انتخابات مجلس الشعب .. تلوث بصري

■ 89% لا يذكرون من انتخبوا في الدورة السابقة

■ النواب اللبنانيون أشهر من أعضاء مجلس الشعب السوريين

■ لو يقدم المرشحون هدايا في عيد الحب

■ صور المرشحين تأتي لتحل محل الإعلانات التجارية

في العدد الأخير من قاسيون وبعد أن تراجعت الصفحة الثقافية جغرافياً، إلى قلب الجريدة، نشر على الصفحة الأخيرة تحقيق عن انتخابات مجلس الشعب بعنوان «مرشحون في الظل» وقد عمل كمي الملحم في هذا التحقيق على سبر الكثير من الظواهر المرتبطة  بالانتخابات التشريعية، واضعاً إصبعه على الكثير من المشاكل، لا بل نستطيع أن نسحب النتائج التي وصل إليها ملحم إلى البنية الاجتماعية كلها للناخب السوري ونستخلص منها الكثير من النقاط الهامة لعلاقة المواطن السوري مع واحدة من أهم استحقاقات مواطنيته.

إلاّ أن النقطة التي أثارت اهتمامي هي «التلوث البصري الذي يرافق الحملة الانتخابية» والتي أوجزها كمي في تحقيقه والتي تصب في قلب التحقيق الذي أعمل عليه،.

فمع حلول بواكير الانتخابات تبرعم صور المرشحين في كل مكان، صور بابتسامات واثقة ونظرة ملؤها التحدي والرغبة العارمة في العمل وفم يوحي بالكثير مما يقال…دون أن يقال، عناوين صغيرة فرعية خجولة، دون أي مضمون حقيقي، هل سيبقى من هذه الأسماء والصور أي شيء، هل ستزهر براعم صور المرشحين هذه المنتشرة على أكشاك الهاتف وعلب الكهرباء والمياه، وجدران المدارس، أم أنها لن تكون إلاّ مجرد صور علقت في يوم ما هكذا.

أين الشعب من المجلس وأين المجلس من الشعب:

قبل نحو سنتين قمت بإعداد تحقيق طويل واستبيان للرأي عن مجلس الشعب لإحدى الصحف الجديدة، شمل التحقيق كل المناطق المحيطة بمجلس الشعب السوري خلصت منه بالكثير من النتائج، لم ينشر هذا التحقيق كاملاً، إحدى أهم هذه النتائج أن 89%  من الأشخاص الذين أجريت معهم الاستبيان لا يذكرون من انتخبوا في الدورة السابقة، أما الـ11% المتبقية لا يذكرون كافة الأسماء التي انتخبوها، 75% من الأشخاص لا يتذكرون إذا كانوا قد مارسوا حقهم الانتخابي أصلاً، 80% من الأشخاص الذين أجريت معهم الاستبيان لا يذكرون اسم أي أحد من مرشحي الدورة السابقة حتى أكثرهم شهرة، 50% من  الأشخاص لا يعرفون ما هي مهمة أعضاء مجلس الشعب، استطاع 35% من الأشخاص أن يتذكروا أسماء نواب لبنانين ولم تتعرف النسبة العظمى على أسماء نواب سوريين ذكروا في الاستبيان، 95% من الأشخاص لا يتذكرون إذا كانت هناك برامج انتخابية مرافقة للحملة الانتخابية، 35% من هذه النسبة لا تعرف حتى معنى البرنامج انتخابي.

واصطدمت وقتها بتعليقات من نوع «ما الفائدة؟»، «هل حقق لك المجلس أي شيء»، «ولم سأنتخب ما الذي سأجنيه من كل ذلك؟»  «أذكر أني انتخبت عدة أشخاص على رنة أسمائهم»، «من أنو عشيرة سأنتخب»، وقد سئلت من قبل أحد الأشخاص صراحة «هل تؤمن بمجلس الشعب ؟» وعندما لذت بالصمت ضحك الشخص وغادر ولم يقبل أن يملأ ورقة الاستبيان، (أما أكثر الأشخاص الذين قابلتهم وأجابني إجابة مقنعة فكان رجلاً كبيراً) في العمر يعمل في سوبر ماركت في الشعلان قال لي بعد أن ملأ ورقة الاستبيان بابتسامة عريضة «إن الترشيح لمجلس الشعب وانتخاب أعضاء لهذا المجلس أمر ضروري، لأمرين، الأول كي يكون هناك مجلس للشعب ثانياً أن يكون هناك شعب لهذا المجلس..وهو الذي انتخبه».

كله عند العرب صابون

والآن وقبيل بدء العملية الانتخابية توجهت مرة جديدة إلى الشارع كي أسأل الناخبين في الشارع عن رأيهم في الحملة الانتخابية لهذه الدورة وكيف يرون وكيف يقيمون هذه الحملة الانتخابية وهل ستؤتي كل هذه الصور والإعلانات ُأكلها مع عملية الاقتراع، على أن نتوجه في العدد القادم إلى مجموعة من العاملين في العملية الإعلانية لسؤالهم عن الحملة الانتخابية وبعض المفاهيم الجمالية، الفنية، والثقافية المرتبطة بالحملة الانتخابية.

«كله عند العرب صابون» أعتقد أن هذه العبارة تتجلى بشكل واضح خلال العملية الانتخابية أجابني غسان وهو طالب جامعي، ويتابع  لا بل أكثر من ذلك أعتقد أن كل الإعلان بكل أشكاله عند العرب هو مادة، فبعد صور المأكولات وأدوات التنظيف الطبخ والمشروبات إلى آخره من المواد تأتي صور المرشحين لتحل محل هذه الإعلانات أو بالتناوب معها، وسأشرح لك المثل بشكل أبسط، سواءً كان المنتج الصابوني برت بلاس أو هد أند شولدرز أو صابون غار شغل حلب المهم أن يقوم بعملية تنظيف الرأس، أليس ذلك هو المهم، والأمر ذاته بالنسبة لمجلس الشعب سواءً كان فلان أو علتان، س أو ج، لا فرق المهم أن يكون هناك مجلس للشعب، ولا أعتقد أن هذه الإعلانات ستساهم بأي شيء سوى تشويه الطرقات العامة لا أكثر ولا أقل، وطريقة الإعلان تدل على ذلك.

أما سميح وهو طبيب فأجبني أن القائمين على الحملة لا يملكون أدنى فكرة عن معنى الحملة الانتخابية، ماذا يهمني من صورة المرشح، أعتقد أن القائمين على كل العملية الإعلانية في بلدنا وليس المرتبطة فقط بمجلس الشعب، متخلفون مئات السنين إلى الوراء، الآن لم يعد المطلوب ما هو شكل المنتج، بل ما هو أثره .. واعتقد أن الأمر ملغي بطبيعة الحال على طريقة «يلي بجرب المجرب.. .».

إن النتائج التي خرجت بها في الاستبيان السابق دليل كبير على فشل عملية تكرار الأسماء والصور التي يقوم بها المرشحون لا يستطيع رغم هذا التكرار الفظيع لصور المرشحين أن يثبتوا أي شيء/ إلاّ أن هذه الأسماء لا تبقى في الذاكرة، وتزول فمن ينتخب الناخب؟.

الحملات الإعلانية تدخل في صلب المفاهيم الجمالية:

أجابت رنا تعمل في إحدى الصحف الجديدة: إنه سؤال جيد، إن الناخب ينتخب المرشح الذي يعرفه، بمعنى أدق ينتخب المرشح الذي يعرفه شخصياً، وإلا فإنه لا ينتخب، بل يقدم ورقة فيها مجموعة أسماء لا أكثر ولا أقل. وعندما سألتها عن رأيها بالحملات الانتخابية، ضحكت وقالت، أي حملات انتخابية، هل تعتقد أن أحداً سينتخب وفقاً لهذه الصور المعلقة هنا وهناك، لا أبداً، وعندما قلت لها أن بعض المرشحين بدأوا بنشر برامج انتخابية، قالت لي هذه الجمل، إنها ليست إلاّ حبراً على ورق، لا أعتقد أن أحداً سيتوقف لقراءتها، إلى أي مدى تهم المواطن، على كل حال أعتقد أن مصالحي ومصالحك متضاربة لأنني أعد الآن تحقيقاً عن مجلس الشعب، وغادرت مسرعة.

رائد طالب فلسفة أجاب تدخل العملية الإعلانية في أوربا في قلب المفاهيم الجمالية، ولها عدة أهداف، ولم يعد الناخب يقتنع بالـ«جلا ..جلا» التي تقام لدينا أظن أن كثيراً من المرشحين، مدركون للعبة الانتخابات، والدليل أن الكثير من المرشحين لا يسمون المعركة الانتخابية بالمعركة بل يكتفون بالحملة.. من يصوت .. من ينتخب .. من يفرز الأصوات، ومن…

وبمقابل هذه الإجابات الملتزمة حظينا بإجابات من نوع «أعتقد بأن الحملات الانتخابية ستترافق مع كثير من الأعياد بما فيها عيد الحب، وأقترح أن يقدم المرشحون هدايا للحبّيبة وسيكسبون بذلك كثيرا» أو إجابات من نوع «أنا لا أنتخب» لماذا وكيف لا جواب، بينما تراوحت إجابات الكثيرين بين  «قل لي من ستنتخب وسأنتخب أنا أيضا»، أو «ما رأيك بهذه الصورة أليست جميلة سأنتخبه»، «لم أصبح بعد في الثامنة عشرة وعندما سأبلغ الثامنة عشرة سأنتخب» بالرغم من أن الشيب قد غطى رأسه كاملاً..

 

■ ع . س