يوسف البني يوسف البني

لعبة شد الحبل بين المواطن والحكومة.. دعم المازوت بين وعود الحكومة وأحلام المواطنين وخيبات الأمل المتكررة

حتى السويعات القليلة التي سبقت الإعداد لهذا العدد، ظلت تسود أجواء (الدعم والتدفئة) حالة سديمية ضبابية لا يعرف المواطن ماذا تخبئ له وراءها، ولم تتوضح الرؤية ولم تحسم الأمور رغم مرور أشهر عديدة على دراسات وتبديل وتعديل وتغيير قرارات، حول طريقة الدعم التي ستقدمها الحكومة للمواطنين بشأن مادة المازوت، العمود الفقري الذي تعتمد عليه حياة المواطن في التدفئة والصناعة والزراعة والنقل، وكل المرافق الحيوية الأخرى، والتي كان لرفع الدعم عنها الأثر السيئ في جميع النواحي، من رفعٍ لأسعار المواد التموينية والاستهلاكية، وتكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي وأجور النقل، الأزمات التي مازالت تلقي بعبئها الثقيل على المواطن حتى الآن.

تكررت القرارات وتنوعت وتناقضت حيث ظهر معظمها على الشريط الإخباري للقنوات الفضائية لمحطتي تلفزيون الدنيا و(شام fm)، فتارة سيتم تخفيض سعر لتر المازوت من 20 إلى 15 ل.س، وتارة سيتم الفصل بين نوعين من المازوت، أحدهما مخصص للتدفئة، وهو قليل التكلفة وعالي الحرارة، والآخر مخصص للمحركات والسيارات.. ثم مرة أخرى، يقررون أنه سيتم توزيع البدل النقدي للدعم بمعدل عشرة آلاف ل.س لكل عائلة (على دفتر العائلة)، وصولاً إلى بدعة أنه سيتم توزيع هذا المبلغ ولكن على دفعتين، ولكل من يتبين أنه يستحق فقط، بناء على معلومات يقدمها المواطن عن وضعه الاجتماعي والاقتصادي، في إجابته عن أسئلة في استمارة يجب إملاؤها لتؤكد استحقاق المواطن لمبلغ الدعم.. وبعد إثبات أنه لا يملك سيارة أو بيتاً آخر غير الذي يسكنه، وأن معدل دخل الأسرة الإجمالي أي راتب الزوج والزوجة إذا كانت موظفة، والأبناء الذين يعملون، لا يتجاوز 400 ألف ليرة سورية سنوياً، بعض النظر عما يترتب على هذا الدخل من التزامات لأقساط مؤسساتية أو مصرفية أو فواتير كهرباء وهاتف وماء أو طبابة أو مستلزمات مدارس، إلى آخر القائمة الطويلة التي تمتد إلى عمق آخر ليرة من هذا الدخل المخجل.

على طاولة الحكومة
أطلق نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري تصريحاً بأن مجلس الوزراء سيقر الدعم بشكل نهائي في إحدى الجلسات الأسبوعية للمجلس، ولكنه رفض في حديثه عن دعم المازوت موضوع التسعير والتخفيض في أسعار المحروقات، ولكنه وعد أنه في مجال الدعم الزراعي سيقدم للزراعات الإستراتيجية فرق تكاليف المازوت والسماد بالإضافة إلى 25% من حساب مجمل التكاليف كهامش ربح، وسيقدم للمحاصيل الرئيسية مبالغ تغطي 90% من فروقات تكاليف  الإنتاج الزراعي، إضافة إلى هامش ربح ليحقق استقراراً في دخل الفلاح، ولكن بيان مجلس الوزراء، بعد انعقاد الجلسة الأسبوعية حول موضوع الدعم، جاء مقتضباً ومؤجَّلاً لصدور التعليمات التنفيذية لآلية الدعم، وكأن موضوع الدعم أمر ثانوي ويكمن تأجيله إلى أجل غير مسمى، بل وجاءت الصدمة الكبرى على لسان رئيس الحكومة الذي استغرب الضجة «المفتعلة» حول الدعم وتساءل: «هل توقفت حياة المواطن السوري على مبلغ الدعم؟!» وكأنه يطل من برجه العاجي فلا يرى آلام الناس وسوء معيشتهم وأنهم ينتظرون شعره.....!
 
وأمام مجلس الشعب
نقل بعض النواب في مجلس الشعب معاناة واستياء المواطنين من سياسة الحكومة في موضوع الدعم، فقد حذر أحد النواب من أن السياسة التي تتبعها الحكومة في هذا الصدد ستثير الكثير من الإشكالات والتعقيدات بين الحكومة والمواطنين، وستجابَهُ باستياء شعبي كبير، وأكد نائب آخر أن تقديم الدعم إلى مستحقيه قد تحول من وظيفة اقتصادية واجتماعية إلى صدقة، وأن هذا الأسلوب ليس من ابتكار الفريق الاقتصادي في الحكومة، بل هي وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واستنكر معظم أعضاء مجلس الشعب الآلية التي تتعامل بها الحكومة في موضوع إعادة توزيع الدعم على مادة المازوت، وهل هذا الموضوع يحتاج لكل هذه المماحكات وكل هذا الوقت؟! وأكد بعضهم أن رفع الدعم وفر للخزينة مبلغ 60 مليار ليرة سورية، ما يعني أن حصة الأسرة الواحدة 60 ألف ليرة سورية من موفور الدخل الوطني في عام واحد، وليس فقط عشرة آلاف ليرة سورية، وطالب بعضهم بأن يكون الدعم أكبر للمناطق الباردة، كالبادية والمرتفعات.

وعلى ألسنة المواطنين
المواطنون انتظروا طويلاً وبقلق، ما سينبثق عن هذا المخاض، ومازالوا بانتظار تثبيت القرار النهائي، حتى يعرف كلٌ منهم ما يتوجب عليه من شروط للحصول على الدعم، نوعه وكميته والمبلغ المالي المستحق. وقد تباينت مواقف وآراء المواطنين الذين هم وحدهم، أولاً وأخيراً، يدفعون ثمن أخطاء السياسات والقرارات الصادرة عن حكومة لا تعيش واقع المواطن السوري، ولا تعرف حقيقة عمق المعاناة التي ما وصل إليها إلا بفضل هذه القرارات والسياسات الهدامة، التي لم يكن همها إلا إفقار المواطن وتجويعه وتصعيب معيشته اليومية، بإشغاله بكيفية تأمين لقمة عيش أسرته بصعوبة بالغة، وهدر كبير للكرامة والراحة والطمأنينة.
وبسبب وصول المواطنين إلى هذه الدرجة من الألم والمرارة اتصفت تصريحاتهم وشكواهم لنا بالكثير من الجرأة، والتعبير عن الغضب الداخلي الناجم عن إهانة الحكومة لكرامتهم، وانتهاكها لحقوقهم في الحياة الحرة الكريمة، بسبب الذبذبة والتناقض في التصريحات والقرارات التي تمس المعيشة اليومية للمواطن. وفي هذا الصدد كان لنا هذه اللقاءات مع بعض المواطنين:
ـ المواطن حسن.ع قال: «الجريمة بدأت منذ رفع الدعم عن المازوت، وارتفع سعر الليتر من 7 ليرات سورية إلى 25 ل.س، أي بنسبة 350%، وهذا أدى إلى رفع ‏الأسعار للمواد الاستهلاكية بشكل جنوني، في حين أن الرواتب جامدة وقيمتها الشرائية بانخفاض مستمر، وإن مقولة إعادة توزيع الدعم على مستحقيه ليست إلا شعاراً يلهوننا به ريثما يتم رفع الدعم الحكومي عن المواطن السوري بشكل كامل، فكل ما يجري على الأرض يدل على نية الدولة في التخلي نهائياً عن دورها الرعائي».
ـ المواطن نضال.ق قال: «ماذا يمكن أن نقول؟! وماذا نفعل مع حكومة لا تسأم من اختراع شتى الوسائل لإفقار المواطن وتجويعه وسرقة موارده ومكتسباته؟! لم تعد الحكومة تخجل من الشعب لا في تصريحاتها ولا في ممارساتها، وهي تنتظر انتهاء المواطنين من تموين احتياجاتهم من المازوت ودفع قيمته بالسعر الحالي، فقد نسيت حاجة المواطنين الشديدة للتدفئة، وخاصة في المناطق الباردة والأرياف، وليس هذا التأخير سوى تهيئة تدريجية لنفسية المواطن لتقبل الوصول إلى قرار سحب الدعم عن المحروقات نهائياً».
ـ المواطن عمار.ش قال: «كفانا مهزلة ومسخرة، إن مقولة إعادة توزيع الدعم على مستحقيه، والمبلغ المعتمد وشكل الدعم وآليته ليست واضحة المعالم بعد، ولماذا يكون بالأساس هناك مواطن يستحق الدعم ومواطن لا يستحق؟! فجميع المواطنين يدفعون الضرائب المترتبة عليهم للدولة، وبالتالي فكل مواطن يستحق الاستفادة من الدعم الحكومي أياً كانت الشريحة التي ينتمي إليها، فإنه بالنهاية يبقى مواطناً سورياً، ومن حقه الحصول على الدعم أياً كانت آليته وشكله وكميته».

لعبة العصا والجزرة
ـ المواطن تيسير رزق الله قال: «إن الحكومة لا تزال تلعب مع الشعب لعبة العصا والجزرة، وتعدنا بحل أزمة المازوت وإيجاد آلية عادلة للدعم، أنا أرى أنه من الأجدى أن تقوم الحكومة بتخفيض سعر اللتر إلى 15 ل.س، دون أن توزع بدلاً نقدياً أو اعتماد أسلوب آخر كالقسائم، فكل هذه الأساليب غير عادلة، فهناك دفتر عائلة يتضمن ثلاثة أشخاص وهناك دفتر آخر وقد يتضمن ثمانية أو عشرة أشخاص، كما أن المناطق الجغرافية المختلفة الحرارة لم تؤخذ بالحسبان، فأبناء البادية أو الجبال والمناطق الباردة بحاجة إلى الدعم أكثر من باقي المناطق، أما بالنسبة لحجة التهريب فالحكومة قادرة على مكافحته بشكل أقوى، لو أرادت ذلك، وتستطيع أن تفرض عقوبات قاسية على من يقوم بتهريبه خارج البلاد، ولكن من يهربونه فوق القانون، والمواطن يدفع الثمن».
ـ المواطن علاء.ك قال: «كل سياسات الحكومة في هذا الموضوع هراء في هراء، وفقاقيع في الهواء، وإن رفع أسعار المحروقات، مهما كان شكله وسببه، هو سياسة فاشلة لا تبني اقتصاداً متيناً، ولا تحافظ على المحروقات من التهريب، بل هي طريقة سهلة لملء خزينة الدولة ولتعويض ما يسرقه الفاسدون والمهربون منها، وهي ستار يخفي وراءه فشل الفريق الاقتصادي في إقامة مشاريع حقيقية تنمي اقتصاد البلد وتوفر دخلاً إضافياً لخزينة الدولة».
ـ المواطن سعود العبد الله قال: «لقد اطَّلعنا على تصريحات الحكومة حول موضوع ا‏لدعم، فتصريحات الدردري ووعوده لم تنفذ في السابق، ونحن نعلم أنها لن تنفذ في المستقبل، فالحكومة عم تضحك علينا، والدليل على ذلك تصريح رئيس الحكومة الذي يستغرب هذه الضجة حول الدعم ويسميها بالمفتعلة، وكأنه لا يعيش في هذا البلد، وكأنه رئيس حكومة لدولة أوربية، ويقول هل توقفت حياة المواطن السوري على مبلغ الدعم، ألا يرى الوضع المعيشي السيئ الذي أوصلوا المواطن إليه؟! ألا يعلم أن المواطن ينتظر شعرة من.....؟! ولكن للأسف، الصغير يبقى صغيراً، وحكومتنا أثبتت أنها صغيرة وعاجزة عن إدارة البلد، ويعاملوننا بموضوع الدعم بشكل مذل ومهين، وهم فعلاً يعتبرونه صدقة أو حسنة، ويشترطون علينا إملاء استمارة لكي نتمتع بحق المواطَنة، إلى متى سنتحمل كسر النفس والذل والإهانة؟!».
ـ المواطنة أمرية، الأرملة ذات الستين عاماً، قالت: «أنا مسامحتهم للعطري وللدردري بها العشرة آلاف التي سيكون نصفها بعد ثلاثة أشهر، فإذا كانوا بدهن يذلونا ويتحسنوا علينا، هذا لأنهم متأكدون أن المواطن السوري قد أصبح تحت رعايتهم شحاذاً، ولكننا أكبر من أياديهم، وأعز من أن يذلونا، فبهذا الشكل من الأخذ والرد فضخوا أنفسهم وسرقاتهم، وأثبتوا أنهم أفرغوا خزينة الوطن حتى أصبحت غير قادرة على مساندة المواطنين عند الضرورة وفي موضوع بسيط كموضوع دعم المازوت، فكيف لا سمح الله إذا تعرضنا لمصيبة أو كارثة؟ فهل سيتركون البلد ويهربون ويقولون لنا دبروا حالكم وادعموا أنفسكم؟!»

حالنا.. نحن الصامدين
هذا هو لسان حال المواطنين في سورية الأبية، الصامدة في وجه الاعتداءات والهجمات الخارجية، العصية على الخضوع لكل المخططات الرامية إلى إذلالها وتركيعها، وها قد جاءها الإذلال من الداخل، ولم يعد المواطن يدري حتى طبيعة شعوره تجاه هذه المهزلة المضحكة المبكية في آن معاً، ولكن بدأ الجميع يتساءلون، ليس فقط بقلق وخوف كما هي عادتهم دائماً، بل بكثير من الغضب والإحساس بالقهر والذل: إلى متى سنتحمل هذه الإهانات وهذا الإذلال المتكرر؟ من دعم المازوت إلى عودة تقنين الكهرباء الذي هدد به وزير الكهرباء مؤخراً بسبب عدم دعم المازوت، إلى الأسعار الجهنمية المتفاقمة يوماً بعد يوم، وصولاً إلى فرض ضرائب جديدة كل يوم، لا يستطيع أي عاقل أن يتخيل كيف تفتقت عنها قرائح جهابذة الفريق الاقتصادي في حكومتنا العتيدة!!