مناطق العشوائيات.. والنمو خارج الشرعية 

يعد انتشار مناطق السكن العشوائي أو ما يعرف بمناطق المخالفات الجماعية، من الظواهر واسعة الانتشار في مدينة دمشق، وربما في أغلب العواصم العربية، وهي ظاهرة بالغة الخطورة والأهمية، وخاصة لجهة آثارها الاجتماعية، ودلالاتها الاقتصادية والقانونية.

صحيح أنه ليست هناك إحصائيات دقيقة حول أعداد سكان العشوائيات في دمشق وأطرافها، ولكن من المؤكد أن نسبتهم كبيرة جداً ولا تقل في أحسن الأحوال عن نسبة ساكني المناطق المنظمة. ولعل هذا الحضور اللافت للعشوائيات هو ما جعلها تصبح محوراً للعديد من الدراسات الاجتماعية والسيكولوجية، والكثير من الأعمال الأدبية والدرامية التي حاولت تحليل وتوصيف هذه الظاهرة وطبيعة وجودها وماهيته من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. كما أن هناك العديد من الدراسات الحقوقية التي اهتمت بالوضع القانوني لهذه المساكن المخالفة، ولعقود البيع والإيجار المتعلقة بها على سبيل المثال.

على أن لهذه الظاهرة مدلولات ومضامين أخرى على الصعيد القانوني. وأعني على صعيد مفهوم القانون، وعلاقة ظاهرة كهذه بدور القانون وسيادته، وليس على صعيد النصوص القانونية المتعلقة بهذه المسألة فحسب.

فإذا كانت أبرز مهمات القانون صيانة حقوق المواطنين من جهة، وضبط ممارستهم لحقوقهم تلك بما يضمن الاستقرار الاجتماعي، والنمو والتطور الهادئ والمنظم للمجتمع من جهة أخرى، فهذا يعني أن نصوص القانون، وكل ما يبنى عليها من أنظمة إدارية، يجب أن تضمن أكبر قدر ممكن من النمو السليم للمجتمع ضمن القنوات الشرعية.

ويعتبر النمو السكاني وتزايد أعداد المواطنين من أبرز مظاهر نمو المجتمع، ويجب أن تصاغ القوانين وآليات تطبيقها، بما يكفل ضمان حقوق هذا العدد المتزايد من المواطنين. وإلا فإن التزايد الطبيعي في أعداد المواطنين، مع عدم قدرة القوانين والأنظمة على كفالة حقوقهم، سيؤدي بشكل حتمي إلى جعلهم يدافعون عن حقوقهم، ويحاولون اقتضاءها خارج القنوات الشرعية، مما سيعني نمواً مشوهاً للمجتمع في كل الاتجاهات.

ومن أهم حقوق المواطنين هو الحق في الحصول على مسكن ملائم، وبناء على ما تقدم من بيان دور القانون، فإن وجود نصف المواطنين في مساكن غير شرعية، يعني عجزاً خطيراً في قدرة الجهات التنفيذية على العمل وفق القوانين التي تضمن هذا الحق، ويعني تخلياً شبه كامل للحكومة عن واجباتها في هذا المجال. ويعني أخيراً أن نصف المجتمع ينمو خارج الشرعية، مع ما يرافق هذا النمو من تشوهات نفسية واجتماعية، فضلاً عن كون هذه المساكن المخالفة، مساكن غير صحية وغير ملائمة في معظمها.

إن هذه المساحات الواسعة التي تغطيها أكوام مشوهة من الأسمنت المسلح، لا تزال آخذة في التوسع بشكل جنوني، رغم كل المشاريع الحكومية المرتجلة، التي تعزف حيناً على وتر قمع هذه الظاهرة، وتارة على وتر مشاريع قاصرة ولا تتناسب مع توسع الطلب كالسكن الشبابي مثلاً، وغيرها من مشاريع الإسكان «الشعبية». وهذا يعتبر أحد المؤشرات الكثيرة على الأوضاع الخطيرة والمتراكمة لمجتمع ينمو خارج مفاهيم القانون والدولة والمشروعية، كما أنه أمر يفرض البدء بعملية إصلاح شاملة تهدف إلى تغيير العقليات القائمة على سن القوانين وتطبيقها، وإدارة مقدرات البلاد.

 

■ نجوان عيسى