طلاّبُ المدارس في الحدائق والمقاهي!
تنتشر في مدينة دير الزور ظاهرة الفوضى والتسيب، والنمط الاستهلاكي المبتذل في الحياة، وفقدان الأمل بالعلم والتعليم والعمل، بسبب السياسات الاقتصادية الاجتماعية الحكومية، التعليمية منها تحديداً، التي ضيقت الخناق على الدارسين وأسرهم بفضل سياسة (عدم) الاستيعاب الجامعي وازدحام الطلاب في المدارس وتناقص مستلزمات التعليم بأنواعه ونقص المعلمين والمدرسين رغم وجود آلاف الخريجين منهم بلا عمل!!
رغم ما يقال عن إلزامية التعليم ومستواه، وهي ميزة كانت تتمتع بها سورية سابقاً، فإن التراجع عن ذلك، في العمق، حدث في السنوات الأخيرة بنسبة عالية، ولو أن الاهتمام مازال ظاهرياً، والحقائق والوقائع والأرقام تبين هذا، فنسبة الأمية في ارتفاع مستمر، ونسب التسرب مثلها، وانخفاض مستوى التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية وحتى الجامعات بات واضحاً، فيلجأ المواطنون إلى الدروس الخصوصية لأبنائهم ولو على حساب لقمة عيشهم. والانعكاسات السلبية لهذا الوضع كثيرة، لكن نشير إلى واحدة منها فقط، وهي تواجد أعداد كبيرة من تلاميذ المرحلة الابتدائية وطلاب الإعدادية والثانوية في الحدائق العامة والمقاهي أثناء فترة الدوام الرسمي. وما يجري في هذه الحدائق يبلغ من الخطورة حداً كبيراً، من تعاط للدخان والمخدرات، وممارساتٍ لا أخلاقية كالتحرش الجنسي والاعتداء على الأطفال، وفي المقاهي المعروفة التي تقدم إغراءات للطلبة بنقل المباريات الرياضية وتدخين الأركيلة (الشيشة) ولعب القمار.. حتى أن قسماً منها انتشر بين الطالبات وخاصةً في مناطق الأحياء الفقيرة وأحزمة الفقر عامة، كمنطقة الطبب في حي الثورة (الجورة) غربي المدينة، ومنطقة الطبب في حي تشرين (هرابش). فالفقر هو الذي دفع هؤلاء الشباب والمراهقين الريفيين الذين هجرت أسرهم الأرض لأن الزراعة لم تعد مجدية نتيجة القرارات المتعلقة بها، وكم من المدارس أغلقت وأصبحت خاوية بسبب الإهمال والفساد والجفاف والتصحر، كل ذلك يدفعهم للسرقة والدعارة والجريمة للحصول على المال، وكثير منهم يشاهَد وهو يبيع أشياء رخيصة كالبطاريات والقداحات والمحارم على مفارق الطرق وفي المقاهي والشوارع، وهم في عمر الزهور. ناهيك عن عمالة الأطفال في المطاعم والمقاصف والمناطق الصناعية. وما يزيد الطين بلةً هو الفساد المنتشر في الأوساط الرياضية والثقافية التي لا توفر لهؤلاء الشباب ما يثير اهتمامهم ويلبي حاجاتهم، ولا تعمل على استقطابهم ما يجعلهم عرضةً للاستقطاب من القوى الظلامية المدمِّرة للأخلاق والمجتمع.
هذه صورة بسيطة من الفساد الأخلاقي الناتج عن الفساد العام الذي يضرب جميع فعاليات البلاد.