مطبات: إدارة الأزمات

قلما نعترف بأزماتنا، وثمة من يعتقد أن الإفصاح والاعتراف بوجود أزمة لدينا يشكل خطراً على سمعة البلد، وأمنها أحياناً، وأن ثمة من يتربص ليعرف أخبارنا وبالتالي استغلالها في الصراع معنا علة الوجود.
 

وهذه الحال تنطبق على أكبر أزماتنا وكذلك أتفهها، وأما أكثر المدافعين عن كوننا بلداً بلا أزمة فهم من يستفيدون منها، أو من افتعلوها، لذلك ترى هؤلاء يوجهون الاتهامات لكل من تسول له نفسه الإيحاء بافتضاح البلد، أو الإشارة إلى الأخطاء التي تقود إلى أن يلتفت إليها الأعداء فيأتوننا غيلة من باب المشكلة، وربما يشهرون بنا، فنحن يجب أن نحافظ على صورة بلدنا النقية، وأن بشرنا، وخصوصاً من يخطئون، إنما يخطئون من باب من اجتهد فأخطأ فله على الأقل أجر الاجتهاد، إننا من الملائكة في أغلب الأحيان، نسبح بحمد الوطن وترفّعه عن الفساد، والمفسدين، والذين يرون فيه خروفاً صالحاً للهبش و(الشوي) متى هم أرادوا.

 كما أننا لا نشبه أي بلد في تركيبة الشعب والحكومة وموظفيها ومؤسساتها، فكما أننا مواطنون صالحون، ولا تغرينا المغريات والحاجات، ولا شيطان يوسوس لنا كي نمد يدنا لرشوة، ولا موظف في مؤسساتنا تراوده نفسه الطيبة والمسكينة بأن يراود مواطناً في معاملته، ويغمز له بأنها تحتاج إلى دعم من نوع، وأن ثمن هذا الدعم متعارف عليه، وأنها لا تقع في إطار الرشوة بل في خانة الهدية.

كما أن مؤسساتنا الرشيدة ترى المواطن في إطار عملها ووجودها من أجل راحته، كل مفاصلها، جل جهود عامليها الدائمين والمؤقتين، ليلهم مع نهارهم يتساءلون: كيف نستطيع أن نسعد المواطن، المواطن الذي وظفتنا الحكومة كرمى له، وإرضاء لحاجاته، ويصلي أغلبهم لكي يوفقهم الله في خدمة المواطن أولاً  وطاعة ربهم ثانياً.

الوحدات الإدارية التي تحتك مع المواطن في بيته، أمام بيته، في الماء والكهرباء والهواء، في الغبار الذي تأسف لأنه يلوث نوافذه، والحفريات التي تعرقل مسيره اليومي، لكنها تشفع لنفسها ويعذرها المواطن في أنها لا تعمل إلا من أجل أن ينام سعيداً على (نواصة) حمراء لا تنقطع، ومياه عذبة تروي ظمأه في الحر، ويستحم بها بسعادة غامرة، وتوظف أصحاب البدلات الزرقاء والبرتقالية لكي يرفعوا من حاويات قمامته فضلات سعادته وسهراته، وأن المبلغ البسيط الذي يتقاضاه لقاء ذلك لا يعدو أن يصب في خانة بلد جميل لا يستطيع أحد من الأعداء أن ينال منه ولو بحجة بسيطة أو هفوة ضئيلة.

في ظل هذه السعادة التي تغمرنا من حق الذين يدافعون عن نقاء الوطن من الأخطاء أن يرفعوا الصوت عالياً، وأن يروا في الثرثرة التي يثيرها البعض تشويشاً على النجاحات التي نعيشها، والتي تتكبد فيها البلاد بمؤسساتها عناء تحقيقها، وأن هؤلاء الثرثارين إنما يرمون خدمة من له مصلحة في إحباط هذه الانجازات والتقليل من شأنها.

ليس التهاب الكبد الوبائي الذي أصاب أكثر من ألف مواطن في قطنا منذ سنة سوى حادث عابر لا يمكن أن نسميه أزمة صحية، وحديث مدير صحة ريف دمشق حينها عن إصابات لا تتجاوز أصابع الكفين هو من أجل عدم تهويل الوباء وإخافة المواطنين السعداء، كذلك الكوليرا التي تتفشى في المناطق الشرقية ليست سوى إسهالات مجهولة السبب، وليس من اللائق تهويل الحكاية لأننا تخلصنا من هذا الداء منذ سنوات.

كما أن إنعاش المناطق الشرقية بجرعات وقائية هو دور بارز للحكومة وإن جاء متأخراً أكثر من عام، وأن 160 قرية هجرها الفقر لم تثر حماسة المساعدات الحكومية التي وصلت بعد الفقر بعام على الأقل.

أن يشتكي مواطن على مخالفة واضحة كالشمس في مدينة قطنا وأن تعيد المحافظة شكوى المواطن للرد عليها هو شكل من أشكال ديمقراطية إدارة الأزمات.

كما قال أحد مسؤولينا -نحن السعداء -: (ليس لدينا أزمات.. بل لدينا مشكلات).. الأهم، أهكذا نديرها؟

■ ع  . د