من القرارات إلى التوصيات إلى الأدراج

عندما كتبت أمنياتي بالعام الجديد في العام الفائت، تمنيت أن تكون تلك آخر مرة أكتب فيها عن الإحصاء الاستثنائي المشؤوم والمفضوح ، ومما عزز في نفسي الآمال الكبيرة بتحقيق تلك الأمنية أننا كنا مقبلين على حدث هام، وهو انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي، وكنت من عشرات الآلاف الذين انتظروا صدور قرار من المؤتمر لوضع حل نهائي لهذه المشكلة المختلقة ولكن هيهات ..

فما كل ما يتمناه المرء يدركه وتجري القرارات بما لا تشتهي.......؟

وها هي الذكرى الثالثة والأربعون تمر وما زالت المشكلة كما هي، تاركة آثارها السلبية على الوطن والمجتمع، وليت هذه المشكلة من المشاكل التي يحلها الزمن كبقية المشاكل والمصائب، على العكس، فإنها تزداد تعقيداً تحت حجج واهية . إن من الأسئلة التي تراودني دائماً حينما أتذكر الإحصاء المشؤوم الذي وضعته أصلا الحكومة الرجعية آنذاك، كيف لهذا القرار أن يستمر طيلة هذه الأعوام ويعمل به، وما هي العقلية التي وضعته ودرسته حتى تأخذ به جميع الحكومات المتعاقبة بعد ذلك حتى الآن، لتكون نتيجة ذلك مشروعاً متكاملاً من النتائج الكارثية على الوطن وعلى هذا العدد الهام من المواطنين، فالمستفيد الوحيد (آنياً) كان حكومة الانفصال ذات العقلية الشوفينية التي ننعتها الآن بكل المعاني السيئة، والقلة القليلة من الإقطاعيين الكبار في الجزيرة .

ولكن من الواضح أن المستفيد الآن هم أعداء الوطن الذين يخلقون كل الظروف من أجل مصالحهم الشخصية الضيقة .

إن الأكراد السوريين في محافظة الحسكة لن ينسوا هذا الإحصاء الجائر مهما مر الزمن وتعقدت الظروف، والمؤسف أن هناك من يلعب لعبته بهذه الورقة كل عام ويخلق مئة مشكلة ويغلق جميع الأبواب أمام المواطنين الكرد المجردين من جنسيتهم السورية، وربما ما حصل مع المئات من المعلمين والمدرسين الوكلاء في المحافظة بداية العام الدراسي، خير دليل على استمرار القهر، فعندما صدر قرار من الجهات (المسؤولة)  بمنعهم من حق التدريس مع أنهم من خريجي الجامعات السورية بكل فروعها شعر هؤلاء المعلمون بألم كبير وأحسوا بانتقاص كبير ومتعمد لإنسانيتهم ووطنيتهم، ومما زاد من دهشة هؤلاء المعلمين السوريين أبّاً عن جد تحويلهم من وزارة التربية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والطلب منهم التسجيل في مكاتب التشغيل حتى يتم إعادتهم إلى مدارسهم!! وكأنه لا ينقص مكاتب التشغيل سوى المعلمين لكي يكحلوا بهم أعينهم وأعين جيش العاطلين عن العمل.

إذا كان هذا حال المعلمين فما بالك بتسجيل الولادات التي أصبحت قيصرية في السجلات المدنية التي لا تعترف بوجودها أصلاً نتيجة تدخل أكثر من جهة أمنية .

أما الممتلكات فحدث ولا حرج، فإذا كان ابنك الذي هو من لحمك ودمك ليس من ممتلكاتك فكيف الحال بالنسبة للحاجيات الأخرى(الأراضي الزراعية ، السيارات،المحلات، المنزل، الزوجة.. الخ) .

أما المكتومون فما زالت شهاداتهم الثانوية ووثائقهم في أدراج الوزارة حتى إشعار آخر !!.

لقد أصبحت هذه القضية قضية وطنية بامتياز وحلها بأسرع وقت يعني قطع الطريق أمام المتربصين بوطننا وإن إنهاء النتائج الكارثية لإحصاء 1962 الرجعي المشؤوم فيه تعزيز للوحدة الوطنية وفوز للوطن .

 

■ علي نمر