أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

السوريون والتدخل الخارجي.. الحركة الاحتجاجية: «زيوان البلد ولا قمح الجلب».. ولكن لدينا مطالبنا!

طرأت تطورات كثيرة على الأزمة السورية مؤخراً، أبرزها على المستوى الداخلي تفاقم وتعاظم «المعالجة الأمنية» على حساب غياب أو سطحية المعالجات الأخرى، أما على المستوى الخارجي، فأبرز عناوين تلك التطورات «استفاقة» الكثير من الأنظمة الغربية والعربية على ضجيج المشهد السوري ووقع استمرار سقوط الكثير من السوريين المدنيين والعسكريين جرحى وقتلى، وبدء ملامح التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد بزعم حماية السوريين وتحقيق مطالبهم بالتغيير.

واللافت أن معظم شرائح الشعب السوري ما تزال تجمع على رفض أي تدخل خارجي في الشؤون الوطنية، بل وثمة تصاعد للدعوات المنادية بوحدة الصف الوطني بعيداً عن أي تحزب رجعي لطائفة أو لدين، والملاحظ في الشارع السوري أيضاً أنه رغم سيطرة الحل الأمني الذي أثبت عدم فعاليته في قمع الاحتجاجات، فإن الحراك الشعبي ما يزال يصر على سلميته، وإن ظهرت هنا أو هناك مظاهر مسلحة فإنها لا تجد أي قبول أو احتضان في معظم المناطق.

وما يثير الريبة الآن أن هناك جهات مختلفة تطلق على الحركة الاحتجاجية الشعبية اسم «الثورة السورية»، معتبرة إياها ثورة ناجحة جداً من حيث سلميتها وتنظيمها ونظافتها، وتؤكد بعدها بأنها سوف تدرّس في المستقبل لأنها قدمت الكثير من العبر بعد ما تعرضت له من تنكيل وقمع واعتقال وتشريد ونزوح، والذي لم يدفع الناس إلى حمل السلاح، بل بقي سلاح المحتجين الوحيد هو الكلمة والهتافات، قاصدة بهذا التغزّل بالحركة النفاذ إلى قلبها لغايات مختلفة، وليس على سبيل قول ما تستحقه الحركة فعلاً.. ما نود قوله باختصار هو أن مستوى التآمر على الحركة الاحتجاجية بأشكال مختلفة، وصل إلى ذروته، ولعل أخطره دعوتها للمطالبة بالتدخل الأجنبي، فما موقف الحركة من كل ذلك؟

للوقوف على حقيقة تطلعات المحتجين وموقفهم من مسألة التدخل الخارجي، جالت قاسيون في بعض مناطق دمشق الساخنة وكان لها لقاءات مع شرائح مختلفة من الأعمار والثقافات والتوجهات، وكانت الأجوبة التالية: 

آراء متقاطعة.. ومتفاوتة

المواطن (ع. ح) وهو طالب في السنة الرابعة قسم إدارة الأعمال قال: نحن نؤيد أي ضغط سياسي أو حقوقي على النظام ونرفض رفضاً قاطعاً التدخل العسكري، وسنقاومه، لأنه بنظرنا احتلال ولدينا تجارب حاضرة كالذي حصل في العراق، أما بالنسبة للعقوبات الاقتصادية فهي لا تضر النظام ولا تؤثر عليه وإنما تضر بنا، فالشعب هو الخاسر الوحيد.

المواطن (و. ل)، وهو طالب آداب يقول: أنا لا أقبل الخروج في مظاهرة فيها من يقبل بأي تدخل خارجي مهما كان نوعه وحجمه.. حركتنا وطنية، سلمية، وأهدافها نبيلة، ولا نريد من الآخرين خارج حدود بلدنا أي شيء.. وسوف تنتصر الحركة وتحقق كل أهدافها دون دعم من أحد.

الشيخ (ن. ن): نحن لا نطلب من أحد أي شيء، ولكن سلوك أجهزة النظام القمعية تستدعي دائماً أن تصدر أصوات داخلية وخارجية مطالبة بالتدخل.. ليتوقف القمع، حينها ستتوقف التهديدات وجميع أشكال التدخل في الشؤون السورية..

أما المواطن (ع. م) وهو موظف قال: أرفض التدخل العسكري.. إنه أمر غير مقبول، فالتجارب عديدة في العالم مثل العراق وليبيا.. أنا ضد هذا التدخل.. انظر إلى ما حدث في العراق وليبيا، لم ينتج عن التدخل سوى زيادة في عدد القتلى والجرحى وزيادة الدمار في البنى التحتية.

طالبة التجارة «ت. ا) تقول: التدخل الخارجي ليس بيد أي محتج أو محتجة، إنه مرهون بسلوك النظام نفسه، فليست المظاهرات من استدعت التدخل السياسي والدبلوماسي والتلويح بالتدخل العسكري، وإنما القمع المستمر للاحتجاجات بالرصاص الحي، وسقوط آلاف الشهداء وامتلاء الزنازين والسجون بعشرات آلاف المعتقلين من النساء والرجال والأطفال.. نحن ثورتنا سلمية ونزيهة، ولكن من لا يريد الاستماع لمطالبنا هو من يفسح المجال للأجانب ليتدخلوا بشؤوننا، والغريب أنه بينما تستمر الأجهزة في قمعنا، لم يتجرأ أي مسؤول على الرد على التهديدات الخارجية والإذلال المستمر لسورية نظاماً ودولة. 

العقوبات الاقتصادية..

المواطن (س. ع) وهو يعمل محامياً قال: النظام السوري لديه خبرة واسعة في مواجهة العقوبات التي تفرض عليه، وهو معتاد عليها. المشكلة في سورية هي سيطرة الحل الأمني على الحلول السياسية أو على الحوار والمشاركة التفاعلية في اتخاذ القرارات، وأعتقد أن العقوبات الاقتصادية لا تجدي ولا تخدم الحراك الشعبي، أما بالنسبة للتدخل العسكري فنحن نرفضه، وإن حصل سنشحن الهمم ونواجهه كما نواجه الفساد والخراب.

 (ن، ز) مهندس زراعي يقول: في سورية يوجد اكتفاء ذاتي، وهي لا تتأثر بالعقوبات الاقتصادية أو أي عقوبات أخرى، فإن فرضت من الغرب وأمريكا فالعالم واسع.. لتذهب الدولة نحو الشرق، فعلاقاتها جيدة مع أغلب الدول في الشرق، أما بالنسبة للتدخل العسكري فنحن نرفضه ونرفض أي تدخل من شأنه إضعاف سورية وإلحاق الأذى بها.

المواطنة (س. و) وهي طالبة في كلية الآداب قسم الفلسفة: أنا مع أي عقوبات تضعف من النظام، ولكن العقوبات المفروضة على سورية لا تؤثر عليه، وإنما المتضرر بالمقام الأول هو الشعب، أما بالنسبة للتدخل العسكري فالغرب يهمه مصالحه بالدرجة الأولى، والتدخل له ثمن كبير وخصوصاً بعد سقوط النظام لأن حسابات القائمين به مبنية على الاستيلاء والتحكم بالموارد باعتبارها ثمن العمليات التي تقوم بها.. نحن نصنع تاريخنا وحدنا ودون فرض أي إملاءات علينا من أية جهة أخرى.

المواطن (أ. ز) وهو عامل في القطاع الخاص قال: العقوبات الاقتصادية لا جدوى منها، والمستفيد الأكبر منها هو من يقوم بعمليات التهريب، والتدخل العسكري أمر نرفضه.. لا نود أن نذهب «من تحت الدلف إلى تحت المزراب» فإذا كان يقتل في الأسبوع حالياً حوالي /120/ شخصاً، فالتدخل العسكري يضاعف العدد ربما إلى عشرة أضعاف في اليوم الواحد.

المواطنة (و. ن) وهي موظفة تقول: نحن لا نعول على أمريكا أو الغرب في العقوبات أو في التدخل العسكري، فهم لا يعطون الشرعية للشعب السوري، وإنما الشعب السوري هو الذي يعطي الشرعية بوحدته وهمم شبابه وإذا كان لهذه الدول تصفية حسابات مع دول حليفة لسورية مثل إيران فهذا شأنهم ولا يمثل السوريين، ويجب أن يكون بعيداً عن الانتفاضة الشعبية السورية.

الشعب سيبقى مخلصاً للوطن

هكذا.. يجمع كل من التقينا بهم على المثل القائل: «زيوان بلدي ولا قمح الجلب»، وإن الشعب السوري قادر على أن يصنع حريته بيديه بعيداً عن كل التدخلات الخارجية، وبوحدة الصف الوطني، وكأنما الجميع يدرك أن الغرب لا يريد سوى تفتيته.. ولكن في الوقت نفسه أظهر الجميع خشيته من أن تتحول التهديدات إلى ممارسات ميدانية في أسرع وقت إذا ما استمر الاستعصاء قائماً.. وقد أجمع عدد لا بأس من المحتجين الذين التقينا بهم، أن السير باتجاه حوار وطني جاد وتوسيع حزمة الإصلاحات والجدية بها، ومحاسبة المسؤولين عن إراقة دم السوريين، هو الكفيل بإنقاذ البلاد من مخاطر المجهول القادم.. وهذا لن يتحقق قبل التوقف كلياً عن القمع، وسحب أجهزة الأمن وأعوانهم «الشبيحة» من الشوارع، وإعادة الجيش إلى خنادقه في مواجهة العدو الصهيوني.. فهو العدو الأول لهذه البلاد..