بلدية القامشلي لا تستفيد من أخطائها!! مرة أخرى.. هدم ..دون تأمين البديل المخطط التنظيمي: قبل بناء الأحياء أم بعد بنائها؟

لابد من الإشارة في مستهل هذه الوقفة، إلى  أن أي تطوير من قبل مجالس المدن والبلدات في مجال عملها المباشر الذي يمس مواطنينا لهو موضع تقدير، لا سيما إذا كان ذلك محاولة منها لوضع لمسات أكثر حضارية، بخصوص مدينة مثل القامشلي، بقيت شبه محرومة إلى وقت قريب من كثير من ضروب العناية، رغم وجود إمكانات كبيرة لتطويرها.

ولعلَّ الخطوة التي قام بها المجلس البلدي مؤخراً في تنفيذ حزام المدينة، مبادرة مشكورة من قبل هذا المجلس، رغم إنها جاءت متأخرة جداً، بل ورغم أهمية موقع هذه المدينة، وخصوصية مكانتها الاقتصادية حقاً… ما لا يسع له الحديث هنا.

بيد أنه يمكن الإشارة هنا ولو على عجل، أن تنفيذ هذا الحزام، الذي هو لغة جميلة، «تحديثية» ـ إن جاز القول ـ إلاّ أنه جاء على حساب مواطننا الذي تم اكتساح مأواه السكني، على الرغم من المجلس البلدي ـ مشكوراً ـ قد قرر تعويض هذا المواطن المتضرر بمنحه قطعة أرض إضافية كبدل عن تكاليف البناء، بينما كانت لا تقدم فيما قبل سوى قطعة أرض واحدة تساوي مقدار الأرض التي يشغلها البناء وحده وفي منطقة هامشية تكاد تكون خارج العصر، لا تساوي فيها إلاّ أجزاء ثمن الأرض المكتسحة… ولدينا أمثلة كثيرة في هذا المجال..

عموماً، إن من يذهب هذه الأيام ـ إلى منطقة تنفيذ حزام المدينة، يجد بأم عينيه واقع المواطنين الذين أنذرتهم بلدية القامشلي بضرورة إخلاء منازلهم ضمن مدة عشرة أيام فقط، وإلا فستكون مضطرة لاتخاذ اجراءاتها بهذا الصدد، ألا وهي تكبيد هذا المواطن غرامات مالية

(نرفق صورة عن إنذار البلدية للمواطنين أصحاب المنازل المكتسحة).

حقاً، إن واقع هؤلاء المواطنين مؤلم جداً، فعلى سبيل المثال نجد أن الأسرة برمتها منهمكة بهدم منزلها، وبالتالي الحرص على المواد المستعملة في البناء القديم لنقلها إلى الأرض الممنوحة لهم كبديل عن أرضهم المكتسحة، وذلك بغرض توفير بعض المصاريف… وسيجد هؤلاء المواطنين يعملون وعلى حساب عملهم الذي يكاد يؤمن بالأصل لقمة أبنائهم… بالكاد… وتحت أشعة الشمس وعوامل الطبيعة، وجميع أغراضهم وحوائجهم المنزلية المختلفة في العراء، والغبار يتصاعد، وثمة منهم من لا يجد المأوى حتى الآن وهم كثير، فتفترش أسرته ذلك المكان الذي يذكرنا بأطلال الأمكنة التي تعرضت للتو لحرب ضروس في الشعر العربي القديم… بل وفي السينما المعاصرة على حد سواء…

ولكن هل هذه هي الصورة كاملة؟

وهل ما قدمته بلدية القامشلي لهؤلاء المواطنين من «كرم حاتميٍّ» كاف لإنصاف هؤلاء المواطنين.

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها التقينا عدداً من الأخوة المواطنين المتضررين.

عشرة أيام…. تهزّ القامشلي:

حدثنا المواطن ـ خ ـ ح وبحماس شديد:

لقد تلقينا إنذاراً بتاريخ 24/9/ 2002 من رئيس مجلس مدينة القامشلي بضرورة هدم المنزل في مهلة محدَّدة، ولكن هذا القرار ـ برأيي ـ اعتباطي، وضع في مكتب المجلس البلدي وتجاهل الضرر والأذى اللذين سيلحقان بأسرنا، إن مدة عشرة أيام لا تكفي هدم منزل كامل… وبناء منزل جديد وإلا فليثبت أصحاب القرار… خطأ ما نقول، وسنخصص جائزة كبرى لرئيس بلدية القامشلي أو أي عضو مجلس بلدي فيما إذا استطاع أن يفعل مثل ذلك بادئاً (ببيته) طبعاً… مادام أنه لا يوجد أحد أحسن من أحد… ووضع المدينة كلها مع المخطط هو وارد.. وعلى هذا المبدأ فإن كل بيوت القامشلي (مهددة) بأي مخطط مستقبلي بما في ذلك مبنى البلدية نفسه!

وعلق المواطن هـ. ح بالقول:

يمكن وصف ما يجري للأسر المتضررة بأنها مأساة حقيقية، بلدية القامشلي لا تفكر إلا بنصف معادلة العلاقة التي تربطها بالمدينة ألا وهو تنفيذ خططها البائتة، دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة هذا المواطن، فهلا علمت البلدية الموقرة أن خطوتها ـ المباركة ـ هذه جاءت مع بداية افتتاح العام الدراسي، وأن المنطقة التي قررت نقلنا إليها هي خارج خريطة التاريخ لا مدارس، لا خدمات: مياه وصرف صحي وهاتف ولا طرق معبدة ةةة.

أجل… أين المدرسة؟

وتقول المواطنة هـ:

أجل ابنتي تبكي منذ الصباح الباكر هذا اليوم، فكل زملائها وزميلاتها ذهبوا إلى المدرسة، وإنها منذ أيام دون ـ مدرسة ـ والأنكى من ذلك هو أن المنطقة التي قرر نقلنا إليها بدون مدارس.

بلدية القامشلي.. صحَّ النوم…!:

تقدم شاب آخر منا وعلّق قائلاً:

يمكن أن تقول لبلدية القامشلي: صحَّ النوم..!!

ترى أين كانت حتى الآن، طوال الصيف المنصرم، لماذا بدأت عملها بشكل معكوس؟ ـ لقد كان حرياً بها ـ أي بالبلدية ـ أن تقوم بتأمين الخدمات المتعددة للمنطقة التي اختارتها لنا ـ وهي تبعد كيلو متراً عن المدينة ـ لا سيما: طريق معبد مدرسة ـ مياه ـ كهرباء ـ …. الخ.

نريد قروضاً عقارية

ويقول آخر: نحن مع أن تكون مدينتنا جميلةعلى أن لا يكون هذا الجمال على حساب إناس أبرياء مثلنا، لا موارد لهم ولا إمكانات البتة لإعادة إعمار منازلهم، أنا شخصياً موردي الشهري لا يغطي سوى تأمين خبز الأولاد يومياً… فكيف سأستطيع تأمين نفقات إعمار منزل جديد… فلماذا لم تعمد الجهات المعنية إلى منحنا قروضاً سكنية عاجلة لاستدراك جزء من الخطأ…

بلدية بلا إنجازات

ألم تضع بلدية القامشلي نصب عينها مسألة دراسة مصلحتنا قبل مسألة دراسة مصلحة المدينة بشكل عام، لماذا لم تقم بتجهيز منازل بديلة لنا قبل أن تقدم على هذا العمل الذي يبدو إنها تريد أن يكون ـ باكورة ـ اهتمامها بالمواطن الذي صار يحسّ أن البلدية لم تقدم له شيئاً مهماً منذ سنوات فهل يقبل السادة أعضاء المجلس البلدي أن يعيشوا هم وأولادهم معنا ولو شهراً واحداً… هناك بعيداً عن المدينة.. لقد كنا يا أخي وسط المدينة، والآن أصبحنا خارجها فكيف سيلتحق أبناؤها بوظائفهم؟ كيف سيتم إسعاف مريض إلى المدينة.. حيث لا مواصلات مؤمنة… لا صيدليات…

والله… نحن فقراء….

وصرخت بأعلى صوتها امرأة عجوز تذكر بإحدى الشخصيات الروائية البائسة هناك أمر أرجو ألا تنساه: كل أهالي المنازل المكتسحة فقراء، بل معدمون، وأغناهم من هو ذو دخل محدود…

ألم يسأل جهابذة البلدية: أين سنسكن بعد هدم منازلنا؟

فجأة آجار البيوت ارتفع ـ أنا أبحث منذ عشرين يوماً عن منزل استأجره بدون جدوى… ثم أن أجرة المنزل تعادل راتباً كاملاً لزوجي ناهيك عن أننا فعلاً فقراء… والآن أصبحنا على باب ـ البلدية.

كلام مسؤولين…. فقط:

أنا شخصياً تحيرني تصريحات المسؤولين الكبار، قصور: بعد أن أعلمنا معد أحد البرامج الاذاعية في اذاعة دمشق بواقعنا.. وتمت إذاعة الخبر على الهواء فإن أحد المسؤولين الكبار أجاب بأن المنطقة مخدمة وتم فيها تأمين الماء ـ الكهرباء… الخ.. وأتحدى أن يكون هذا الكلام الهوائي صحيحاً وها نحن اليوم في 5/10/2002 وتفضل معنا لتجد أن المكان ليس إلا جزءاً من مساحات زراعية محروثة.

ومما يؤلم أكثر أن يتذرع ذلك المسؤول بذريعة لا علاقة لها بالصحة وهي أن المنطقة المكتسحة منطقة مخالفات…؟ وبهذا المعنى فإنه يمكن القول: إن منطقة القامشلي بكاملها إذاً… منطقة مخالفات… رغم ان هذه البلديات سبق وهدمت منازل أقدم من البلدية نفسها ـ وأشارت إليها الصحافة آنذاك ـ كما أن لدينا ثبوتيات تدحض هذه المزاعم اللا مسؤولة.

عود على بدء

لقد اطلعنا على واقع هؤلاء المواطنين المتضررين، ونكاد نقول: إن أكثر ما أدلى به هؤلاء المواطنون من آراء رغم انفعاليتها صحيح ـ إن لم نقل جميعها…

وإذا كنا هنا نشير ـ وبإنصاف ـ إلى أن التفكير بتعويض المتضررين بـ«مقسم» من الأرض إضافي، لتغطية أجور البناء، هو خطوة مشكورة من البلدية؟ ولكن كما تساءل المواطنون يمكن أن نقول: من يشتري هذه القطعة من الأرض خلال ساعات ويدفع أجرتها للمواطن المتضرر ولا نقول: المنكوب ـ لاعتبارات صحافية… ، كما أن هذا التوقيت الذي ارتأته البلدية… حيث الشتاء على الأبواب… (إذا هطلت منذ أيام زخات مطر وكان الكثير من هؤلاء المتضررين مع أبنائهم ينامون تحت المطر… وفي العراء… دون مسكن) بل أن مصلحة تلاميذ المدارس لم تؤخذ حقاً بعين الاعتبار، كذلك نسأل:

أما آن الأوان لتتعامل البلدية بشكلٍ حضاري مع هذه الحالات الإنسانية ـ إذ إن عليها أن تقوم بتجهيز شقق ومنازل سكنية لمن تنوي اكتساح منازلهم… قبل أن تمتد أيدي بلدوزراتها المباركة لعمليات اكتساح المنازل.

وإذا كنا قد علمنا بدورنا أن الجهات المعنية جادة حقاً لتأمين الخدمات فإننا نقولة: إذا كانت هذه الجهات حتى إعداد هذا الريبورتاج لما تبدأ …. فمتى سيكون هذا الشيء ـ ثم لماذا المخططات التنظيمية في العالم كله تسبق بناء الأحياء والمدن إلا عندنا حيث تتخلف هذه المخططات عن بناء الأحياء وأماكن السكن سنوات… ضوئية؟

أسئلة كثيرة نضعها بين أيدي المسؤولين والجهات المعنية في محافظة الحسكة على أمل أن تكون الإجابة من قبلها هذه المرة ـ عملية ـ لا مجرد كلام… كما نفعل على عادتنا، كما أردنا التنصل من أخطائنا… وما أكثر ما نفعل مثل هذا؟

■ إبراهيم اليوسف

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.