بين قوسين مواطن أم زبون؟
هل يكفي أن ينهض مجّمع تجاري ضخم وسط حي عشوائي، كي نعيش الحداثة؟ وهل التجوّل بين طبقات «المول» بمصعد كهربائي يضعنا على سلّم الحضارة؟ بعضهم فهم الأمر على هذا النحو، من دون أن ينظر إلى أن زائر المول لا يزال يعيش عقلية الدكان في الحارة، و«سجّل الحساب على الدفتر»
لكن الطبقة الجديدة التي صعدت إلى القمة فجأة، تريد ما يشبهها ويواكب تطلعاتها في حياة مرفهة، ومن دون خسائر، فأنشأت ثقافة استهلاكية طحنت ما عداها، في فرز طبقي سافر، أطاح بشرائح اجتماعية، كانت تعد نفسها إلى وقت قريب صاحبة «العروة الوسطى» في تثبيت ركائز الاقتصاد الوطني والمشروع الثقافي العام. هكذا غابت عن الواجهة صورة، واحتلت مكانها صورة أخرى، ملتقطة على عجل. صورة السائح في بلاده. السائح الذي يدخل بعربته الفخمة أزقة ضيّقة كي يتذوّق مأكولات مطعم جديد اُفتتح للتو، أو يعبر طريقاً سريعاً بنظرة خاطفة إلى بشر افترشوا الخلاء في نزهة يقتنصون خلالها بهجة مصطنعة. هكذا بنت هذه الطبقة الخلبية أسواراً لمدينتها الخيالية، ونسيت أو تناست ما يجري خارج الأسوار من عسف معيشي ضاغط.
ظاهرة الخادمات الأسيويات وحدها تعبّر عن مفارقة، إذ لا تكتمل صورة الأسرة السورية الثرية إلا بوجود خادمة آسيوية أو أكثر، لوجاهة خرقاء، وتشاوف اجتماعي يملأ الخواء الثقافي الذي تعيشه هذه الطبقة الطارئة، ولعل ما نسمع به من انتهاكات يومية للخدم يؤكد قيم هذه الطبقة. لن نجد في أوروبا ظاهرة كهذه، لكننا نصنعها في وضح النهار عبر مكاتب رسمية، لا نعلم كيف تمّ الترخيص لها، وتحت أي بند؟
.........
مابين «الغرض بعشرة» في البسطات العشوائية المنتشرة هذه الأيام بكثافة، والبضائع الصينية من جهة، وأرقى الماركات العالمية في المولات الجديدة من جهةٍ ثانية، نعيش حالة هجينة تحتاج إلى رؤية ترسم بوصلة واضحة لتوجهات الشارع السوري في منعطفه الجديد
.........
تكمن المعضلة ربما في سؤال جوهري: هل أنا مواطن أم زبون؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.