ماهر فرج ماهر فرج

قطاع الاتصالات في ظل الأزمة.. لماذا يحرم المواطنون بـ«الجملة» من الاتصالات الأرضية والمحمولة؟

في عصر أبسط ما يمكن أن نطلق عليه اسم عصر الاتصالات، لما شهده من تطورات تكنولوجية كبيرة في مجال تقنيات الاتصال التي تعددت أشكالها ومميزاتها، وأساليب استخدامها، وخدماتها التي تتسابق شركات الاتصال حول العالم لتأمينها لعملائها كنوع من التميز في سوق الاتصالات.. في هذا العصر لا يستفيد السوريون من هذا التطور التقني الذي شهده قطاع الاتصالات إلا في أقل حد ممكن، فقطاع الاتصالات في سورية كما هو معروف من أضعف قطاعات الاتصال في العالم، إلى درجة قد تتفوق فيها أفقر الدول الأفريقية وأكثرها تخلفاً علينا في هذا المجال، من حيث جودة الخدمات المقدمة وسرعة الأداء، سواء أكان في الاتصالات الهاتف الثابت أو المحمول خصوصاً، والتي تمطرنا شركاته الموجودة في سورية بسيل من الإعلانات التي تحاول تصوير خدماتها على أنها الأقوى في العالم و كأننا كمواطنين لا نعرف ما وصل إليه قطاع الاتصالات في العالم من تطور مذهل، لا نتوقع الوصول إليه إلا في حالة واحدة عندما نرث الشعوب التي ستهاجر إلى القمر في المستقبل القريب، تاركةً خلفها كل تقنياتها على الأرض.

رغم هذا الضعف الملحوظ في قطاع الاتصالات في سورية منذ بدايته إلا أن ما تشهده سورية من ظروف صعبة جراء الأزمة التي تمر بها منذ عام تقريباً، ورغم الحراك الشعبي المتصاعد المطالب بالإصلاح والتغيير، إلا أنَّ هذا القطاع يتراجع إلى الوراء بدل أن يواكب الوعود الكثيرة التي ينهال بها مسؤولونا علينا كل يوم.

 الاتصالات في المناطق الساخنة

المناطق التي تعتبر ساخنة في سورية وخطرة تشهد هذه الأيام انقطاعاً مستمراً في الاتصالات الثابتة والمحمولة، ولفترات طويلة، يصبح معها من الصعب التواصل بين الأقارب، يظل كل من يحاول معرفة أي خبر عن ذويهم في المناطق الساخنة مستحيلاً، أو حتى تواصل أفراد البيت الواحد فيما بينهم في أوقات العمل اليومية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، على اعتبار أن هذه المشكلة منتشرة في عموم سورية، إن ما تشهده محافظة ريف دمشق رغم الأوضاع الأمنية المتردية يعجز الأقارب  الذين يعيشون في مناطق متجاورة لا يفصلهم عن بعض سوى (2 أو 3) كيلومترات عن الاطمئنان عن أحوال بعضهم البعض، وسط هذه الأخبار والحوادث التي يسمعون بها عبر وسائل الإعلام المختلفة.
 
(ع، ف): يصف لـ«قاسيون» ما يعانيه وأهله جراء انقطاع الاتصالات المتكرر لفترات طويلة..  يقول: «نسكن في ريف دمشق و منطقتنا هادئة وأهلي وأقاربي كذلك، ولكن ضمن المناطق المتوترة، فلا نستطيع معرفة أي خبر عنهم في حال سمعنا أي خبر مخيف، وأحياناً يدوم انقطاعنا عنهم لفترة طويلة قد تتجاوز الأسبوع رغم أن أحد أشقائي يسكن على بعد (2 كيلو متر) من منزلي فقط، وغالباً ما نضطر إلى انتظار أن تهدأ الأوضاع حتى نستطيع رؤيتهم والاطمئنان عليهم، وكل ذلك بسبب انقطاع الاتصالات الثابتة والمحمولة... هذا الخوف الذي نعيشه على أقاربنا لا يوصف في ظل انقطاع أبسط سبل التواصل».
في حالة مماثلة ولكن ضمن أفراد البيت الواحد، يقول (س،ح): «نخرج يومياً للعمل داخل مدينة دمشق، كثيراً ما نسمع عندما نغادر منازلنا في الصباح متوجهين إلى عملنا صوت إطلاق رصاص قريب، فيظل بالنا مشغولاً طيلة فترة الدوام على ذوينا في المنزل دون أن نتمكن من الاتصال بهم للاطمئنان عليهم، ما يؤثر على أدائنا في العمل، خصوصاً إذا ما وصلنا عن طريق المصادفة أي خبر عما يحدث بالقرب من مناطق سكننا، وكل هذا الخوف كان من الممكن تجاوزه لو أن الاتصالات غير مقطوعة».
وعن الحال نفسها تقول (أم أحمد) لـ«قاسيون»: «أنا ربة منزل و أبنائي يذهبون يومياً إلى مدارسهم التي تبعد عدة كيلو مترات من المنزل، وأعيش يومياً حالة من الرعب عليهم حتى يعودوا إلى المنزل، خصوصاً في حال سمعت صوت إطلاق الرصاص في موعد عودتهم»، وتضيف موضحةً: «مع بداية الأزمة اشتريت لكل ولد من أولادي جهاز محمول رغم ضعف مدخولي، وذلك لكي أتواصل معهم في طريق ذهابهم إلى المدرسة وعودتهم منها، إلا أن هذه الخطوة لم تعد مجدية بسبب انقطاع الاتصالات الخليوية، وأنا أعيش الحالة نفسها يومياً.. فما العمل؟ أأجبرهم على ترك مدارسهم وأحرمهم من متابعة تحصيلهم العلمي لأبدد خوفي عليهم؟»..
وتسأل (أم أحمد): «هل تنقطع الاتصالات في المناطق التي يعيش فيها المسؤولون في هذا البلد، وهل جربوا الخوف الذي نعيشه يومياً على أبنائنا أم أن أبناءهم أغلى من أبنائنا، ولنسائهم حق الاطمئنان على أبنائهم أكثر منا».
خوف (أبو جواد) على ابنته التي تذهب يومياً إلى عملها لا يختلف عن خوف (أم أحمد) على أبنائها.. إذ يقول: «أسكن وأعمل  في ريف دمشق وابنتي موظفة في إحدى شركات القطاع الخاص في مدينة دمشق والتي يبدأ دوامها في الساعة السابعة صباحا، وهي بذلك مضطرة للخروج يومياً في الساعة السادسة صباحاً، في وقت تكون الشوارع لا تزال خاوية من الناس، ما يجعلها عرضة لاعتداء ضعاف النفوس والمجرمين، ومنذ بدأت الاتصالات في الانقطاع بت مضطراً كل يوم لإيصالها إلى عملها، ففي زمن انقطاع الاتصالات ستكون عاجزة عن طلب المساعدة، خصوصاً في ظل ما نسمع به من تعرض بعض البنات للتحرش في الشوارع».
 
الخوف من مغادرة مناطق السكن

لكن وضع من اضطر إلى ترك محافظته هرباً من الأوضاع المتردية جراء أعمال العنف المختلفة، تاركاً خلفه إخوة و أقارب لم يغادروا، كمحافظة حمص مثلاً، هو وضع أصعب في أكثر الأحيان، وها هو (أبو يوسف) يتحدث لـ«قاسيون» عن صعوبة الاتصال بأقاربه الذين ظلوا في حمص و الاطمئنان عليهم.. فيقول: «أنا من أبناء حمص، وبسبب الظروف الأمنية المتردية قررت المجيء إلى دمشق ريثما تهدأ الأوضاع هناك، ولكن المشكلة تكمن في عدم قدرتي على التواصل مع إخوتي وأقاربي الذين لم يتركوا حمص، ولا أعرف شيئاً عنهم منذ أن غادرت حمص، بسبب انقطاع الاتصالات بشكل متواصل عن سائر مناطق المحافظة».
أما (أبو ثائر) فيقول: «ابنتي متزوجة في جبل الزاوية وأخبارها منقطعة عنا منذ مدة بسبب انقطاع الاتصالات الأرضية والمحمولة، باستثناء بعض الحالات القليلة التي تعود فيها الاتصالات في جبل الزاوية والتي تعتبر نادرة ومتباعدة الفترات، والأنباء الكثيرة الواردة من تلك المناطق تجعلنا نعيش حالات من الذعر والخوف على ابنتي و أطفالها».
 
«إجت الحزينة لتفرح..»

مخيم الوافدين الذي يعتبر جزءاً من ريف دمشق جغرافياً رغم أنه تابع إدارياً لمحافظة القنيطرة، يعاني من مشكلة الاتصالات منذ فترة طويلة تسبق الأزمة بأعوام، حيث كان يعاني من شح في خطوط الهاتف الثابت والذي كان يقتصر على عدد محدود من المنازل، قبل أن يتم بناء ضاحية سكنية في المنطقة كان لها الفضل في لفت انتباه المعنيين في محافظة القنيطرة إلى ضرورة توفير مقاسم لتخديم هذه المنطقة التي ظلت لأعوام طويلة دون تخديم، وكان اعتماد أهالي هذه المنطقة على الهاتف المحمول الذي دخل حيز الخدمة متأخراً في بلدنا، إلا أن فرحتهم لم تدم طويلاً بسبب التشويش الذي تتعرض له المنطقة على أجهزة الاتصال الخليوية بحجج أمنية تتعلق بسجن عدرا المركزي الملاصق لمخيم الوافدين، لتقضي هذه المنطقة فترة من العزلة الاتصالية تجاوزت أربعة أعوام، رغم الشكاوى والعرائض التي وقع عليها معظم أهالي مخيم الوافدين، وتقدموا بها لشركة الاتصالات التي تذرعت حينها بأن الأمر خارج عن سيطرتها بسبب ظروف أمنية فرضتها الدولة، ليرفع الأهالي شكواهم إلى الدوائر الأمنية التي أنكرت مسؤوليتها حينها، لتظل المشكلة دون حل إلى الآن.
وبعد أن تكرم المعنيون في محافظة القنيطرة على هذا المخيم بمقاسم هاتفية  جديدة وتم تخديم المنطقة بالكامل بشبكة خطوط هاتفية ضوئية، صارت تقطع بمجرد انقطاع التيار الكهربائي لاعتمادها في عملها على الطاقة الكهربائية هذا في الأحوال العادية قبل الأزمة.
وفي ظل الأزمة وبما أن مخيم الوافدين تابع لريف دمشق جغرافياً كان له نصيب من انقطاع الاتصالات شأنه في ذلك شأن ريف دمشق وكل المناطق الساخنة في المحافظات السورية، حيث الانقطاع المتكرر للاتصالات الثابتة والمحمولة والتي لم يهنؤوا يوماً بها، فالهواتف المحمولة في جميع الحالات معدومة، والهاتف الثابت الذي حصلوا عليه بعد أن حصلت عليه أفقر المدن الإفريقية بأعوام طويلة، يعتمد على التيار الكهربائي الذي بات من أهم أحلام المواطن، ففي حال عودة الهاتف الثابت للعمل تنقطع الكهرباء مما يقتضي حتماً انقطاع الهاتف الثابت بما أن مخيم الوافدين يقع بالقرب من مناطق التوتر في الريف فكثيراً ما يسمع صوت الاشتباكات المسلحة على أطرافه، وانقطاع الاتصالات يجعل أمكانية التواصل مع ذويهم خارج المنطقة مستحيلاً.
 
خسائر محلات الموبايل

إضافة إلى ما ذكر عما يخلفه انقطاع الاتصالات من خسائر تضاف إلى رصيد الأهالي، فإن أحد أهم الجهات المتضررة هم أصحاب محلات الموبايل الموجودة في المناطق التي تعاني من انقطاع اتصالات الهاتف المحمول، وتزداد خسائرهم المادية يوماً بعد يوم، فهم يعتمدون بشكل أساسي على بيع وتحويل رصيد الموبايل والتي شكل المصدر الرئيسي لأرباح هذه المحلات، ومع انقطاع الاتصالات شلت حركة البيع نهائياً، ويتكبد أصحابها الخسائر قد تصل إلى 100 ألف ل.س بسبب تجميد الرصيد في أجهزة التحويل لدى أصحاب المحلات.
يصف (أبو الخير) ما تعانيه هذه المحلات فيقول: «الاتصالات مقطوعة منذ شهر تقرياً عن ريف دمشق وحركة البيع و الشراء في مجالنا متوقفة كلياً وخسائرنا تتزايد يوماً بعد يوم إلى درجة بات فتح المحل أشبه بإغلاقه، سأضطر إلى ذلك لو استمر الوضع على ما هو عليه، قد أغلق محلي نهائياً لأجلس في منزلي دون عمل فهذا هو مصدر رزقي الوحيد».
ويضيف (أبو الخير): «ما أعانيه ليس معاناة شخصية بل هو مشكلة عامة يعاني منها معظم أصحاب محلات الموبايل في ريف دمشق، ومعظم المناطق الساخنة في المحافظات السورية.
رغم أهمية قطاع الاتصالات الثابتة والمحمولة في حياة اليومية للمواطن في الحالات الطبيعية إلا أنها تكتسب أهمية متزايدة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تعانيها سورية جراء الأزمة الحالية التي تعصف بها، والتي تشكل السبيل الوحيد لتواصل المواطنين مع أقاربهم ممن يقطنون في المناطق الساخنة، فلماذا يتجاهل المعنيون ما نعانيه جراء انقطاع الاتصالات من خوف وذعر على أقاربنا؟. و السؤال الأهم هل يعاني المسؤولون من انقطاع الاتصالات أيضاً؟.