طلاب جامعات درعا مصلحتهم مغيبة
تتفاقم تداعيات قرار استئناف مزاولة نشاط الجامعات الخاصة المرخصة في درعا، والموجودة ضمن المقرات المؤقتة بمدينة دمشق، خلال الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي 2016/2017.
بين القبول والرفض، وبين التبريرات وانتقاداتها، ما زالت القضية مثار نقاش وجدل بين الأوساط الطلابية وذوي الطلبة والكادر الإداري والتدريسي في هذه الجامعات.
المقرات الدائمة أفضل على مستوى التحصيل العلمي
ما من شك بأن استئناف العملية التعليمية لتلك الجامعات في مقراتها الرسمية المجهزة والمهيأة بشكل شبه نموذجي سيعود على الطلاب بمنافع كبيرة، وخاصة على مستوى الإمكانات المتوفرة في هذه المقرات من حيث المساعدات التعليمية، والقاعات الواسعة وغيرها من القضايا المرتبطة بحسن جودة العملية التعليمية ومخرجاتها.
صدر وأُفهم علناً!
القرار الحكومي صدر وأفهم علناً، فماذا عن آليات حسن تنفيذه؟ وكيف سيتم التعامل مع الصعوبات من أجل تذليلها؟ وكيف سيتم الحفاظ على الطلاب والكادر التدريسي من عدم التسرب، داخلاً أو خارجاً؟ وماذا عن المستقبل بحال عدم التمكن من التنفيذ بالموعد المقر؟.
كلها أسئلة كانت على ألسنة الطلاب وذويهم، بالإضافة إلى الكوادر التدريسية والإدارية في تلك الجامعات، ناهيك عن الآراء المتباينة لأصحاب هذه الجامعات والمستثمرين فيها.
عشرات الآلاف من المتضررين
الجامعات التي ستعود إلى منطقة غباغب بدرعا هي: الجامعة السورية الخاصة، والجامعة الدولية الخاصة، جامعة قاسيون، جامعة اليرموك، والجامعة العربية، ويقدر أعداد الطلاب بهذه الجامعات بالآلاف، وبالتالي فإن انعكاسات تنفيذ هذا القرار، بإيجابياتها وسلبياتها، ستطال عشرات الألاف من المواطنين السوريين، طلبة وذويهم ومعارفهم وأصدقائهم، وكوادر تعليمية وإدارية وطواقم خدمات وغيرهم، وعلى العملية التعليمية، كما على مستقبل الطلبة وطموحهم.
المقرات المؤقتة ضرورة أمنية
واقع الحال يقول أن هذه الجامعات اضطرت للانتقال إلى مقرات مؤقتة في مدينة دمشق من أجل استمرار تقديم خدماتها التعليمية للطلاب، وذلك على ضوء تدني عوامل الأمان بنتيجة تداعيات الحرب والأعمال القتالية وقطع الطرقات، وذلك منذ سنوات عدة، وقد تجاوبت التعليم العالي والحكومة بحينه مع هذا الظرف وسمحت لتلك الجامعات بالانتقال إلى مقرات مؤقتة، بما يحقق هذه الغاية ولو كانت على حساب الكثير من الشروط الفنية والعلمية في هذه المقرات.
على الرغم من أن المواصفات الفنية للأبنية المؤقتة كانت دون المستوى المقبول من النواحي كافة، وخاصة على مستوى المخابر وقاعات العملي وغيرها، إلا أنها كانت ملاذاً آمناً على مستوى استكمال التحصيل العلمي للطلبة، حيث قامت تلك الجامعات باستئجار بضعة أبنية متفرقة في دمشق لهذه الغاية، وهي بالأصل ليست مخصصة كأبنية تعليمية، لا من حيث النموذج الإنشائي والفني ولا من حيث البنية التحتية والخدمية، ولا من حيث القدرة الاستيعابية لأعداد الطلاب الكبيرة، وغيرها الكثير من الشروط التي حرم الطلاب منها بالشكل العملي، على الرغم من تحمل تكاليفها الباهظة المتمثلة بالرسوم السنوية والأقساط، وغيرها من المبالغ التي يتم تحصيلها تباعاً من الطلاب بمسميات وغايات عديدة.
الطلاب: لسنا موضع اختبار
على مستوى السلامة
الكثير من الطلاب كان قد سجل بهذه الجامعات كون مقراتها في دمشق، ولو كانت مؤقتة، وهؤلاء بعضهم أصبح بالسنة الدراسية الثالثة أو الرابعة حالياً، وبالتالي فإن رأيهم بهذا القرار وكأنه محاولة اقتلاع من الجذور، خاصة وأنهم ألفوا النواقص والمستلزمات الواجب توفرها بوجودهم بالمقرات المؤقتة طيلة السنوات الماضية.
ويقول هؤلاء أنه كان من الأجدى لوزارة التعليم العالي أن تفرض شروطها الفنية والعلمية على المقرات المؤقتة، كما أن فرض تنفيذ الاستئناف للعملية التعليمية بالمقرات الدائمة يجب أن يكون عند التيقن التام من عوامل الأمان والسلامة، فالموضوع لا يقبل التجريب والاختبار على حساب سلامتنا وأمننا، بظل الواقع الأمني الهش الحالي.
الواقع الأمني لم يتغير
والتوقيت غير مناسب
إحدى الطالبات تقول: بأن مبررات الانتقال إلى المقرات المؤقتة بدمشق ما زالت قائمة، وخاصة من حيث عوامل الأمان وسلامة الطرقات، فما زلنا نسمع عن بعض الاشتباكات، كما ما زال وضع الطرق غير آمن حتى تاريخه.
طالب آخر يرى: أن التوقيت بعملية الاستئناف تلك غير مرتبط بمصلحة الطلاب، بل هو أكثر ارتباطاً بمصلحة الجامعات والمستثمرين فيها، حيث تم إقرار النقل بالفصل الثاني من العام الدراسي، أي مع بداية عام 2017، وهو موعد انتهاء التعاقد الاستثماري بين هذه الجامعات وأصحاب المقرات المؤقتة بدمشق، والغاية من ذلك هو استنفاذ هذا التعاقد لمصلحة المستثمرين وليس لمصلحة الطلاب، حيث كان من الأجدى بالنسبة لنا كطلاب أن يكون استئناف العملية التعليمية في المقرات الرسمية ببداية العام الدراسي وليس ببداية السنة الميلادية.
طالب آخر تساءل: لماذا التعجل الآن، ولماذا لا يمنح الوقت الكافي من أجل استكمال الأمان في درعا وطرقاتها، بدلاً من المغامرة بنا ورمينا إلى المجهول؟.
والد إحدى الطالبات صرح: بأن عامل الأمان هو الشرط الأساسي لإمكانية تنفيذ هكذا قرار، بغض النظر عن آليات حسن تنفيذه الأخرى، فمن غير المقبول أن أضحي بسلامة ابنتي تنفيذاً لقرار لم يأخذ بعين الاعتبار سلامة الطلاب وأمنهم.
المؤسف عند بعض الطلاب وذويهم أن هذا القرار كان قدر صدر من قبل الحكومة، بمعنى آخر أن الحكومة نفسها لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطلاب وسلامتهم بهذا القرار.
قرار حكومي يحمل رسائل أخرى
القرار الحكومي أعلاه، بالإضافة إلى جانبه الإجرائي المتعلق بالعملية التعليمية والعودة إلى المقرات الدائمة المجهزة، وغيرها من تلك القضايا المرتبطة بهذا الجانب، ربما كان له جانب آخر، مفاده رسالة سياسية وأمنية وعسكرية: بأن الوضع الأمني بدرعا والطريق الواصل إليها قد أصبح تحت السيطرة، وهو ما يبرر الكثير من الذرائع المساقة ضمناً من أجل التقيد بالتنفيذ، ناهيك عن بعض المزاودات من بعض الأطراف الرسمية عند الحديث بهذا الشأن.
نفقة ووقت إضافيين واستهلاك جسدي ومعنوي
قضية هامة أثارها بعض الطلاب وذويهم من منتقدي القرار أعلاه، حيث أشار هؤلاء إلى عامل الزمن الذي سيتم اقتطاعه يومياً على حساب الطلاب على الطرقات ذهاباً وإياباً، والذي قدره بعضهم بأنه قد يصل إلى 4 ساعات يومياً، ناهيك عن المشقة والعناء الجسدي والنفسي المترتبة على تلك الساعات المهدورة، هذا بحال كانت عوامل الأمان متوفرة فعلاً، بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة المقترنة بعملية التنقل هذه، ناهيك عن الخشية من واقع التعامل من قبل بعض الحواجز على الطرقات.
وحسب ما أفاد به بعض الطلاب فإن الأهم على مستوى استئناف العملية التعليمية ونتائجها هو مقدار التزام الكادر التدريسي نفسه بتنفيذ مضمون القرار، حيث ستفقد هذه الجامعات جزءاً من كادرها التدريسي، وذلك لصعوبة تنقل هؤلاء اليومي بين دمشق، المستقرين فيها، وبين درعا، الأمر الذي سينعكس سلباً على العملية التعليمية نفسها وعلى مستقبل الطلاب وتأهيلهم العلمي المطلوب، حيث صرح بعض هؤلاء بذلك للطلاب.
واقع متباين للمقرات الدائمة
التوفير بالنفقة المترتبة جراء أجور المقرات المؤقتة كان سبباً مقنعاً بالنسبة لبعض الجامعات، فيما رأت غيرها، وخاصة تلك التي تحتاج إلى عامل زمني لإعادة التأهيل على أنه غير مناسب وسيكبد هذه الجامعات نفقات غير مبوبة في حساباتها الآن، ناهيك أنها لن تتمكن من تنفيذ المطلوب خلال هذه المهلة الزمنية الضيقة.
فبعض منشآت هذه الجامعات كان قد تعرض للكثير من الأضرار على مستوى الأبنية وعلى مستوى البنى التحتية لها، من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي واتصالات وغيرها، وإعادة تأهيلها سيستغرق وقتاً طويلاً وتكاليف باهظة، وذلك سيكون معيقاً أمام استئناف العملية التعليمية في تلك المنشآت حسب ما هو مأمول منها بموجب القرار العتيد بالموعد المنظور، بالإضافة إلى تأمين بقية مستلزمات الإقلاع المتعلقة بجملة هذه الخدمات بعد إعادة التأهيل، سواء على مستوى تأمين الكهرباء أو الاتصالات وحتى تأمين المحروقات، ناهيك عن تأمين وسائط النقل الكافية لنقل الطلاب والكادر الإداري والتدريسي.
رب ضارة نافعة
بعض الجامعات الخاصة الأخرى الواقعة ضمن المناطق الآمنة، والتي لم تضطر للانتقال إلى مقرات مؤقتة، أو التي لن يطبق عليها مضمونه، كان هذا القرار بالنسبة إليها يمثل شكلاً تنافسياً مع جامعات درعا، حيث زاد معدل استقطابها للطلاب المستجدين على أثر هذا القرار في مطلع العام الدراسي الحالي.
برسم الحكومة
ما سبق ذكره يؤشر على أن آراء الطلاب وذويهم ومصالحهم كانت مغيبة عن مضمون القرار الحكومي العتيد، وخاصة على مستوى أمنهم وسلامهم، وبالتالي فإن الإلزام بتنفيذه بالموعد المحدد سيكون له آثار سلبية مباشرة على هؤلاء، وربما تكون الحلول أمام بعضهم هو الانتقال إلى جامعات أخرى، داخلاً أو خارجاً، أو قد يصل الأمر إلى تسرب قسري من متابعة التعليم الجامعي للبعض الآخر، بغض النظر عن مصالح الجامعات الخاصة وتنافسيتها، وبغض النظر عن الرسالة المتوخاة من قبل الحكومة، وبغض النظر عما إذا استطاعت تلك الجامعات التقيد بالموعد المحدد أم لا.
فهل ستعمد الحكومة إلى استكمال فرض قرارها، ولو على حساب الطلاب وأمنهم ومصلحتهم ومستقبلهم؟.
أم أنها ستستجيب لمطالب هؤلاء وذويهم بالتريث بتنفيذ القرار، لحين الاستتباب الأمني الكامل لمنطقة درعا والطرقات الواصلة إليها؟.