حلب: معركة مركبة وصمود أهلي
تنفس المدنيون في شرقي حلب الصعداء، بعد الإعلان عن الهدنة بوقف استهداف المناطق، التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، بمختلف مسمياتها وتبعياتها، في شرق مدينة حلب، من قبل القوات الجوية الروسية والسورية، مع فتح المعابر من أجل الخروج الأمن منها.
250 ألف مواطن مدني يعيشون في حلب الشرقية تقريباً، وهؤلاء محاصرون ومطوقون داخلاً وخارجاً، بظروف شديدة القسوة منذ عدة أشهر، سواء من حيث الدمار الذي يحيق بأبنيتهم ومنازلهم، أو من حيث تأمين متطلبات حياتهم اليومية والمعاشية.
هَوْل ورعب
هذا الجزء من المدينة يعتبر من المناطق الأكثر هَوْلاً ورعباً، وذلك بسبب الظروف القاسية التي يعيش فيها الأهالي هناك، وخاصة على المستوى الأمني والمعاشي اليومي، ويزداد الهول والرعب يوماً بعد آخر بسبب استنفاذ مخازين الأغذية والأطعمة والوقود ومتطلبات الحياة الأخرى، مع الدمار الذي لحق بالبنى التحتية والخدمات العامة، من ماء وكهرباء وصحة وغيرها، ما أحال حياة هؤلاء إلى جحيم حقيقي.
ففي شرقي حلب، كل مواطن معرض بأية لحظة لأن يكون محط استهداف من قبل القناصة المنتشرين في أكثر من مكان، وعلى أكثر من محور من محاور هذا الطرف من المدينة، ناهيك عن إمكانية التعرض للقذائف المنهالة من هنا وهناك.
استثمار مباشر غير مكتمل
الإعلان عن الهدنة كان بالنسبة لأهالي المنطقة الشرقية من مدينة حلب متنفساً حقيقياً، حيث ما لبثوا أن استثمروه بشكل مباشر عبر العديد من المظاهرات، التي خرجت بشوارع الأحياء الشرقية للمدينة مطالبة بخروج المسلحين، من أجل استعادة الحياة والاستقرار إلى مناطقهم.
كما كان أيضاً بداية لطريق الخلاص من أهوالهم ومآسيهم، خاصة مع مرفقات هذا الإعلان الذي اقترن بفتح بعض الممرات للعبور، ولكن ذلك لم يكن على المستوى العملي، كما هو على المستوى النظري، حيث لم يتمكن هؤلاء من استثمار هذا الإعلان عملياً، وذلك عبر إجراءات المنع التي قامت بها بعض المجموعات المسلحة في شرق المدينة، سواء بالمنع المباشر من التحرك على بعض المحاور، أو بالاستهداف عبر القنص لمحاور أخرى.
معيقات وصعوبات
في الجزء الشرقي من حلب، قد تجد فرداً فقط من أفراد العائلة، أما البقية فقد استطاعت الفرار خارجها، سواء داخلاً أو خارجاً، وهؤلاء باتوا أسرة عبر وسائل التواصل فقط، أما عن وجود أسر بأفرادها كاملة بهذا الطرف من المدينة فسببه الرئيسي هو واقع الفقر المدقع لهؤلاء، حيث يعتبر الهروب من أهوال الحرب وتداعياتها مكلفاً للغاية، وتسيطر عليه مجموعة من المتكسبين على أطراف الصراع، حيث يستغل هؤلاء حاجة الناس للفرار من المدينة، عبر استنزاف إمكاناتهم، بما في ذلك التخلي عن ممتلكاتهم، وحتى عن بعض ما استطاعوا حمله من حاجيات ببعض الأحيان، حيث فرض المسلحون مبلغ 150 ألف ليرة على كل مواطن عند الخروج من شرق المدينة.
الأمر الآخر المعيق أمام هؤلاء، هو خشيتهم من أن يخرجوا من «تحت الدلف لتحت المزراب» حيث التخوف من احتمال الاعتقال بحجة البيئة الحاضنة، أو مساعدة الإرهابيين.
ناهيك عن أن أكثرية المتبقين في شرق المدينة، هم ممن ليس لهم أي أقارب يلجؤون إليهم، وخشيتهم من أن يصبحوا مشردين على الطرقات، تحت رحمة هذه الجهة أو تلك كونهم لا يملكون إمكانية استئجار منزل آخر، بالإضافة إلى ضعف إمكانات تأمين الاحتياجات الأخرى الضرورية.
معركة مركبة
يبدو أن معركة حلب، بكامل جغرافيتها ومحاورها، تعتبر معركة مركبة وذلك لتشابك الفاعلين بها والمرشحين لخوضها، على أكثر من محور ومن أجل العديد من الأهداف والغايات.
ولعل فرصة الهدنة المعلنة بشرق المدينة، كانت من الفرص المتاحة من أجل تجنب تداعيات هذه المعركة المتشابكة، وتجنباً للمزيد من هدر دماء المدنيين.
ولكن على ما يبدو بالطرف الآخر، أن الفاعلين المرتبطين بتوجهاتهم وأفعالهم وممارساتهم ليسوا بوارد استثمار هذه الفرصة، كما ليسوا بوارد وقف نزف الدماء واستكمال الدمار، وخاصة «جبهة النصرة» الإرهابية وأشباهها وأتباعهم، الذين باتوا كسرطان يجب استئصاله واللذين لا تعنيهم كل هذه الأمور بقدر ما يعنيهم ولاءهم لمموليهم ومشغليهم الإقليميين والدوليين، على حساب المدنيين، كما على حساب البلد ومصلحته عموماً، على الرغم من الهزائم كلها التي مُنّوا بها سواء على المستوى الميداني العسكري أو على المستوى السياسي، وسواء أكانت هذه الهزائم تصيبهم مباشرة أو تصيب داعميهم الإقليميين والدوليين، وبالتوازي مع ذلك تقديم كل التسهيلات لحماية المدنيين ولمن يقبل الهدنة.
صامدون
الكثرة المتبقية من أهالي مدينة حلب، بأحيائها الشرقية والغربية متمسكة ببيوتها، وبأرضها، وترفض الخروج تحت أية ذريعة، وهؤلاء اعتادوا على تداعيات الحرب وقسوتها، وتخوفهم قائم ومحصور على مستوى بقاء منازلهم وصمودها، وعدم تعرضها للأضرار بنتيجة الحرب والقصف والقذائف، واستمرار وجود بعض مقومات صمودهم المعيشي التي تستنزف يوماً بعد آخر.
وهؤلاء على أحرّ من الجمر، من أجل استكمال فكّ الحصار عنهم، وانسحاب المسلحين من مدينتهم، من أجل إعادة توحيدها ولحمتها اجتماعياً واقتصادياً ومعيشياً، كما كانت عليه قبل الحرب وتداعياتها.