من مفكرة الانتخابات

صدور المرسوم التشريعي رقم 30/ لعام 2003 القاضي بتحديد الثاني من آذار موعداً لانتخابات أعضاء مجلس الشعب، دفعني للكتابة (حول الانتخابات) وأثار لدي شريطاً من الذكريات حول الدورات السابقة، وأسارع هنا إلى القول:

بأنه كان لدي كمواطن يهتم بالشأن العام بارقة أمل بأن يجري تعديل قانون الانتخاب قبل الدور التشريعي الثامن، طالما أن الحديث يجري في البلاد حول تحديث القوانين «وتطويرها» وبخاصة أنه قد مضى ثلاثون عاماً على إصدار قانون الانتخابات العامة، جرت خلالها أحداث عاصفة داخلية وعربية ودولية، هذه الأحداث، تستدعي تعديل ليس قانون الانتخابات فقط، إنما تعديل وتحديث  الكثير من القوانين، بما فيها الدستور السوري، وهو القانون الأساسي في البلاد، الصادر أيضاً منذ ثلاثين سنة، أليس رقي القوانين مقياساً لرقي الأمم وازدهارها، هكذا إذا كان هناك من يطبقها فعلاً في الواقع ولا يضعها على الرف..

ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن في بلادنا العديد من القوانين والمراسيم المعمول بها وفي كل المجالات، أضحت عائقاً في وجه التطوير والتحديث، والأكثر من ذلك أنها تثقل كاهل المواطن،, تجعله مكبلاً بترسانة من الأنظمة، التي تعيق حركته ونشاطه الإيجابيين، يسيطر عليه القلق والخوف من المستقبل، لاسيما وأنه قد مضى على إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية أكثر من أربعين عاماً.

إن قضية الوطن ومصالح الشعب تتطلب منا، كمواطنين أو مسؤولين أن نتذكر ـ عند الإقدام أو مباشرة أي عمل له علاقة بالمصلحة العامة ومصير البلاد ـ إن البشرية قد دخلت الألفية الثالثة وإن العالم يتغير وبسرعة مذهلة، جعلت الكرة الأرضية وكأنها قرية صغيرة, فلم يعد من المعقول أو المجدي أن نفكر بعقلية القرن التاسع عشر، وكأننا خارج العصر وخارج التاريخ، ألم يقل أسلافنا أن الأحكام تتغير بتغير الأزمان...

وهنا لست بصدد التعرض لكل القوانين والأنظمة التي تحتاج إلى تغيير أو تعديل، وهي كثيرة، وإنما سأحصر مساهمتي هذه ببعض جوانب قانون الانتخابات العامة والتي أصبح التمسك فيها، ليس إلا من قبيل التشبث بموضوعات ومواقف وأفكار لفظتها الحياة، وبينت عدم صحتها وهذا ما لمسته الجماهير بتجربتها الخاصة من خلال الدورات السابقة. فإذا أخذنا موضوع الدائرة الانتخابية، كما حددتها المادة /13/ من قانون الانتخابات، والتي تنص على أنه تعتبر كل محافظة دائرة انتخابية باستثناء محافظة حلب، التي تقسم إلى دائرتين، مدينة حلب ومناطق محافظة حلب... كيف يمكن فهم هذه المادة، أليست من قبيل التعجيز، ووضع الصعوبات والعراقيل الكبيرة سلفاً في وجه كل من يحاول منافسة مرشحين من الجبهة والأجهزة... وهل يمكن على سبيل المثال في محافظة كمحافظة حمص، تبلغ مساحتها حوالي أربعة أضعاف مساحة لبنان، كيف يمكن لمرشح، لا تضمه القوائم المدعومة أن يواجه الأجهزة الدعائية والإعلامية والأمنية.. التي تعمل لمصلحة مرشحين مقرر نجاحهم سلفاً، أليس من حق أي مرشح أن يكون لديه كافة التسهيلات لممارسة نشاطه الانتخابي، والتعرف على الناخبين ومشاكلهم وطموحاتهم، وهل يمكن لمرشح في ريف حلب ومناطقها أن يحقق ذلك في ظل المادة المشار إليها، وفي ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية؟

ولنأخذ كذلك المادة /14/ من القانون نفسه والتي حددت في الفقرة /ب/ منها أن تكون نسبة العمال والفلاحين في مجلس الشعب (50%) على الأقل من مجموع مقاعده.

في الحقيقة إن مثل هذا التقسيم وهمي، ففي الدورات السابقة وصل إلى المجلس تحت يافطة العمال والفلاحين الكثير من الأعضاء الذين لايمتون بصلة للعمال والفلاحين، لا من حيث الفكر ولا العمل ولانمط الحياة أو مستوى المعيشة، كما أن بعضهم غريب عن العمال والفلاحين، وحتى أنه يحمل أفكاراً معادية لهم وينتمي إلى أصول إقطاعية أو برجوازية، وينعكس ذلك في أفعاله وأقواله وممارساته.

إن الشفافية والوطنية الحقة تحتمان علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وصريحين مع أبناء شعبنا، ولذلك نقول: إن توزيع الحصص بين أحزاب الجبهة في الانتخابات وقوائم الجبهة وآلية الانتخابات والممارسات التي تجري خلالها، تجعل نتائج الانتخابات محسومة ومعروفة سلفاً. فمن يحالفه الحظ ويحظى برضا جهات معينة يدرج اسمه في القائمة، فيصبح نائباً، قبل أن يذهب المواطن إلى صندوق الاقتراع ويدلي بصوته، وهناك الكثير من الطرائف التي حدثت في الدورات التشريعية السابقة، ولا ضير من ذكر بعضها لأنها ذات دلالة واضحة على المعايير والمفاهيم التي ينظر البعض إلى الانتخابات من خلالها. فقد ذهبتُ مرة إلى زيارة أحد المرشحين فوجدت كمية من السكاكر والحلويات على طاولته فسألته خير، ما هي المناسبة، فأجابني: أصبحت نائباً في مجلس الشعب، فكان ردي كيف أصبحت نائباً قبل أن تجري الانتخابات ويذهب المواطن إلى صندوق الاقتراع ويدلي بصوته؟! فقال لي، ما بتعرف إن اسمي نزل في قائمة الجبهة؟!! (بدون تعليق)...

أحد المرشحين في دائرة انتخابية ما، قام بجولة على عدد من مراكز الاقتراع فوجد أن التصويت يجري علناً، بعد انتهاء الجولة، قابل المحافظ بحضور عدد من أعضاء اللجنة المركزية في الدائرة الانتخابية، وبعض المسؤولين الأمنيين. فنقل إليهم ما شاهده في المراكز، منوهاً بأن التصويت العلني مخالف لأحكام المادة /2/ من قانون الانتخابات العامة والتي تنص على أنه ـ ينتخب مجلس الشعب بالاقتراع السري المباشر من قبل جميع الناخبين ـ  فكان جواب السيد المحافظ مايلي: حرفياً «إن عدداً من أساتذة القانون في جامعة دمشق اجتمعوا، وأخبرونا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بأنه يجوز في الانتخابات عدم دخول الغرفة السرية والاقتراع بشكل علني»!!

هكذا وبكل بساطة؟!! هذه الحاثة أيضاً ليست بحاجة إلى شرح وتعليق....

حادثة ثالثة تدل أيضاً على كيفية سير العمليات الانتخابية في مراكز الاقتراع، فقد زار أحد المرشحين قرية صغيرة في دائرة انتخابية، وتكلم باختصار في بيت مختار القرية، عن أهمية توفير المناخ الديمقراطي في الانتخابات، وعدم ممارسة أساليب الترغيب والترهيب مع المواطنين، كي ينتخب المواطن من يريد وحسب قناعته، فضحك المختار وقال مخاطباً المرشح: ياأستاذ، أنت تريد ديمقراطية؟ هل تعلم أن عدد الناخبين في هذه القرية لا يتجاوز الـ400 ناخب، نصفهم خارج الوطن سعياً وراء لقمة العيش، ورغم ذلك في الانتخابات السابقة فتحنا الصندوق، وبدأنا الفرز، فوجدنا أن عدد الأوراق أكثر من 1000 ورقة اقتراع، والأغرب من ذلك (الكلام للمختار) أن والدتي متوفاة منذ أكثر من 15 سنة بقدرة قادر قامت واقترعت..؟!!

هذا المرشح نفسه سأل مواطناً: هل مارست حقك في الاقتراع؟ أجاب: طبعاً مارست حقي أكثر من مرة وفي أكثر من مركز، مرة في مكان إقامتي في القرية، ومرة في مكان عملي، ومرة ثالثة في أحد مراكز المدينة، ولكن هذا التصرف من قبلك جريمة يعاقب عليها القانون، وفيها حبس، ضحك الناخب وأجاب، لم يسألني أحد ولم يعاقبني أحد..

اكتفي بهذا القدر من هذه الحوادث الطريفة، فهناك العديد، العديد منها، والتي يعرفها القاصي والداني من أبناء شعبنا...

ولكن لابد لي أخيراً أن أقول: بأن عضوية مجلس الشعب شرف كبير لمن يختاره الشعب في مناخ ديمقراطي حقاً، في ظل دولة  القانون والمؤسسات الدستورية، حيث يمكن للمواطن أن يمارس حقه المشروع، وأن تحترم إرادته، فيختار من يريد حسب قناعته بعيداً عن الترغيب والترهيب... فلا يجوز أن تكون هذه العضوية من أجل المكاسب والمنافع الشخصية، بل يجب أن تكون مسؤولية كبيرة يحملها من يفوز بها في مجلس شعب كامل الصلاحيات يأخذ دوره الفعلي في صنع القرار، من أجل الدفاع عن الوطن وحقوق المواطنين في هذا الظرف العصيب الذي تتعرض فيه أمتنا العربية لأبشع وأشرس هجمة أمريكية صهيونية حاقدة في العصر الحديث، وهذا يتطلب مؤسسات قادرة على صنع القرار، يتطلب قانون انتخابات عصري ونظاماً انتخابياً فعالاً ومتقدماً يعيد الثقة للشعب والحياة السياسية الفاعلة  للمجتمع

■ المحامي: نايف قيسية