقية مع المراجعين الذين يصطفون في طوابير أمام مكتبها انتظاراً لتوقيع أوراقها التي استكملت الشروط القانونية ولا شيء يحول دون تسييرها.

وأخيراً وليس آخراً انتهت الشكاوى الموجهة بحق المديرة المذكورة بشكل كلاسيكي للغاية بالنسبة لمشاكل ومعيبات الإدارة في بلدنا، من سوء استغلال المنصب والتي تنحصر في استخدام السيارة خارج أوقات الدوام، وصرف قسائم بنزين في غير محلها، والأهم توظيف أخيها في الدائرة كعامل تنظيف، بالرغم من أنه  يعمل سائقاً شخصياً لها خارج أوقات الدوام.......

أشارت معظم الشكاوى الموجهة بحق السيدة مديرة الفرع إلىغياب الخبرة والمسؤولية، وجهلها بأبسط أمور القوانين المتعلة بالمديرية، والآليات التي يُسير المكان وفقها، وتتهم الكثير من الموظفين بالتبعية للمدير القديم، وعدم تعاونها مع الموظفين أو المدراء المحيطين بها وتلفظها بالكثير من الألفاظ المهينة دون تمييز بين موظف أو رئيس قسم أو حتى ساعي بسبب وبدون سبب... ربما انتهت القصة ولكننا لا نضع الذنب على السيدة مديرة الفرع فهي لم تضع نفسها بخيارها في هذا المنصب.. بل علينا أن نسأل عن الآليات والسبل التي أدت إلى وصول شخص كهذا إلى أي منصب.

 

نحن لا نستغرب إن كان قراؤنا يشعرون بأنهم قد سمعوا هذه القصة من قبل، فهذه القصة تكررت في عدة أمكنة قبلاً دون أن تنشر، فنحن ما زلنا نذكر كيف أن إحدى المسؤولات قامت بزج أخيها في السجن بعد خلاف نشأ بينهما وكادت أن تفصله من منصبه على الرغم من أنه يعمل في وزارة خارج نطاق نفوذها، ولا نزال نذكر كيف أنه بعد أن استلم أحد المدراء الجدد منصبه في أحد المعاهد قام بتغيير الطاقم المحيط به كاملاً لا السكرتارية فحسب بل كافة رؤساء الأقسام/ والمدراء المحيطين به متعللاً بأن هؤلاء موالون للمدير السابق وأنه لا يثق به وهم يدعون إلى التخريب، ولا ننسى كيف أن أحد مدراء قطاع آخر أدخل أجهزة الأمن بقوة إلى مكان عمله وتخلص من عدد كبير من الموظفين متعللاً بتطهير المكان من تابعي المدير السابق الذي خرب هذه المؤسسة وهدمها ولم يحدث أي تغيير بعد ذلك بل زاد المكان خراباً، إن هذه الحوادث إن دلت على شيء فإنما تدل على الغياب التام لأي شكل من أشكال المؤسساتية هرمية… أفقية ..أو عامودية،  ولا تزال الحلول لهذه الأزمة غير واضحة في الأفق، وإن كانت تنذر فإنها تنذر بـ.....