بين الساقية وثقوب البركة
من خلال الصمت المطبق، الذي كان يخيم على جو المضافة العامرة بالفلاحين، كان يلعلع صوت معلم المدرسة،وهو يتلو بعض الآراء المنشورة حول مشروع برنامج الإصلاح الاقتصادي، عندما قاطعه العم حمدان بصوت عال:
■ يكفينا حجي يا أستاذ.. كلها سوالف جرائد ما تخش الراس ومامنها فايدة.
■■ عليش يا عم حمدان؟
■ خابصين حالهم يناقشون الموضوع بحرارة، هذا ينطي راي، وذاك يقدم اقتراح وثالث يزاود، مثل الصحيح.. تقول راح يطالعون الزير من البير..
■■ هذول دكاترة، يعني علماء اقتصاد، مو حجي قرايا..
■ حجي قرايا ولا سرايا كلو سوا.. ميت قرار ومرسوم وقانون صدر بهلبلد لصالح الشعب، لا أحد يقرا ولا أحد ينفذ، حتى ولا أحد يسال ويحاسب ليش ما ينفذ، مثل قول الحضري: حبر على ورق.
■■ لا ياعم حمدان، المشروع يقول راح تزداد ثروات البلد 3% بالسنة، وهذا مو قليل أبداً.
■ ضحك العم حمدان حتى اخضلت مدامعه، وبانت نواجذه وقال: أنا أقدر أزيدها 10% بشهرين.
■■ اشلون؟ علق أحدهم.
■ بس مو بالعكال.. استفزه آخر:
■■ عكالك ما صار عصا الطاعة..!
■ يا وليدي.. الأعوج ما ينعدل ويصير ساوي بالكلام والنصيحة يلزموا دك ضرب قوة. عصا الطاعة من الجنة.
■■ هات انطينا شورك ورأيك.
■ عدل من وضع عكاله، ورمى بطرف كوفيته خلف ظهره وقال: بهلبلد موجود آلاف الحرامية الكبار نهبوا خيراتو.و..... بعضهم بمراكزهم وكراسيهم، اكضب مية ميتين منهم، واسألهم واحد واحد: ياول.. صرت مدير. خلي راتبك عشرة عشرين ثلاثين ألف بالشهر.. من وين جمعت مبالغ فيلات وشاليهات وسيارات وشركات غير رساميلك بالبنوك الأجنباوي، وغير مصاريفك ومصاريف عيالك أكثر من خمسين ستين ألف بالشهر؟! مال الحرام ريحتو جايفة هو يدلك على مكانو.. صادرو وشوف اشلون تزداد خزينة الدولة أكثر من 10%
■■ استفزه أحدهم: أشوف ما جبت طاري (ذكر) أكبر من مدير؟
■ ضحك كثيراً وقال: تريدون تورطوني مع ربع حكومي أبو خط حلو.
■■ ضج الحاضرون بالضحك، لكن العم حمدان أكمل قائلاً: خزينة الدولة مثل بركة فلوس.... حيل خيرها لكل الناس، عليها حراس.. بعضهم حافر نقب (ثقب) سري من تحت البركة، يوصل بيتو.. إش فايدة تدور على ساجية جديدة، قبل ما تسد ثقوبها، وتبعد الحراس الحرامية، وتحط حراس أمينين نزيهين؟ بعدها دور على ساجية.. وإلا راح تزيد حصة الحرامية..
■ عبدي يوسف عابد