رمضان بين السائل والمسؤول

على الشاشة الملونة، للتلفزيون السوري، ذي العشرين بوصة على أقل تقدير، تجري مذيعتنا العزيزة، مقابلات متنوعة في بيوتات الناس، وعلى أرصفة الطرقات، لتتحدث مع من تقابلهم بكامل ما أوتيت من ثقافة متينة، ولغة رصينة، وبقدر ما وهبها الخالق من ماكياج فاقع، عن «المعاني والعبر» التي نستلهمها من هذا الشهر الفضيل.

ولشد ما تتفكر مذيعاتنا في هذه المعاني والعبر، في أي لقاء تجريه مع الناس، ولو كان الحديث يدور حول أكلات السمك، بما فيها السمكة الحرة، والسمكة المحشية، والسمكة المقلية، والسلطان إبراهيم. في المقابل، سيجيب من يقع عليه السؤال، على أسئلة المذيعة الملحة بعد أن تستدرجه إلى خانة اليك بتضمين سؤالها جواباً، فيبدي لها انطباعاته الشخصية بحيث يتوسع في المعاني والعبر، ليتحدث عن العادات والتقاليد الرمضانية، وإحياء التراث الرمضاني، وصلات الرحم وذوي القربى وإصلاح ذات البين وزكاة الأموال، وصدقة المسكين وغيرها مما اعتاد «المسؤول» المسكين الإجابة عليها، كما اعتادت المذيعة سؤالها، وهو المسؤول الذي لا يملك ثمن «الديجتال» ليبدل المحطة المعتادة، بأخرى أكثر إقناعاً وأقل اعتياداً...

■ للصدفة المحضة، التقت المذيعة إياها، مسؤولاً لم يخطر لها على بال..

مسؤول لم يسأل إلا عن قوت عياله، وصوت زوجته التي تعد له حسبة ما تبقى لهم من الراتب لآخر الشهر مع بداية كل صباح، فيما أطفاله يتشاجرون على حق كل منهم وحصته في الفطور اليومي..

وكي لا يغرق الرجل في بحر الشتائم والنحيب والصراخ، يخرج من بوابة منزله مهرولاً إلى وظيفته لتتلقفه المذيعة السائلة على موقف الباص، ومايكروفونها موجه إلى صدغه، وهو الرجل الذي عرف جميع مذيعات التلفزيون، وحفظ جميع أسمائهم عن ظهر قلب، وعرف ما سألوا وما سوف يسألون، وحدق فيهم مطولاً، قبل أن ترتسم معالم الغيرة على وجه زوجته محذرة إياه من قلة حيائه.

الرجل الذي مل كثرة الأسئلة وانتظر جواباً وحيداً، حبذ أن يتغدى بالمذيعة قبل أن تتعشى به، وأن يفاجئها بالجواب قبل أن تصوب له السؤال:

■ متزوج ومتعلم وحصلت على دبلوم جامعي..

■ أعمل موظفاً في الإرشادية الزراعية، وراتبي خمسة آلاف ليرة سورية، ولدي ثلاثة أطفال تركتهم يتشاجرون في منزل لا أملكه..

■ متوسط إنفاق أسرتي وفق حسابات زوجتي لعام 1998 بلغ 11344 ليرة سورية، وفي عام 2001 وصل إلى 14544 ليرة سورية،  وذلك لا يعود إلى زيادة طلبات بيتي التي بقيت كما هي، إنما لزيادة أسعار السوق التي لم تبق كما هي..

■ يزداد إنفاقي في رمضان وفق الحسابات الآنفة الذكر، بمعدل خمسين بالمائة وتظهر الزيادة على حد قول زوجتي التي تغار منك. في الغذائيات والملابس والمواصلات وما تبقى لنا من واجبات عائلية تسمونها «صلات ذوي القربى».

■ بالنسبة للمعاني والعبر التي استلهمتها مع بداية هذا الشهر، فجلها متعلق بأيام العيد الثلاثة المقبلة، وحجم المصاريف التي سأتكبدها مع ارتفاع أسعار اللحوم والخضار والفواكه والحلويات والملابس والمواصلات والمعجنات والمكسرات والمشروبات والمحروقات والمفرقعات، فأنا بالأيام العادية غير الاستثنائية، أصرف كل شهر ما يزيد عن ثلاثة أمثال راتبي، فماذا سأفعل في أيام العيد المنتظرة؟ هل أبيع ثيابي؟

الاستدانة من الأقارب انتهت وانتهت معها صلات ذوي القربى، والاستعانة بقروض العمل انتهت، وخربت بيتي، والمدخرات الصغيرة نفدت، والمصوغات الذهبية باعتها زوجتي في ليلة الدخلة، والجمعية التي اشتركت بها مع جيراني، صرفت قبل أن تدخل جيبي، وليس أمامي سوى أمل وحيد،وهو أن  أشارك في برنامج مسابقات، يكون من إعداد حضرتك وإخراجه، وأفضل أن يكون البرنامج على الطريقة اللبنانية أو السعودية أو القطرية، علني أوفي ديوني من مصاريف الخضار والفواكه  والحلويات والمعجنات والمكسرات والـ....

■ المسؤول الذي لم يفرغ من كلامه بعد، يتابع ما عزم عليه من كلام، وجمهرة من الناس تصغي إليه، فيما  تنسحب المذيعة وكاميراتها وميكروفونها لتبحث عن مسؤول جديد، أكثر لباقة وأقل وضوحاً.

 

■ المحرر