كرامة الوطن... والمواطن

ننشر المقتطفات التالية من المقال الافتتاحي لصحيفة «العروبة» الصادرة عن مؤسسة الوحدة (فرع حمص) بتاريخ 18/12/2003 الذي جاء تحت عنوان «كرامة الوطن والمواطن» بقلم محمد راتب الحلاق:

... فالتوسع الإمبرطوري المشبع بالسمات الإمبريالية التي وصلت إليها إلى أوجها في صورة العولمة المتوحشة، التي تهدف إلى ابتلاع الهويات والخصوصيات والثقافات والثروات والأسواق… بشبق جهنمي، سيؤدي وقد أدى فعلاً، إلى زيادة كراهية الشعوب لأمريكا المتغطرسة، دون أن تنخدع هذه الشعوب بالوعود البراقة التي تبشر بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان..لأن ما جرى، ويجري في فلسطين والعراق وأفغانستان يؤكد أن تلك الوعود ليست أكثر من تكرار بليد لأسطوانة مشروخة، ما فتئ المحتلون و الغزاة و الاستعماريون يرددونها بالكلمات ذاتها تقريباً.. ولم تعد قادرة على أن تقنع أحداً إلا بعض المستفيدين، وهم أفراد معزولون، تم اختيارهم بعناية فائقة، وتم تأهيلهم ليقوموا بالتدليس المعرفي وتغييب  الحقائق، والعمل وفق خطة محكمة، تم توزيع الأدوار فيها دقة، من قبل المخرج الأمريكي..

وقد بلغ خبث هذا المخرج ودهاؤه حداً استطاع معه أن يستغل بعض المطالب والآراء التي تصدر عن بعض المثقفين العرب، وبعض المؤسسات الاجتماعية العربية… لتبدو وكأنها جزء من خطته مما دفع أصحاب الرأي الوطني والقومي من هؤلاء إلى إعلان معارضتهم الحاسمة للعدوان الأمريكي على العراق، وللضغوط الأمريكية الموجهة إللى بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها القطر العربي السوري، والإعلان صراحة أنهم لن يكونوا أداة من أدوات الخارج المعادي ضد وطنهم وضد أمتهم، وأنهم لا يعرفون، ولا يعترفون بهؤلاء المرتزقة الذين تستعد المظلات الأمريكية لإلقائهم في ساحات المدن العربية المستهدفة.

 

وموقف هؤلاء يستحق التقدير (من الجميع) لأنه يدل على وعي سياسي يفرق بين الاختلاف في الرأي والعمالة، لذلك أعلنوا رفضهم لسياسة الاستقواء بالخارج من أجل تحقيق مطالب المفروض أن يتم تحقيقها بالأٍساليب الديمقراطية وتحت سقف القانون.. وبذلك نجحوا في الإفلات من الشعار الخطير الذي وقع فيه سواهم والذي يقول إن الغاية تبرر الوسيلة، لأنهم يعرفون أن الغايات النبيلة تحتاج إلى وسائل نبيلة أيضاً.. كما نجحوا في الإفلات من الشعار الزائف حول ترتيب الأولويات، على أساس أن كل ما يؤدي إلى كرامة الوطن والمواطن هو أولوية.. فلا كرامة لمواطن في وطن يفتقد حريته، فالمواطن قوي بقدر ما يملك من حرية، وحر بقدر ما يملك من قوة، والوطن قوي بقدر ما يتيح للمواطنين فرصة التمتع بحقوق المواطنة…