سورية تصدر الكهرباء.. وتعيش تقنيناً داخلياً!

ما يدفعنا للحديث اليوم عن الكهرباء في سورية ليس تبيان الأسباب الواضحة للأزمة، لأن ما من أحد يساوره الشك ولو للحظة بأن السبب الحقيقي لتفاقم أزمة الكهرباء يعود لتخلف البنية التحتية الكهربائية، وإبقاء المسؤولين عليها طوال عقود ضعيفة وهشة، وأن ما ساهم في تكريس هذا الواقع هو عدم اعتراف المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي بوجود أزمة، تضاف إلى افتقارهم للنزاهة والكفاءة اللازمتين.

كما أننا لا نهدف من وراء هذا المقال للإشارة إلى أن القائمين على تنفيذ السياسات الحكومية استطاعوا إيصال القطاع الكهربائي إلى ذروة الأزمة، عبر الحصار والخنق المستمر، ليأتوا ويؤكدوا بعد ذلك أن حل أزمات هذا القطاع لا تتم إلا بخصخصته. ولا نريد التذكير هنا بأن أمان القطاع الكهربائي هو جزء من الأمن الوطني.. بل إن ريبة ورياء واستفزاز التصريحات الحكومية هي التي تدفعنا للحديث والتوضيح.

الجميع يعلم أن هناك مشكلة كهربائية في سورية منذ زمن طويل، ولكنها بدأت تستفحل وتتوضح كأزمة فعلية وجدية في السنوات الأخيرة، حيث تؤكد أرقام وزارة الكهرباء أن هناك نقصاً  في الكهرباء يقدر بـ1000 ميغا واط سنوياً، والمفارقة أنه منذ أيام قليلة أعلن وزير الكهرباء أحمد قصي كيالي: «إن سورية لبت أمس الأول طلباً مصرياً للمؤازرة في موضوع الكهرباء عبر تزويدها بـ 140 ميغا واط ساعي». وحول وضع العجز الكهربائي قال كيالي: منذ بداية شهر رمضان أصبح وضع الكهرباء مستقراً وجيداً، وبعد يومين فقط طلعت علينا الجرائد السورية بجدول التقنين الذي ستقوم به الشركة العامة لكهرباء دمشق ولريف دمشق والمتمثل بقطع الكهرباء في أغلب مناطق دمشق وريفها بين 1,5 – 2 ساعة يومياً.

على الرغم من أننا اعتدنا على التصريحات الحكومية المتناقضة شكلاً ومضموناً بين ليلة وضحاها، وغير المستندة أساساً إلى واقع موضوعي يدعمها ويؤكدها، إلا أننا لا بد أن نشير إلى المغالطات التي تكتنف تصريحاتهم وادعاءاتهم، فالغريب في قضية الكهرباء والمفارقة الأولى هو لجوء الحكومة إلى تصدير الكهرباء للدول المجاورة بحجة الربط الكهربائي، لتحرم جزءاً من شعبها من الكهرباء، في الوقت الذي أعلنت سابقاً أن اتفاقيات الربط غير مجدية لسورية وقت الأزمات والذروة، فهل من المنطق والمعقول التفريط بحقوق المواطن السوري في الكهرباء وتقديمه هدية لشعوب الدول الأخرى على حسابه وحده دون سواه؟!!

والمفارقة الثانية هو الانتقال السحري للكهرباء من الأزمة والنقص خلال أيام قليلة إلى الوفرة والتصدير، فهل امتلكت وزارة الكهرباء الفانوس السحري لتحل المشكلة بهذه السرعة والفورية؟! فكيف يقال قبل شهر آب 2009 وعلى لسان معاون وزير الكهرباء هشام ماشفج، أن سورية بحاجة إلى إنشاء خمس محطات توليد جديدة لسد العجز الموجود في الطاقة الكهربائية، ويصرح وزير الكهرباء السوري أحمد قصي كيالي في الشهر ذاته لصحيفة تشرين قائلاً: «إن سورية تعاني من أزمة حقيقية لها عدة أسباب أولها عدم القدرة على توليد كامل حاجتنا من الكهرباء»، ثم تأتي الوزارة وتصدر 140 ميغا واط من الكهرباء إلى مصر في أيلول 2009؟!!

أما إذا سلمنا سلفاً بما تقوله التصريحات الحكومية، وهي انتقال سورية من الحاجة والأزمة إلى الفائض، فالسؤال الأول: فكيف أصبح وضع الكهرباء مستقراً وجيداً في غضون أيام قليلة؟! وكيف حصل هذه الانتقال، علماً أننا لا نستطيع تخزين الطاقة الكهربائية بل إنها تنتج وتستهلك فورياً؟!

إذا ما افترضنا صحة الانتقال، يعني هذا أن قطاع الكهرباء لا يعاني من مشكلة حقيقية حسب توصيف ( أو ادعاء!!) وزير الكهرباء ومعاونيه سابقاً، لأنه لو كان كذلك لما انتقلنا للتصدير بهذه السرعة، أي أن هناك افتعالاً للأزمة في أوقات معينة، والسؤال: لماذا يتم افتعال هذه الأزمات؟! ولمصلحة من؟! خصوصاً وأنه بعد كل أزمة في قطاع الكهربائي أو غيره من القطاعات العامة الأخرى تطرح الخصخصة والاستثمار كحل وحيد وأمثل لهذه الأزمات، فمن هو المستفيد من هذه الأزمات إذاً؟! علماً أن خصخصة القطاع الكهربائي في روسيا أدت حسب أرقام هيئة الإحصاء الفدرالية الروسية أن انخفاض تدريجي لإنتاج الكهرباء في روسيا، وآخرها انخفاض الطاقة الكهربائية المنتجة بين عام 2008 و العام 2009 بنسبة 6 %.

 

إن التصريحات الحكومية المتناقضة في النتيجة، ما هي إلا محاولة لإلهاء الصحافة والناس بقشور أزمة الكهرباء في سورية، وإيقاع جزء من هؤلاء في حيرة وهمية حول حقيقة الأزمة وأبعادها، وإبعادهم بالتالي عن البحث الجدي بالمشاكل الفعلية والواقعية لها.