أحـداث يزجـون في السجـن مـع بالغـين في حمـاة
« إنها مفارقة تسترعي الانتباه... ففي بداية شهر تشرين الأول نحتفل كل سنة بعيد الطفل، فندبـج المقالات الصحفية ونقيم الندوات والمؤتمرات والاحتفالات التي تحض على ضرورة الاهتمام بالطفل ورعايته كونه أمل المستقبل . لكن قبل أن يجف حبر مقالاتنا وقبل أن نزيل اللافتات من أماكن الندوات والاحتفالات نمارس عكس ما قلناه وما أكدنا عليه . فيتم زج عدد من أطفال بعمر الورود في زنزانة مع عدد كبير من الموقوفين البالغين ليقضوا بينهم ليلة لا تنسى ولتبقى راسخة في أذهانهم ما عاشوا».
يوم الأربعاء الواقع بتاريخ 22/10/2003وبعيد الساعة الرابعة عصراً قام عناصر شرطة قسم الحميدية في حماه بإلقاء القبض على أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين العاشرة والحادية عشرة بتهمة إشعال فتاش...وقد ألقي القبض على بعضهم من أمام مدرسة «إبراهيم الصواف» والبعض الآخر في منازلهم. وتم حجزهم في نظارة القسم حتى اليوم التالي مع عدد كبير من الرجال البالغين والمرتكبين جرائم عديدة حتى أن أحد الموقوفين كان في حالة السكر الشديد.... وقد قضى الأطفال ليلة لا يحسدون عليها.... لأن ما حدث معهم كان أشبه بكابوس طويل..
وكنا قد توجهنا بعد تلقي شكوى خطية من أولياء التلاميذ إلى مدرسة «إبراهيم صواف» التي يدرس فيها التلاميذ الأربعة الذين تم توقيفهم من قبل عناصر شرطة الحميدية... وقبل أن نلتقي بالطلاب وذويهم سألنا مديرة المدرسة عن الموضوع حيث أكدت لنا أن ما حدث كان خارج المدرسة وخارج الدوام الرسمي وبالتالي لا علاقة للمدرسة بهذا الموضوع. وحول سلوك الطلاب الأربعة في المدرسة وهل هم من المشاغبين أو لهم أسبقيات في إحداث مشاكل بالمدرسة أكدت السيدة المديرة أن سلوك التلاميذ جيد وهم مهذبون وبعضهم من أبناء المعلمات بالمدرسة «ولو كانوا مشاغبين لشكوناهم لذويهم.... ولكن في الواقع مثلهم مثل باقي التلاميذ. ثم إن المسألة لم تكن تحتاج إلى كل هذه الضجة فالموضوع هو إشعال فتاش فقط».
■ المواطن أسامة ياسين والد التلميذ محمد أسامة ياسين قال :
زوجتي معلمة بنفس المدرسة التي يتعلم بها ابني محمد.... وفي الساعة الرابعة والنصف من عصر يوم الأربعاء قرع جرس الباب وكان شرطياً على الباب وقد قام بسحب ابني محمد من المنزل إلى سيارة الشرطة التي كان بها بعض رفاقه والذين أكدوا أن محمد ليس له علاقة بإشعال الفتاش ولم يكن مع الأطفال الذين أشعلوا الفتاش إلا أنه أصر على سحبه إلى المخفر حيث قضى ليلته هناك.
كما علمنا أنه تم أخذ صور لمحمد ورفاقه من أجل فتح فيش لهم كالمجرمين..
■ المواطن مجد عبد الرحمن الاشقر والد الطفل عبد الرحمن الاشقرقال:
ابني في الصف السادس وبعد انصرافه من المدرسة حوالي الساعة الرابعة والربع اجتمعوا هو ورفاقه وقاموا بإشعال الفتاش على بعد حوالي 100 متر من قسم شرطة الحميدية وعند حضور عناصر هذا القسم هرب التلاميذ، فتم إلقاء القبض على عدد منهم ومن ضمنهم ولدي وعندما أخبرني رفاقه بذلك حضرت إلى القسم فقالوا لي عد في الساعة الثامنة مساء وعندما عدنا مساء ًقالوا: الأولاد سينامون في القسم، فاستغربنا ذلك. إذ كيف سينام ابني في قسم الشرطة مع موقوفين آخرين وما هي جريمته....؟ لكن كل محاولاتنا لإخراجهم باءت بالفشل. وبقينا حتى الصباح أمام المخفر، وفي الصباح تم وضع القيود في أيديهم وعرضهم على القاضي الذي أخلى سبيلهم فوراً.
■ المواطن هيثم ياسين والد الطفل محمد هيثم ياسين قال :
دخل ابني محمد الى المنزل وحقيبته على ظهره وبعد دخوله سمعت أصواتاً على باب المنزل وعندما سألت قالوا لي إن الشرطة يطلبون محمد لأنه «طق فتاش» والطفل خاف ورفض أن ينزل فأنزلته وسلمته للشرطة الذين أكدوا لي أنه سيعود بعد نصف ساعة ولكنه لم يعد وبعد جولات مكوكية بين المنزل والقسم حيث أخبرونا بعد الساعة الثامنة أن الأمر خرج من يدهم، وأن الأطفال سينامون في القسم ليتم تقديمهم للقضاء، فقلنا لهم: نحن على استعداد لأن نوقع الضبط من القاضي ، لكنهم رفضوا الافراج عنهم وقالوا أن الضبط سيقدم إلى القضاء العسكري....
ورغم كل توسلاتنا إلا أنهم أصروا على أن ينام الأطفال في نظارة القسم...
■ الطالب محمد أسامة ياسين قال :
أنا لم أكن مع الطلاب الذين أشعلوا الفتاش ، ولم أشاهد أحداً منهم، لكني سمعت صوت الفتاش، وعندما ذهبت للمنزل أتى شرطي وقال لي اسمك محمد ياسين؟ فقلت له نعم، فحملني ودفعني إلى سيارة الشرطة، وفي القسم قال لهم رفاقي ان محمد لم يطق الفتاش ولم يكن موجودا معنا، وقد كتبوا ضبطا في القسم ولم أعلم ما كتبوا وقد قال أحد عناصر القسم لرفيقي: إذا لم تقل أنه طق فتاش سوف أكهربك...
وقد نمنا مع الرجال في البداية كانوا ستة رجال ثم أصبحوا حوالي 15 رجلا ًونمنا جميعا في غرفة واحدة ، وفي آخر الليل أحضر موقوف سكران وكان جميع الموقوفين يدخنون ، وكان الدخان في الغرفة كالضباب، وقد أيقظوني من النوم وقالوا لي قم لتأكل... وعندما استيقظت كان المساجين الآخرون قد أكلوا الفروج المشوي الذي أحضره عمي... وفي الصباح أخذونا مقيدين «كل اتنين مع بعض» إلى القصر العدلي حيث أخلى القاضي سبيلنا حوالي الساعة 11.30 صباحا..
■ الطالب عبد الرحمن الأشقر قال:
عند انصرافنا من المدرسة كان الطلاب يلعبون بالفتاش وعندما حضرت الشرطة هربنا فأمسكوا بنا فقلت لهم إن علاء وأحمد هما اللذا طقا الفتاش وأنا لا علاقة لي ورغم ذلك ابقونا في المخفروهددونا بالضرب وحبسونا في غرفة حوالي أربع ساعات ثم وضعونا في النظارة مع حوالي 15 رجلا من المساجين ونمنا وأرجلنا على بعض لضيق المكان، ولم أستطع النوم لأنني كلما نمت دخل رجل ويقول «مافي نوم هون» وقال لنا الموقوفون «دخنوا» فرفضنا، وفي الساعة الثالثة أدخلوا موقوفاً سكران فأطار النوم من عيوننا .
■ الطالب محمد هيثم ياسين قال:
خرجنا من المدرسة، وكنا قد اشترينا الفتاش قبل بيوم «فتاش أبو الليرتين» وكان معي فتاشة واحدة وكنا سبعة طلاب عندما أشعلنا الفتاش
لماذا اشتريت الفتاش ؟ «مشان طقو»....
ثم ماذا حدث بعد ذلك ؟ لم أرَ الشرطة وذهبت إلى المنزل، فرأيت الشرطة قد أخذوا ابن عمي، فقال لي والدي انزل معهم، فنزلت معهم فقالوا لي: خذ خمس ليرات واشتر فتاشاً من المنزل الذي اشتريت منه أول مرة... فأخذت الخمس ليرات وقرعت جرس المنزل وقلت أريد أن أشتري فتاشاً. فأخرجوا سلة فقام عناصر الشرطة بأخذ السلة ووضعها في السيارة. وأخذونا إلى المخفر ووضعونا في غرفة البحث وبعد الساعة العاشرة وضعونا في النظارة مع موقوفين آخرين، الذين حاولوا أن «يتحرشوا بنا» فابتعدنا عنهم ولم أستطع النوم في تلك الليلة، لأنهم كانوا يدخلون موقوفاً «كل شوي» وكانت الضجة مستمرة، وفي الصباح قيدونا وأخذونا إلى القصر العدلي.
في قسم الشرطة
بعد أن استمعنا إلى الطلاب وأوليائهم... أردنا أن نرى نصف الكأس الآخر، فذهبت مع زميلي المصور إلى قسم شرطة الحميدية حيث أكد لنا السيد العقيد محمد جمال الشهابي رئيس القسم «أنه يعتذر عن إعطاء أي حديث لأنه محظر عليه الإدلاء بأية معلومات للصحافة إلا عن طريق القيادة»
مع المحامي العام بحماه
السيد القاضي ظافر الجرف المحامي العام بحماه، أكد لنا أنه سيطلب التعميم على كافة أقسام الشرطة والمخافر بعدم توقيف الأحداث في مسائل كهذه، وحول هذا الموضوع أكد السيد الجرف قائلاً: في مثل هذه الحالة وكون الموقوفين أطفالاً فكان يجب عرض الضبط على المحامي العام أو النيابة العامة لتقرير توقيفهم أو الإفراج عنهم.
وأضاف السيد المحامي العام قائلا ً: كان يمكن أن تكون العقوبة تسليم الأطفال إلى أوليائهم ليقوموا بالحفاظ عليهم وإصلاحهم كون الجرم مخالفة وليس جناية وكونه لا توجد أماكن لتوقيف الأحداث.
رأي المحرر
إن كافة القوانين تنص بشكل صريح على منع توقيف الأحداث إلا في أماكن توقيف خاصة بهم أو مراكز ملاحظة حتى لا يتم الجمع بين الأحداث وبين الموقوفين الآخرين من ذوي الأسبقيات أو المجرمين أو غيرهم.
وأيضا كما سمعنا ولمسنا من المعنيين في القصر العدلي لا يصح توقيف الأحداث دون إبلاغ النيابة العامة أو المحامي العام بذلك.
وكان الأجدى بقسم شرطة الحميدية النظر من نفس المرآة التي ينظر منها رجال القانون وأن يكونوا أكثر رأفة وأن لا يخرجوا عن الطريق القضائي حيث أنهم وفي مثل الحالة التي عرضناها وبدلا من حل الموضوع قاموا بتأزيمه.
● صحيفة «الفداء» ـ حماة العدد 12262 تاريخ 18/10/2003
■ التوقيع عبد الجبار المحتار