نزار عادلة نزار عادلة

من نتائج الانفتاح واقتصاد السوق 700 مليون ل.س خسائر شركة الإطارات والجهات الوصائية تتفرج على الانهيار!!

منذ أن تأسست الشركة العامة للإطارات عام 1975 على أساس مفتاح باليد، وحتى اليوم والاجتماعات تعقد يومياً لبحث واقع الشركة الذي يتردى باستمرار. من الفرقة الحزبية للجنة النقابية فالنقابة والمجلس الإنتاجي واللجنة الإدارية ولجان المرآة، واجتماعات متكررة مع مؤسسة الصناعات الكيميائية ووزير الصناعة، بالإضافة إلى مئات المذكرات التي ترفع سنوياً من الإدارة واللجنة النقابية والنقابة وفرع الحزب إلى الجهات الوصائية، وكلها تشرح واقع الشركة الذي يتردى يوماً بعد يوم، وتقترح الحلول للإنقاذ، ولكن لا آذان صاغية ولا حلول.

مدير عام الشركة الكيميائي سامر حيدر تحدث عن واقع الشركة وطرح حلولاً في ثلاثة خيارات أمام الانهيار والتردي: منح التمويل المالي اللازم للشركة للإقلاع بكامل الطاقة الإنتاجية، أو إيجاد شريك وإقامة شراكة وإدارة مشتركة، أو طرح الشركة على الاستثمار مع أن هذا الخيار مرفوض ولكن لا حيلة لنا.

بداية الخسائر

سجلت الشركة أولى خساراتها عام 2005 بعد مرور خمسة عشر عاماً من تحقيق الأرباح وتوالت الخسائر حتى العام 2008 حتى بلغ مجموعها في هذه المرحلة بحدود 700 مليون ل.س، والسبب الرئيسي في ذلك أن سياسات الانفتاح الاقتصادي والمنافسة في الأسواق المعمول بها في نهاية التسعينات من القرن الماضي قد بدأت تضغط بشكل واضح على مختلف أوجه نشاطات القطاع العام في سورية، ومنها شركة الإطارات، حيث كنا لم نزل نتبع سياسة التخطيط المركزي بالأنظمة الإدارية والاقتصادية الناظمة للعمل نفسها منذ نشوء الشركة دون أي تطوير لتشريعاتنا الاقتصادية، وكان الواجب مواجهة ضغوط التسويق في اقتصاد السوق المنافس الذي تحكمه أدوات مختلفة تماماً عما نملكه، ولم نستطع التكيف مع الواقع الجديد، حيث تعرضت المنتجات لمنافسة شديدة جراء إغراق الأسواق المحلية بالإطارات المستوردة من مختلف الماركات ومن بلدان متعددة ودون أية ضوابط، لعدم وجود مراكز مراقبة الجودة الفنية على المستوردات في المنافذ الجمركية، وكذلك السماح بالاستيراد من غير بلد المنشأ وأصبحت الإطارات تستورد من المناطق الحرة لصفقات منتهية الصلاحية، وبالتالي بيعها بأقل من تكلفتها، ما جعل من سورية سوقاً لتصريف الإطارات القديمة والمخازين الراكدة، ومنها ما يشترى بأسعار زهيدة بسبب مقيدات التخلص من النفايات الصلبة في البلدان المتقدمة، وهذا مترافق طبعاً مع ضآلة الرسوم الجمركية المفروضة على المادة مقارنة بالدول الأخرى ومنها الدول العربية مثل تونس ومصر والدول الأجنبية مثل تركيا وإيران.

حلول بتراء

من إجراءات مواجهة ضغوط التسويق كانت سياسة ربط الإنتاج بالتسويق، أي التركيز على إنتاج الإطارات التي تلقى الطلب في الأسواق وهذا أدى إلى انخفاض معدلات الإنتاج وبالتالي ارتفاع التكاليف وتحقق الخسائر، وأدى ذلك إلى تآكل رأسمال الشركة العامل وبالتالي عدم إمكانية تمويل الدورة الإنتاجية، وخاصة شراء المواد الأولية من الخارج بشكل يتوافق مع حاجتنا لها في التشغيل. وبدأت تنقطع توريدات المواد الأولية، لاسيما وأنه يتم شراؤها وفق إجراءات روتينية معقدة للغاية، يضاف إلى ذلك قدم آلات وتجهيزات الشركة واستهلاكها بعد مضي أكثر من 28 عاماً على وضعها في التشغيل، وكذلك واقع العمالة حيث بلغ متوسط أعمار العاملين 55 عاماً وعدم إمكانية تجديدها. وهنا يشرح مدير عام الشركة نقاط القوة والضعف:

نقاط القوة:

ـ تملك الشركة مساحات واسعة من الأراضي، 583 ألف متر مربع في منطقة تبعد عن مدينة حماة 4 كم فقط وخصصت للصناعات الثقيلة. وبالتالي يمكن استخدامها في توسيع نشاط الشركة وزيادة طاقاتها الإنتاجية.
ـ وجود المباني والإنشاءات الصناعية، منها صالات الإنتاج والمستودعات والمباني الإدارية وهي بحالة فنية جيدة.
ـ إمكانية استثمار قسم الطاقة بشكل جيد بعد تدعيمه بتحديثات محدودة التكلفة، لاسيما وأن عقد الإنشاء قد تضمن إمكانية زيادة الطاقة الإنتاجية بمعدل 25% من الطاقة التعاقدية وقد لحظ ذلك في تنفيذ قسم الطاقة.
ـ وجود مصادر مياه وكهرباء كافية لتغطية حاجة الشركة لأية تطويرات مستقبلية على طاقاتها الإنتاجية.
ـ إمكانية تجديد العمالة الدائمة بعمالة شابة، منها عمالة دائمة تشكل الجزء الأقل وهي العمالة المدربة والخبيرة، والقسم الأكبر منها تكون عمالة شابة بعقود سنوية مؤقتة قابلة للتجديد، ما يتيح إمكانية تشغيلها بالمرونة اللازمة للتكليف مع طاقات التشغيل الفعلية، وبالتالي إبعادها عن الضغط على تكاليف الإنتاج كتكلفة ثابتة أو شبه ثابتة. هذه الإمكانية توفرت جراء انخفاض عدد العاملين الدائمين حيث أصبح لا يتجاوز 790 عاملاً وهذا يشكل 54% فقط من العمالة الدائمة عام 1983 (بدء التشغيل التجاري)، ومعظم هذه العمالة قاربت أعمارها على سن المعاش، ولديهم سنوات خدمة تتيح لهم الإحالة على التقاعد بأي وقت.
ـ توفر الخبرات الفنية والإدارية المقبولة بعد مضي أكثر من 30 عاماً على البدء بالإنشاء والتشغيل في صناعة الإطارات.

نقاط الضعف:

ـ حاجة الشركة إلى إعادة تأهيل أو تحديث أو تطوير أو استبدال معظم الآلات والتجهيزات الإنتاجية بعد مرور 30 عاماً على استثمارها، وعدم جدوى استمرارها في التشغيل لارتفاع تكلفة صيانتها وضعف مردودها بالمقارنة مع الآلات الحديثة، يرافق ذلك تخلف التكنولوجيا المستخدمة.
ـ ارتفاع تكلفة الاستثمار في صناعة الإطارات وبالتالي الحاجة إلى أموال كبيرة لتغطية تكاليف الاستبدال والتجديد أو شراء أصول جديدة.
ـ نقص السيولة المالية الحاد جداً جراء تسجيل خسارات متراكمة بلغت لغاية 31/12/2008 ما يقارب 767 مليون ل.س، والمقدر أن تصل إلى 900 مليون ل.س في نهاية عام 2009، وأدى ذلك إلى العجز في تمويل الدورة الإنتاجية وتكاليف الاستبدال والتجديد أو مشاريع التحديث.
ـ عدم مواءمة التشريعات النافذة مع نشاط اقتصادي كصناعة الإطارات التي تحتاج في معظم الأحيان إلى سرعة اتخاذ القرارات وتنفيذها سواء في إجراءات شراء مستلزمات الإنتاج أو مبيعات المنتج الجاهز.
ـ نقص العمالة المدربة والماهرة سواء في المجال الفني أو الإداري، كون شركتنا شركة وحيدة في القطر، وبالتالي عدم إمكانية تبادل المعارف الفنية داخل القطر، وضعف التواصل الفعال مع شركات خارجية مثيلة.

الخلاصة والمقترحات:

1 ـ  دعم الخيار الأول، ويقتضي ذلك:

ـ تمويل الشركة بالسيولة النقدية اللازمة والمقدرة بـ300 مليون ل.س.
ـ في حال تعذر ذلك طلب موافقة رئيس مجلس الوزراء على تمويل رواتب العاملين في الشركة من وزارة المالية أسوة ببعض شركات القطاع العام، وفي هذه الحالة تتمكن الشركة من النمو طرداً لإعادة التوازن إلى وضعها المالي.

2 ـ  الخيار الثاني السعي مع الجهات الوصائية لإيجاد الشريك القادر على تمويل تكاليف تحديث وتطوير الشركة، عن طريق إقامة شركة مشتركة، تصدر لها التشريعات المناسبة لحفظ حقوق المشاركين ومراعاة مصالحهم المشتركة.
3 ـ  الخيار الثالث إعلان وضع الشركة بالاستثمار ولغاية الحصول على عرض مستثمر يوافَق عليه، تقوم إدارة الشركة بتهيئة وإعداد الترتيبات اللازمة لإنجاز هذا الخيار.


آخر الاجتماعات كان بتاريخ 5/3/2009 بحضور وزير الصناعة وإدارة الشركة والمؤسسة الكيميائية والمجلس الإنتاجي ونوقشت في الاجتماع القضايا الفنية والإنتاجية والتسويقية والتجارية وموضوع العمالة. ولم تنفذ كل الطروحات بل اقتصرت على تأمين العمالة لمدة 3 أشهر وعن طريق الشؤون الاجتماعية، وهذا تحايل على العمال وعلى الشركة. أيضاً تم بحث استثناء الشركة من المرسوم 15 الناظم لعمل الوكلاء، الذين هم سماسرة بين الشركات الأجنبية وشركة الإطارات، وبلغت المواد الأولية التي تدخل في صناعة الإطار مائة مادة أولية. وهناك مواد لا يوجد في سورية وكلاء لها، ورغم ذلك فعلى الشركة أن تستجر عن طريق الوكلاء، وهذا يعني توقف الشركة عن الإنتاج بسبب فقدان مادة واحدة، وفي رأي الجهات الوصائية هذا لا يهم، المهم أن يربح الوكلاء وعملاؤهم وشركاؤهم، وليتوقف العمل والإنتاج. كما تم أيضاً بحث حماية الإنتاج الوطني من المنافسة وسياسة الإغراق، علماً أن أميركا والدول الرأسمالية تحمي صناعاتها بفرض رسوم إغراق تصل إلى 75%، ولكن نحن في عجز عن اتخاذ هكذا قرار أمام التجار والسماسرة والفساد.

ما نفهمه هنا أن هناك صناعة إستراتيجية لعبت دوراً هاماً في سنوات الحصار، ولكن يجب إنهاؤها لفسح المجال أمام المستوردين وشركائهم لجني الأرباح الطائلة على حساب الوطن!!