أحمد الفيصل أحمد الفيصل

فلاحون برسم التهجير

قضية عتت على من يفك خيوطها، لا بل لم يعرف لها حل حتى الآن بعد أن أصدر وزير الزراعة كتابين في القضية نفسها، أحدهما يناقض الآخر..

القضية تخص مجموعة من الفلاحين في محافظة الرقة/ قرية حويجة السوافي، الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الفرات، والتابعة إدارياً لـ«كسرة عفنان»، هؤلاء الفلاحون استثمروا أرضاً أنهكت أجسادهم فترة طويلة من الزمن، لتأتي مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية فجأة، وتطردهم منها بحجة أن الأرض تصلح لأن تكون مقلعاً للبحص .

 

فمؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية خصصت بمساحة 500 دونم من العقار/513/ بموجب القرار /614/ لعام 1985 على أن يتم استعمال العقار لمدة /3/ سنوات من تاريخ التخصيص ولا يجوز استعماله إلا للغاية المخصص من أجلها .

لكن الفلاحين فوجئوا بأن المؤسسة تريد حرمانهم من باقي الأرض التي يستثمرونها، وهي من باقي العقار البالغ مساحته الإجمالية 787 دونماً وطردهم من الأرض على الرغم من أنهم يستثمرون الأرض منذ أكثر من 24 عاماً .

طرق الفلاحون كل الأبواب وتقدموا بشكواهم لأكثر من جهة ابتداء باتحاد الفلاحين والذي يعتبر المنظمة المدافعة عنهم، والتي بدورها راسلت السيد المحافظ بكتابها الذي يحمل الرقم (611/ 258/ ص. ح) تاريخ 20/5/2008 مبينة: «أن هؤلاء الفلاحين  من قرية حويجة السوافي (كسرة عفنان) سبق لهم وأن استثمروا الأرض منذ أكثر من 20 عاماً، وهي مزروعة بالمحاصيل الصيفية والشتوية، وقد فوجئوا بقيام مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية وبمؤازرة من الشرطة العسكرية، بمحاولة طردهم من أرضهم لتحويلها إلى مقلع بحص ورمل لمصلحة المؤسسة. والمطلوب تمكين الفلاحين من زراعة واستثمار أرضهم كونهم مستأجرين من أملاك الدولة، وتخصيص مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية بموقع آخر».

وكتاب آخر صادر من رئيس إتحاد العام للفلاحين في القطر موجه إلى وزير الزراعة يحمل الرقم (629/ ص. ز) تاريخ 26/3/2009، جاء فيه دون أي لبس: «إن الإخوة الفلاحين قد حصلوا على قرار حكم من المحكمة العسكرية بالرقة يضمن تثبيتهم بالأرض وعدم تجاوز المؤسسة عليهم. يرجى العمل والمساعدة في تثبيت الإخوة الفلاحين في أراضيهم التي يستثمرونها منذ عام 1985 م وحتى تاريخه وبعقود إيجار نظامية أو إعطاءهم أرض بديلة ليتمكنوا من تأمين معيشة أسرهم».

وكذلك كتاب مدير الزراعة بالرقة الذي يحمل الرقم /1726/ ص. م. د/ تاريخ 11/2/2008: «إن الأرض موضوع الخلاف هي أرض زراعية ومستثمرة من قبل الفلاحين وبموجب عقود نظامية».

لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي التناقض في موقف وزارة الزراعة، ففي كتاب يحمل الرقم (1502/3. د) تاريخ 13/4/2009  أكدت ما يلي: «إن الأرض المؤجرة بالعقد المنوه به مستثمرة من قبل الفلاحين المؤجرة لهم منذ ما قبل عمليتي التخصيص والتأجير دون معارضة من قبل أحد، كما أنهم لم يرتكبوا أية مخالفة لأنظمة التأجير النافذة وشروط عقد الإيجار الخاصة، ولذا، وفي ضوء ما تقدم، نرغب إليكم إجراء ما يلي :

إبقاء الفلاحين بالأرض المؤجرة لهم وتكملة المساحة المخصصة لمؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية من أراضي أملاك الدولة الشاغرة وفي حال عدم توافرها موافاتنا بإضبارة التخصيص موضوع القرار /614/ لعام 1985 لعرض موضوع التعديل على اللجنة التنفيذية».

لكن في كتاب لاحق يحمل رقم (2720/م.د) تاريخ 29/6/2009 عادت الوزارة لتقول كلاماً مناقضاً لما ورد بكتابها الأول: «نتيجة الكشف الجاري من قبل اللجنة المختصة تم تأجير مساحة 252 دونماً منها بالعقد المذكور خطأ، وذلك بسبب وجود تداخل بين الأرض المخصصة والأرض المؤجرة، وإن محافظ الرقة قام بتكليف نقابة المهندسين بدراسة واقع الأرض موضوع التداخل المشار إليه عن طريق لجنة فنية، حيث خلصت بموجب تقريرها المؤرخ 13/1/2009 إلى أن الأرض تصلح للاستعمال المقلعي كونها رملية. وحيث تقترحون الإبقاء على المساحة موضوع التداخل مخصصة للمؤسسة وتخفيضها من عقد إيجار الفلاحين للسبب المشار إليه، لذا وفي ضوء ما تقدم، نبلغكم الموافقة على اقتراحكم أعلاه وتسليم الأرض للجهة المخصصة خالية من الشواغل».

سؤال نطرحه برسم وزارة الزراعة: ما هو سر التناقض في كتابيكم؟ ومن يقف مع هؤلاء الفلاحين المساكين وأسرهم ليزرعوا الأرض، فتتحول من رمال قاحلة إلى أرض خضراء كقلوبهم الندية التي تستغيث؟