على هامش التحضير لانتخابات الادارة المحلية.. الديقراطية من أجل: تجديد القوانين ومحاربة الفساد وإضعاف البيروقراطية

حين مناقشة المهام الأساسية المنتصبة أمام أجهزة الإدارة المحلية بهدف تفعيلها وتطويرها يبرز السؤال التالي:

ماذا لو كانت مؤسسات الإدارة المحلية في العراق نافذة ومؤثرة بأوساط السكان؟ هل كانت الأمور قد وصلت إلى ماوصلت إليه من نهب وسلب وتخريب شمل كافة مناحي الحياة في العراق؟ ماذا لوكانت لجان الأحياء محترمة من قبل سكانها وأيضاً مجالس القرى والبلدات والمدن والمحافظات؟ هل يستطيع اللصوص المدربون على يد الجنود الأمريكيين واللصوص المحليون التحرك بهذه الحرية الملفتة.

ماذا لو وجد إلى جانب البعثيين، الشيوعيون والقوميون والمتدينون وغيرهم عبر الانتخابات الحرة أماكان باستطاعة كل هؤلاء تشكيل حاجز يحول دون التدمير المرعب والأسطوري الذي شمل كل مؤسسات ومرافق العراق ـ ماعدا وزارة النفط ـ؟

الجواب الأكيد لو أن مؤسسات الإدارة المحلية تمثل الشعب وتنتخب من قبله لما تم ماتم.

وفي بلاد كبلادنا ومنطقة ملتهبة كمنطقتنا، التغير فيها يمكن أن يكون مفاجئاً والهجوم المعادي يمكن أن ينفذ بأي لحظة عن طريق التدخل العسكري الأمريكي أو الإسرائيلي ولافرق.

في مثل هذا الوقت فإن وجود مؤسسات بالإدارة المحلية منتخبة بشكل ديمقراطي ومحترمة وغير مفروضة على السكان، أصبح يرتدي أهمية وطنية بالدرجة الأولى، والمعروف أن ترشيحات مجالس الإدارة المحلية قد انتهت منذ أيام قليلة ومن يطلع على حجم المشاركين يلاحظ انكماشاً في عدد المرشحين وهذا ينعكس في ضعف المشاركة الجماهيرية في الانتخابات.

إن أسباب هذا الانكماش في الترشيح الذي يتناققض والمهام المطروحة فيهذه المجالس يعود لعدة أسباب:

أولها: إن دورة الإدارة المحلية أتت مباشرة بعد انتخابات مجلس الشعب التي لاتزال نتائجها موضع تعليق. فقد تميزت، كما هو معروف، بضعف الإقبال الجماهيري ودخول أصحاب  رؤوس الأموال الى الانتخابات بطريقة فجة واستفزازية وردود الأفعال السلبية التي ظهرت على قوائم الجبهة الوطنية التقدمية في عدد من المحافظات مما أضعف مشاركة عناصر الجبهة أنفسهم، بالإضافة إلى ضعف تواجد العمال والفلاحين الحقيقيين، رغم أن القوانين تلزم بوجود 51% من القوائم من العمال والفلاحين، وهذا يؤكد أن التمايز بين الفئتين (أ ـ ب) لم يعد ضرورياً، لأنه غير موجود فعلاً بالإضافة للتدخلات المباشرة من قبل البعض، أثر في حجم التصويت وفي النتائج وفي إبعاد غير المرغوب به بأشكال مختلفة.

كل ذلك انعكس بدعاوى قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا، وهذا كله أثر ايضاً في ثقة الناخبين في الانتخابات وفي صندوق الانتخابات.

وقانون الإدارة المحلية نفسه لم يعد قادراً على تفعيل هذه  المؤسسة فقد بدأت الإدارة المحلية بتجربة عام 1973 واستمرت كما هو معروف رغم مرور 30 عاماً عليها، ورغم أن الأحزاب كافة قد طالبت بتطويره بما في ذلك حزب البعث نفسه، وقد أرسل للمناقشة إلى المحافظين مؤخراً مشروع لتعديل قانون الإدارة المحلية يهدف إلى التخفيف من صلاحية المحافظين وانتخاب رؤوساء مجالس المحافظات ومنحهم صلاحيات جدية، إلا أن قسماً من المحافظين أخفاه عن اعضاء المكاتب التنفيذية، ورفضوا التعديل عبر مذكرات أرسلوها بأسمائهم وقسم وزعها على المكاتب التنفيذية وأرسل هو الرفض بينما أعضاء المكاتب التنفيذية في المحافظات استقبلوها بارتياح جدي، وهكذا عاد مشروع التعديل إلى الأدراج بقوة البيروقراطية المتحكمة والتي ترفض أي تعديل وهكذا تلقى محاولات التجديد الفشل على يد الجهاز البيرقراطي المتحكم. ولو أن مشروع القانون نشر للمناقشة العامة في الصحف لاطلع عليه الناس وقدموا إضافات إيجابية تساعد على تطويره ولمنع من العودة إلى الأدراج.

وهكذا يتجلى الصراع بين التيار البيروقراطي الطفيلي والتيار التجديدي التقدمي، والذي لايمكن أن ينجح إلا بالاعتماد على الديمقراطية والشعب وقواه الحية الفاعلة. 

إن السمة التي سيطرت على العمل الإداري خلال الفترة الماضية هي سمة المركزية الشديدة وهذا ما أثر على عمل أجهزة الإدارة المحلية أيضاً فلا تزال المركزية هي السائدة في عمل الوزارات والمؤسسات ولاتنقل جميع الصلاحيات الملحوظة في القانون إلى هيئات الإدارة المحلية ولاتزال عقلية الهيمنة تسيطر على موظفي الوزارات في العاصمة ويلاحظ المتتبع أن المركزية تزداد رغم أن كل التقارير والدراسات تؤكد أن المشاريع والاستثمارات المحلية تنفذ بشكل أفضل من تلك التي تشرف عليها الوزارات المركزية.

وبسبب عدم نقل الصلاحيات فإن أعضاء مكاتب تنفيذية مكلفين شكلياً بعدد من المهام دون أية صلاحيات مثل الصحة والصناعة والزراعة وغيرها كثير، التي مازالت مركزية حتى تاريخه.

ولم تلحظ الإدارة المحلية وتدخل في جسم النظام الإداري. فالتسلسل الإداري لازال كما هو منذ عشرات السنين الوزير المختص ثم  المدير المختص في المحافظة ثم هكذا.. مثلاً وزير الصحة، مدير الصحة، وزير التربية، مدير التربية، بينما من المفروض وبعد تطبيق قانون الإدارة المحلية أن يعاد النظر بالتسلسل الإداري أوبالنظام ليلحظ الإدارة المحلية مثلاً: وزير الصحة ـ عضو المكتب التنفيذي لقطاع الصحة وهكذا ينتخب المدير شعبياً عبر الانتخاب المباشر وعبر المؤسسة المنتخبة ويصبح خاضعاً لرقابة السلطة المركزية من جهة وجماهير السكان عبر مجالس الإدارة المحلية من جهة أخرى وتلغى وزارة الإدارة المحلية، حيث تصبح موجودة بكافة الوزارات.

كما أن التعاون بين المجالس الشعبية المنتخبة مفقود. فلا يوجد أي تعاون بين مجالس المحافظات ومجلس الشعب وهذا يؤثر على التفاعل المباشر بين مجلس الشعب وبين المؤسسات المنتخبة الأخرى.

إن كل ذلك اثر في فعاليات المجالس التي أبقيت هامشية وفي علاقاتها مع الجمهور فلم يلحظ الجمهور من مجالس الإدارة المحلية سوى الضرائب التي تتزايد باستمرار والتي لاتصرف في المجالات المطلوبة وهذا كله سينعكس لاحقاً في تدني نسبة الإقبال على الانتخابات إلى مجالس غير مؤثرة في حياة السكان.

إن المطلوب هو تأمين أجواء ديمقراطية قادرة على تفعيل المجالس، وإلى تعديل القوانين بهدف تطوير دور الإدارة المحلية في حياة البلاد حتى تساهم بشكل فعال في الصراع بين القديم والجديد، بين البيروقراطية والفساد من جهة وبين الديمقراطية والتقدم من جهة أخرى، وجميع الوطنيين معنيون بهذا الصراع.

إن الشيوعيين السوريين إذ يتقدمون الى هذه الانتخابات على هذا الأساس يتوجهون إلى جماهير المواطنين لتأييد مرشحيهم انطلاقا من هذا الفهم فإطلاق الديمقراطية وتجديد القوانين ومحاربة الفساد وإضعاف البيروقراطية هي أهدافنا الأولى.

■  منصور الأتاسي

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.