دمتم بخير كل مين يحلَم على قدّو !!
وكأنه يراد أن يستمر موضوع اقتناء السيارة حلماً بعيداً وصعب المَنال على المواطن السوري، فبعد سنوات طويلة من إصدار (أشباه القرارات) أو الاكتفاء بالتلويح بها، والتي قد تعطي بصيصاً من الأمل للمواطن بأنه قادرٌ على اقتناء سيارته الخاصة المتواضعة، ولو بعد 20 عاماً من (التصميد)، أتى القرار الجديد برفع سعر البنزين - و الكاسح في توقيته ومضمونه- ليقول مجدداً، لهذا المواطن : " كل مين يحلم على قدّو!؟؟".
بحسبة بسيطة، و دون التطرق إلى الرسوم والضرائب الملحقة، فإن السيارة القديمة والرخيصة نسبياً سعرها 350- 450 ألف ل.س بالمتوسط، وهي تعادل راتب موظف لمدة 5 - 7 سنوات فقط!! هذه السيارة تستهلك تنكة (600 ل.س) كل 150 ك م بالمتوسط، وصاحبها غالباً (درويش) و يقطن بالتالي في ضواحي مركز المحافظة (ولتكن دمشق مثلاً) ولو افترضنا أنه استعملها مع عائلته ولمرة واحدة فقط يومياً (الحد الأدنى) فهو سيقطع من وإلى دمشق 15 كم بالحد الأدنى أيضاً، أي 60 ل.س يومياً...أي 1800 شهرياً، أي ما يقارب 25% من راتبه!! ولم نتحدث بعد عن أحقية أو عدم أحقية هذا المواطن باصطحاب أسرته - لاقدّر الله- سيران بعيد أو مشوار طويل ولو مرة بالأسبوع!!
الغريب هو التبريرات القادمة من جهات حكومية، تتباهى بأنه رغم هذا الرفع في الأسعار فإنها لا تزال دون مستوى أسعار البلدان المجاورة، ويضربون مثالاً الأردن ولبنان غالباً، نعم سعر ليتر البنزين 36 في لبنان و40 في الأردن بينما في سورية أصبح وبعد الزيادة 30 ل.س، لكن لا أعرف لماذا نستمرّ في (الغشمنة) وننسى أمرين بديهيين، الأول أن سورية بلد مصدّر للنفط وليس مستورداً كما هو حال البلدين المذكورين!! والثاني أن مستوى الرواتب والأجور في أي من البلدين المذكورين يفوق ما هو عليه في سورية بـ 10 أضعاف على الأقل!!
ما يعني مثلاً أن شراء تنكة بنزين واحدة فقط، ولمرة واحدة فقط تعادل 10% راتب موظف ولمدة شهر بكامله!!
أما إذا كان المواطن مقتصداً ومدبّراً، واكتفى بـ (تنكة واحدة) وخصص بالتالي 10% من راتبه شهرياً كفاتورة بنزين فإن عليه أن يقسّم الـ 150 كم على 30 يوم، وبالتالي يجب أن لا يسير بسيارته أكثر من 5 كم يومياً !!!، أمّا إن اضطر مع عائلته لقطع مسافة أطول فلهم أن يكملوا المشوار على أقدامهم !!
وضمن سلسلة التبريرات أيضاً أن المقصود هو ضبط استهلاك سورية من البنزين الذي نما بشكل مثير عام 2005 وبنسبة 17% مقارنة بـ 5% فقط من العام الذي سبقه، وأن سورية يصعب عليها أن تكون معه مستوردة لمادة البنزين(1.5 مليون متر مكعب)، لكن وبالمقابل ثمة إحصاءات غير دقيقة تشير إلى وجود أكثر من 135 ألف سيارة حكومية، فضلاً عن عدد كبير أيضاً من المركبات والسيارات التابعة للجيش والشرطة والأجهزة التابعة، وهنا يأتي السؤال: إذا كان المقصود هو ضغط الاستهلاك فهل تأثر استهلاك السيارات (قسائمية) التعبئة - وما أكثرها- من هذه الزيادة؟؟
غريب حقاً، كيف نتحدث عن التوجهات بإيجابية، بينما ننفذ مراحلها بانتقائية سلبية، يقولون: "جاء تخفيض الدعم بشكل تدريجي ضمن خطة الحكومة لرفع الدعم تدريجياً، ...... على أن يترافق مع تحسين مستوى معيشة المواطن وتحسين دخله " .
لاحظوا معنا كيف ننفذ الشطر الأول من هذا البيت الشعري من الوزن الخفيف الظريف اللطيف، ثم ننام قبل قراءة التتمة !!
■ هاني الملاذي