عفرين: قرارات ارتجالية.. والمواطن يدفع الثمن
في النصف الثاني من عام 2012، قامت الإدارة الذاتية بمدينة عفرين بوضع يدها على الفرن الآلي الوحيد في المدينة، والذي يبلغ إنتاجه 30 طن من الطحين يومياً.
وقد كانت الحكومة سابقاً تؤمن مستلزمات الفرن الآلي جميعها من قمح وخميرة ومحروقات وبدائل طاقة بأسعار مدعومة، يضاف إليها رواتب الموظفين وما يتعلق بمستلزماتهجميعها، كما غيره من المخابز العاملة، الآلية والاحتياطية، على مستوى القطر، وذلك لقاء بيع الخبز بالسعر النظامي المدعوم للمواطنين، كونه من الحاجات الاستهلاكية الأساسية.
استكمال سيطرة
فيما بعد قامت الإدارة الذاتية بالمدينة بوضع يدها على الفرن رويداً رويداً إلى أن سيطرت عليه بالكامل، ولم تعد تقبل حتى بإيفاء التزامات الفرن للدولة (عائدات البيع اليومي لحساب الشركة العامة للمخابز).
الأمر الذي دعا الدولة، ممثلة بالشركة العامة للمخابز، بأن توعز لعامليها الانسحاب من العمل في المخبز مع استمرار صرف أجورهم، كي يصار لاحقاً إلى نقل ملاكهم إلى مدينة حلب، كونه قد أصبح تحت سيطرة الإدارة الذاتية بشكل كامل، الأمر الذي فرض على بعضهم الاستقالة اضطراراً، بحكم البعد الجغرافي عن حلب وواقع الظرف الأمني والعسكري في المنطقة.
عقدة المنشار!
مع الوقت قامت سلطة الإدارة الذاتية برفع سعر ربطة الخبز، بحجة تأمين المستلزمات التي ارتفعت كلفها ولم تعد قادرة على دعمها، وخاصة بعد انقطاع المشتقات النفطية وصعوبة تأمينها وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وهو الأمر الذي لم يكن له أي مبرر اقتصادي أو أمني أو اجتماعي؛ لأنها بعد هذه السيطرة أصبحت الإدارة الذاتية تحمل عبء الرغيف افتراضاً، رغم أن هذا العبء كانت تحمله الدولة، فما الحكمة من هذا التصرف، وخاصة أن هناك مناطق أخرى وتحت سيطرة الإدارة الذاتية مازالت تتعامل مع الدولة بشأن تأمين الطحين ورغيف الخبز للمواطن، حتى الأفران الخاصة تحصل على الدقيق والمشتقات النفطية عبر الدولة.
تخبط غير مبرر
مؤخراً أصبحت تباع ربطة الخبز العادي 2 كغ بـ 200 ل.س في عفرين وقراها، وافتتحوا أفراناً للخبز السياحي (الأبيض)، وتم تأمين الطحين عن طريق الإدارة الذاتية بأسعار مدعومة كما يدّعون، ربطة الخبز السياحي بـ 250 ل.س لكن نوعية أكثر جودة، فأصبح الإقبال على الخبز السياحي أكبر من الإقبال على هذه الأفران التي تديرها الإدارة الذاتية.
آخر ما تم هو أن الإدارة الذاتية لم تعد تريد بيع الخبز بسعر مدعوم، فصارت تبيعه بالسعر الرائج، وهو 400 ل.س للربطة الواحدة، بحجة الخسارة المترتبة بملايين الليرات بسبب دعم الخبز، بالمقارنة مع سعر الدولة بباقي المناطق، أي بسعر 50 ل.س بوزن 1,5 كغ تقريباً، لنجد الفوارق بالأسعار كبيرة، بين منطقتين متلاصقتين، على مادة حياتية يومية.
أين مصلحة المواطن؟
من الواضح أن النظرة السلطوية الضيقة من قبل الإدارة الذاتية في عفرين، والتي منعت الدولة بموجبها من أن تستمر بالقيام بمهامها وواجباتها على مستوى تأمين رغيف الخبز للمواطنين، كانت مغامرة ثبت فشلها عبر عدم تمكن هذه الإدارة من القيام بمثل هذه المهام والواجبات، ولكن النتيجة مع الأسف كانت على حساب المواطنين الذين يدفعون يومياً أثمان مثل هذه المغامرات غير محسوبة العواقب والنتائج على مستوى معيشتهم.
قائمة واسعة من الارتجال
يذكر أن مثل هذه القرارات الارتجالية وغير المحسوبة لم تقف عند هذا الحد، حيث تم فرض ضرائب على أشجار الزيتون 50 ل.س مقابل كل شجرة، وضرائب على المعاصر ومحال بيع الزيتون ...
قائمة تطول ولا تنتهي من القرارات التي تحمل طابع المغامرة غير المحسوبة، دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف المعيشية والاقتصادية للمواطنين.
سلطة أم سلطوية
لعل من أولى واجبات أي سلطة تأمين مستلزمات العيش الكريم للمواطنين بعدالة ودون تمييز، وتسخير الإمكانات المتاحة كلها من أجل تحقيق ذلك، أما أن يصار إلى التضحية بمتطلبات العيش وضروراته، على هامش النزعات السلطوية والصراعات عليها، فهذا تسلط وتحكم لا يمكن تبريره أو فرض وجوده بحكم الأمر الواقع.